كيف يعرف علماء الفلك بشكل مؤكد أن النجوم تبعد تلك المسافة التي حددوها؟

إنَّ الطريقة التي يستخدمها علماء الفلك في قياس بعد النجوم هي جزء أساسي وحقلٌ فعال في علم الفلك وله آثار مهمة جدا في كيفية فهمنا للكون المحيط بنا. إن قياس الأبعاد إلى النجوم مشابه بشكل ما لبيت من الورق: نستخدم إحدى الطرق لقياس المسافات القريبة، ونستخدم طريقة جديدة تعتمد على قياساتنا الأولية للنجوم الأقرب بقصد معرفة بعد النجوم الأبعد. ومن ثمَّ لدينا طريقة أخرى للمسافات الأكثر بعداً، وهكذا. 

 

 
تُعرف الطريقة الأولى التي استخدمها علماء الفلك في قياس بعد النجوم بطريقة اختلاف المنظر parallax). إذا ما وضعت إصبعك أمام وجهك وأغمضت إحدى عينيك ونظرت بالأخرى، وبعد ذلك بدلت بين العينين، ستلاحظ وكأن إصبعك "انزاح" بالنسبة إلى الأجسام الأخرى الموجودة خلفه ويُعرف هذا التأثير بالاختلاف في المنظر. 

 

 
يمكن لعلماء الفلك قياس الاختلاف في المنظر من خلال قياس موقع النجوم القريبة بحذر شديد بالنسبة إلى نجوم أكثر بعدا وتقع خلفها. بعد ذلك، يقيسون تلك المسافات من جديد بعد ستة أشهر عندما تكون الأرض في الموقع المعاكس تماما على مداراها. يكون هذا الانزياح صغيراً، وأقل من ثانية قوسية حتى بالنسبة لأقرب النجوم -الثانية القوسية هي 1\60 من الدقيقة القوسية، التي هي بدورها 1\60 من الدرجة. 

 

 
في الحقيقة، سمعت مرة -لكن سمعتها لمرة ولم أكن قادر أبدا على إيجاد مصدر لها لتأكيدها، لذلك ضعها على أنها "إشاعة ملفتة للنظر وليس بالضرورة أن تكون حقيقية"- أن بعض علماء الفلك الإغريق القدماء بحثوا تحديدا وبالاعتماد على الاختلاف في المنظر عن نجوم للتأكد مما إذا كانت الأرض تدور حول الشمس. ولأنهم كانوا يعتقدون أن النجوم أقرب بكثير مما نعرفه الآن، فإن الحقيقة التي راقبوها هي أنه لا وجود لاختلاف في المنظر يُؤكد أو يوحي بأن الأرض لا تدور حول الشمس. وسواء كان هذا الأمر صحيحا أو لا، لم يستطع علماء الفلك قياس الاختلاف في المنظر بدقة حتى اختراع التلسكوبات. 

 

 
قام علماء الفلك بشكل حذر بقياس الاختلافات في المنظر للنجوم على مدار عقود وبدقة جيدة. لكن هذا العمل بطيء ومتعب جدا ونتج عنه قياس الاختلاف في المنظر بشكل جيد لبضعة آلاف النجوم فقط. 

 

 
في العام 1989، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية قمرا صناعيا يُدعى هيباركوس ليقوم بقياس دقيق للاختلاف بالمنظر لحوالي 120000 نجم (مضافا إليها مليون نجم آخر بدقة جيدة لكن أقل). زادت قياسات هيباركوس من عدد النجوم التي تم قياس الاختلاف بالمنظر بالنسبة إليها.

 

 
تُعطينا طريقة الاختلاف في المنظر أبعاد النجوم التي تبعد عنّا بضع آلاف من السنين الضوئية. وخلف هذه المسافات، يُصبح الاختلاف في المنظر أصغر من أن يتم قياسه بالأجهزة المعاصرة. لذلك يستخدم علماء الفلك طرقا أخرى غير مباشرة بقصد قياس المسافات التي تتجاوز بضع آلاف السنين الضوئية. 

 

 
يُمكن تلخيص الطرق المستخدمة في قياس المسافات التي تتجاوز آلاف السنين الضوئية كالتالي: 

الحركات النجمية (Stellar motions): كل النجوم تتحرك، لكن يُمكن إدراك هذه الحركات بالنسبة للنجوم القريبة فقط. ولذلك نستنتج إحصائياً أن النجوم التي تتحرك بشكلٍ أكبر هي الأقرب إلينا. ومن خلال قياس حركات عدد كبير من النجوم، نستطيع تقدير متوسط البعد بالاعتماد على متوسط الحركة. 

 

 
العناقيد المتحركة (Moving clusters): تتحرك العناقيد النجمية معا مثل العنقودين النجميين الثريا أو القلائص. ومن خلال تحليل الحركة الظاهرية للعنقود، يمكننا أن نحصل على بعده عنا. 

قانون التربيع العكسي (Inverse-square law): يعتمد اللمعان الظاهري للنجم على كل من لمعانه الجوهري (شدة سطوعه، أو كيف يلمع بشكل حقيقي) وعلى بعده عنا. وإذا ما عرفنا شدة السطوع الخاصة بنجم (على سبيل المثال، قمنا بقياس الاختلاف بالمنظر لنجم ما من نفس النوع واستفدنا من حقيقة معرفتنا بأن النجوم الأخرى من نفس النوع ستملك نفس اللمعان)، يمكننا بالتالي قياس لمعانه الظاهري (الذي يسمى أيضا القدر الظاهري) ومعرفة البعد من خلال استخدامنا لقانون التربيع العكسي. 

 

 
الخطوط بين-النجمية (Interstellar lines): الفضاء الكائن بين النجوم غير فارغ، ويحوي توزعات ضئيلة من الغاز. في بعض الأحيان، يترك هذا الأمر وراءه خطوط امتصاص في الطيف الذي نرصده من النجوم الواقعة خلف الغاز بين-النجمي. وكلما كان النجم أبعد، كان الامتصاص الذي يتم رصده أكبر لأنَّ الضوء في هذه الحالة يتحرك مسافة أكبر داخل الوسط بين-النجمي. 

 

 
علاقة الدور-اللمعان (Period-luminosity relation): تنبض بعض النجوم بشكل منتظم. وفي فيزياء تلك النبضات، تتعلق مدة النبضة الواحدة بلمعان النجم. وإذا تمكنا من قياس طول مدة النبضة لمثل هذه النجوم، سنستطيع حساب لمعانها. ومن لمعانها، يمكننا الحصول على القدر الظاهري لها، وبالتالي حساب البعد. 

حول الصورة: نُشاهد في الصورة الأخوات السبع المعروفة أيضا بالثريا. وتظهر وهي طافية على سرير من الريش في هذه الصورة الجديدة بالأشعة تحت الحمراء من تلسكوب سبيتزر الفضائي التابع لوكالة ناسا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات