نموذج جديد لناسا يلقي الضوء على عالم غير مرئي من الكويكبات الكهربائية

ربما يبدو الفضاء فارغا –فراغ صامت، لكنه ليس فارغاً تماماً. يمتلئ الفضاء بالنشاط الكهربائي غير المرئي بالنسبة لأعيننا. تقوم ناسا بتطوير خطط من أجل إرسال البشر إلى كويكب وتريد معرفة المزيد حول البيئة الكهربائية التي ستواجه المستكشفين هناك.

 

تنبعث الرياح الشمسية من سطح الشمس عند سرعة تبلغ حوالي مليون ميل في الساعة وتجري هذه الرياح إلى كافة أجسام النظام الشمسي، لتشكل بالتالي دوامات وأعاصير عند تلك الأجسام. تنحرف الحقول المغناطيسية المحمولة بوساطة هذه الرياح وتتطور مع اصطدامها بالحقول المغناطيسية الموجودة حول الأجسام الأخرى في نظامنا الشمسي وتزيد بالتالي من سرعة الجسيمات لتصل إلى ملايين الأميال في الساعة الواحدة وترسل تيارات كهربائية تقوم بتهييج عواصف مغناطيسية يُمكن لها، في حالة الأرض، أن تقوم بالتسبب في دمار التكنولوجيا الحساسة مثل الأقمار الصناعية وشبكات الطاقة.

 

على الأجسام التي لا وجود للهواء فيها مثل الأقمار والكويكبات، يقوم ضوء الشمس بانتزاع الكترونات مشحونة سلبياً من المادة، الأمر الذي يُعطي للمناطق التي يصلها ضوء الشمس شحنة كهربائية إيجابية.

 

الرياح الشمسية عبارة عن غاز ناقل كهربائياً يُعرف بالبلازما، حيث تنقسم المادة فيها إلى الكترونات، جسيمات خفيفة نسبياً، وإلى أيونات مشحونة إيجابياً وهي أثقل بألآف المرات من الالكترونات. في الوقت الذي يُمكن فيه للأماكن المنارة بضوء الشمس أن تُشحن إيجابياً، تحصل المناطق الموجودة في الظل على شحنة سلبية قوية عندما تقوم الالكترونات الموجودة في الرياح الشمسية بالتسارع لملء الفراغات في الأيونات الأثقل.

 

سطح الأرض محمي، بوساطة الحقل المغناطيسي لكوكبنا، من التأثيرات المباشرة لهذا النشاط. لكن الأجسام عديمة الهواء والتي لا تمتلك حقولاً مغناطيسية قوية، مثل الكويكبات، لا تتمتع بحماية من النشاط الكهربائي في الفضاء.

 

قام باحثون من ناسا، مدعومين من قبل معهد أبحاث استكشاف النظام الشمسي (SSERVI)، بتطوير نموذج حاسوبي جديد يُمكن له التنبؤ وتصور التفاعلات الحاصلة بين الرياح الشمسية، الإشعاع الشمسي وسطح الكويكبات بدقة عالية جداً.

 

يقول Michael Zimmerman، قائد المشروع من مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز بميريلاند، ‘‘نموذجنا هو الأول من نوعه ويقوم بتقديم مشاهد ثنائية الأبعاد ومفصلة للتفاعل المعد بين النشاط الشمسي والأجسام الصغيرة مثل الكويكبات، وتم كل ذلك باستخدام تقنية حاسوبية تكيفية تجعل من عمليات المحاكاة هذه فعالة جداً‘‘.

 

ووفقاً لـ Zimmerman، كانت النماذج الحسابية "شبكية النوع" أقل فعالية عندما يتعلق الأمر بحساب تأثيرات النشاط الشمسي على السطوح المعقدة التي تتمتع بها أجسام كالكويكبات لأنها قامت بتكريس مصادر حاسوبية متساوية من أجل كل المناطق.

 

يقول Zimmerman، ‘‘يُمكن لنموذجنا أن يقوم بحساب تفاعل النشاط الشمسي-الكويكب خلال بضعة أيام. ربما يتطلب القيام بذلك والوصول إلى الدقة العالية نفسها بوساطة النموذج شبكي النوع بضعة أسابيع أو حاسوب فائق‘‘.

يخطط Zimmerman وفريقه من أجل تطبيق هذا النموذج لمعرفة فيما إذا كان النشاط الكهربائي حول الكويكبات يُمثل أي خطر محتمل على المستكشفين البشر.

 

يقول المؤلف المساعد William Farrell من مركز غودارد-ناسا لرحلات الفضاء في غرينبلت بميريلاند، ‘‘على سبيل المثال، يُمكن لعملية فهم البيئة الكهربائية المحيطة بالكويكبات أن تساعدنا على تحديد المواقع من الجسم التي يُمكن لرواد الفضاء لمسها بشكلٍ آمن. إذا قام رائد الفضاء الموصول بالمركبة الفضائية، وهي موجودة في ضوء الشمس ومشحونة إيجابياً، بلمس سطح الكويكب المشحون سلبياً والموجود في الظل، ربما يتولد عن ذلك تياراً غير متوقع ويقوم بالجريان بين النظامين على طول الوصلة بينهما. ببساطة، لا يمكننا تخمين طبيعة ذلك التيار دون هذا النموذج‘‘.

 

يُمكن أيضاً استخدام النموذج من أجل التنبؤ بالتفاعلات الحاصلة بين كويكب والمركبة الفضائية نفسها.

 

يقول Farrell، ‘‘إحدى الأسباب التي تدفعنا لزيارة الكويكبات تكمن في أنها عبارة عن بقايا بدائية نسبياً وتعود إلى مرحلة تشكل النظام الشمسي ولذلك فهي تقدم لنا أدلةً عن كيفية تشكل الكواكب وأصل الحياة. على أية حال، تُطلق المركبة الفضائية الغازات (مثل الماء) المؤينة وهذه الأيونات الصادرة عن المركبة الفضائية من المرجح أن تقوم بتلويث سطح الكويكبات التي نريد دراستها. يسمح هذا النموذج الجديد للكويكبات بحساب درجة تلويث وتجمع الأيونات في مناطق مختلفة من السطح‘‘.

 

Farrell هو الباحث الرئيسي في إحدى فرق SSERVI التسع والمعروف بالاستجابة الديناميكية للبيئة الموجودة على الكويكبات، القمر وأقمار المريخ (DREAM2)، حيث قدم هذا الفريق جزء من الدعم لتطوير النموذج.

 

يوضح النموذج أن الرياح الشمسية التي تجري عند الكويكبات الصغيرة تقوم بالتسبب ببعض الظواهر التي تمَّ رصدها مباشرةً على القمر، الأمر الذي يُعطي الفريق ثقةً كبيرة بالنتائج التي حصل عليها. على سبيل المثال، تقوم سحابة مكونة من الالكترونات الناتجة عن الشمس والمتطورة بشكلٍ جيد بالتشكل فوق سطح الكويكب المضاء بوساطة ضوء الشمس، في حين تجري ذيول فوق صوتية منخفضة الكثافة في أعقاب الجسم الموجود ضمن مجرى الرياح الشمسية. على أية حال، كأي نموذج حاسوبي آخر، يجب تأكيد هذه العناصر بالاعتماد على القياسات الفعلية القادمة من المهمات المستقبلية التي ستدرس الكويكبات.

 

يقول Zimmerman، ‘‘في النهاية، نخطط أيضاً من أجل توسيع قدرة النموذج من خلال القيام بتنبؤات وتصورات ضمن الأبعاد الثلاثية، بالإضافة إلى القدرة على محاكاة البنية التحتية للاستكشاف في البيئة الناقلة كهربائياً كما هي الحال مع تأثيرات الحقل المغناطيسي‘‘.

 

تم دعم البحث من قبل برنامج دراسات ما بعد الدكتوراه في ناسا والموجود في مركز غودارد وتمت إدارته من قبل جامعات Oak Ridge Associated عبر توقيع عقد مع ناسا. حصل البحث على دعمٍ أيضاً من NLSI وSSERVI الموجودين والمدارين من قبل مركز آميس-ناسا للأبحاث في موفيت فيلد بكاليفورنيا.

 

SSERVI عبارة عن معهد افتراضي يقوم بالتعاون مع شركاء دوليين بجلب باحثين علميين واستكشافيين للتعاون ضمن هذه المنصة الافتراضية. يتم تمويل SSERVI من قبل إدارة المهام العلمية ومهام الاستكشاف الانساني بالإضافة إلى إدارة مهام العمليات الموجودين في مقر ناسا بواشنطن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات