كيف سيكشف تلسكوب جيمس ويب عن أسرار الكون

سوف يستقر تلسكوب جيمس ويب الفضائي في نقطة لاجرانج الثانية، التي هي بقعة تقع خلف الأرض مباشرةً من منظور الشمس. هناك، سيجري التلسكوب عمليات رصد قوية للأجرام السماوية البعيدة؛ سيتمكن ويب من رصد الأشعة تحت الحمراء عبر الغبار بين النجمي. حقوق الصورة: Northrop Grumman


 

بقلم مارتن بارستو Martin Barstow، أستاذ في الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في جامعة ليستر.

 

إذا سار كل شيء وفقاً للخطة، فسندخل قريباً حقبة جديدة من علم الفلك.

 

كان إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي كلف 10 مليارات دولار في يوم عيد الميلاد عام 2021، مثيراً ومرعباً لآلاف العلماء والمهندسين والمديرين والموظفين الذين أوصلوا المهمة إلى تلك المرحلة. بصفتي رئيساً لمجلس معهد علوم التلسكوب الفضائي، الذي سيدير ​​مركز عمليات تلسكوب جيمس ويب، فلقد شعرت بالقلق أيضاً. إن الإمكانات العلمية لجيمس ويب هائلة ويمكن أن تجيب على بعض أكبر الأسئلة الكونية.

 

الكون المبكر الغامض


غالباً ما يُوصف تلسكوب جيمس ويب بأنه بديلٌ لتلسكوب هابل الفضائي، لكنني أعتبره خليفةً لهابل. يعمل هابل منذ أكثر من 30 عاماً وقد منحنا نظرةً مذهلة للكون وآلاف النتائج العلمية. نأمل ونتوقع أن يستمر هابل بالعمل لسنوات عديدة أخرى.

 

لكن مرآة هابل الصغيرة نسبياً التي يبلغ قطرها 2.4 متر، مقارنةً بالتلسكوبات الأرضية، تحد من حساسيته وقدرته على رصد الأجرام الخافتة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن هابل لديه القدرة على رصد الأشعة تحت الحمراء، فلا يمكنه رصد الأطوال الموجية لضوء أقدم النجوم والمجرات. لكن، سيكون تلسكوب جيمس ويب قادراً على القيام بذلك. وقد يتمكن من رصد نجوم المجموعة الثالثة (النجوم التي تشكلت من المواد البدائية للانفجار العظيم) والتي لم تُرصد حتى الآن.

 

إن معرفة متى تشكلت النجوم الأولى، بعد الانفجار العظيم بفترة وجيزة، وفهم كيف شكلت لبنات بناء المجرات الأولى هو سؤال علمي مهم وأحد الأهداف العلمية الأساسية لتلسكوب جيمس ويب. نحن نعلم أن العناصر اللازمة للحياة والتكنولوجيا الحديثة، مثل الكربون والسيليكون والذهب، قد تشكلت في النجوم المبكرة – لكننا لا نفهم بشكل جيد كيف حدث هذا.

 

كانت الحاجة إلى رصد الأجرام الخافتة في الكون البعيد عاملاً مهماً في تصميم التلسكوب، وتحديد حجمه ومدى الطول الموجي الذي سيرصده والحاجة إلى إبقائه بارداً جداً لتقليل ضوء الخلفية غير المرغوب فيه.

 

إن دراسة النجوم والمجرات الأولى ليست المهمة الوحيدة لتلسكوب جيمس ويب. صُمم جيمس ويب ليكون تلسكوباً متعدد الأغراض يمكن لعلماء الفلك من جميع أنحاء العالم استخدامه لدعم أبحاثهم. على سبيل المثال، سيسمح رصد الأشعة تحت الحمراء بكشف النجوم اليافعة جداً عبر سحب الغبار التي لا تسمح بمرور الضوء المرئي.

 

على عكس هابل، سيكون جيمس ويب قادراً على رؤية الحاضنات النجمية مباشرةً، حيث تولد النجوم وأنظمتها الكوكبية. سوف تجيب عمليات الرصد على أسئلةٍ حول آلية انهيار سحب الغبار والغاز لتكوين النجوم وآلية تشكل الأنظمة الكوكبية.

 

الكواكب الخارجية


عندما تم مناقشة الخطط الأولى لجيمس ويب قبل أكثر من 20 عاماً، لم تُكتشف أي كواكب خارج نظامنا الشمسي حينها. منذ ذلك الحين، اكتشف علماء الفلك آلاف الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى في مجرتنا (الكواكب الخارجية). سيُخصص جزء كبير من برنامج رصد جيمس ويب لدراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. ضُبطت تغطية الطول الموجي بشكل خاص لدراسة الجزيئات في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية والأشعة تحت الحمراء المنخفضة في الفضاء، ما سيمنح جيمس ويب ميزةً كبيرة مقارنةً بالتلسكوبات الأرضية.

 

هناك تقنيتان متاحتان. عندما تعبر الكواكب أمام نجومها، يخفت ضوء النجم المرصود بدرجة قليلة. من خلال تحليل ضوء النجم بدقة كبيرة قبل وأثناء عبوره، يمكننا تفحص الغلاف الجوي للكوكب الخارجي للكشف عن الجزيئات التي يتكون منها. تستخدم تقنية أخرى أداة خاصة تُسمى كوروناجراف لحجب ضوء النجم للسماح بتصوير الكوكب مباشرةً ودراسة غلافه الجوي أو سطحه. قد يساعد هذا في تحديد ما إذا كان الكوكب مناسباً للحياة.

 

الهدف النهائي هو اكتشاف كوكب مشابه للأرض، لكن ذلك سيتطلب ظروفاً خاصة جداً، لأن هذا النوع من الكواكب هو على الأرجح نادرٌ في المنطقة القريبة من نظامنا الشمسي وخافت جداً. على الأرجح، سوف يدرس جيمس ويب العمالقة الغازية مثل كوكب المشتري وزحل أو العمالقة الجليدية مثل أورانوس ونبتون. لا يشبه أيّ من الأنظمة الكوكبية المكتشفة نظامنا الشمسي، إذ تمتلك العديد من الكواكب العملاقة الخارجية مدارات أقرب لنجموها من مداراتنا، وأغلفة جوية أكثر سخونة بكثير وظروف مناخية أكثر ديناميكية.

 

بالإضافة إلى دراسة الكواكب الخارجية، سيكون جيمس ويب قادراً على رصد كواكب نظامنا الشمسي. ستسمح حساسيته الكبيرة بتحديد ووصف المذنبات والأجرام الجليدية الأخرى في المناطق الخارجية للنظام الشمسي. في هذه المناطق البعيدة، لم تتغير هذه الأجرام كثيراً منذ تكوينها، وقد تحتوي على أدلة حول أصول الأرض، لا سيما مصدر مياهها، التي قد تكون وصلت إلى الأرض نتيجة التصادمات النيزكية الكثيفة قبل مليارات السنين.

 

بالإضافة إلى ذلك، سيكون جيمس ويب قادراً على رصد جميع الكواكب التي تقع خارج مدار الأرض حول الشمس، ما سيتيح دراسة أغلفتها الجوية وتغيرات طقسها الموسمية.

 

تُعد الخطط والأفكار التفصيلية لهذه الاكتشافات المحتملة مبرراً أساسياً لتكلفة بناء هذا تلسكوب الطموح والثوري. لكن ستكون هناك اكتشافات لا يمكن لأحد توقعها. عندما أُطلِق تلسكوب هابل، كانت فكرة رصد الكواكب الخارجية بعيدة المنال، مع ذلك أصبحت دراسة الكواكب الخارجية إحدى مهامه الرئيسية. يا ترى ما هي الاكتشافات العلمية المدهشة الذي تنتظر تلسكوب جيمس ويب؟


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات