أنابيب نانوية ذاتية التنظيم ومهتزة

تطور نظام غير متوازن يُبرهن على صحة مبدأ إنتاج الانتروبي الأعظمي.


يُخبرنا القانون الثاني في الترموديناميك أن كل الأنظمة تتطور نحو حالة يكون فيها الانتروبي أعظمي، حيث تُبدد الطاقة على شكل حرارة، ولا يُوجد طاقة متاحة للقيام بعمل.

 

منذ أواسط القرن العشرين، تُشير الأبحاث إلى توسيع للقانون الثاني في الترموديناميك في مجال الأنظمة غير المتوازنة، إذ ينص مبدأ إنتاج الانتروبي الأعظمي (MEPP) على أن النظام، البعيد عن حالة التوازن، يتطور بطريقة يتم عبرها إنتاج الانتروبي عند أعظم مستوى، ويحصل ذلك بوجود قيود معينة.

 

الآن، برهن الفيزيائيون أليكسي بيزريادن (Alexey Bezryadin) وألفريد هوبلر (Alfred Hubler) وأندري بيلكن (Andrey Belkin)  من جامعة ايلينوي في أوربانا، على نشوء البُنى ذاتية التنظيم، التي تقود تطور نظام غير متوازن نحو حالة إنتاج القيمة الأعظم للانتروبي.


يقترح المؤلفون ارتباط MEPP بتطور الأنظمة الصناعية ذاتية التنظيم بشكلٍ مشابه لما هو موجود في تطور الأنظمة المرتبة (الحياة البيولوجية) فوق الأرض، ونُشرت نتائج الفريق في مجلة  Nature.

 

لمبدأ MEPP عواقب مهمة على فهمنا لتطور الحياة البيولوجية على الأرض، وعلى القواعد الحاكمة لسلوك وتطور الأنظمة غير المتوازنة. نشأت الحياة على الأرض انطلاقاً من توزع غير متوازن للطاقة، ناجم عن الفوتونات الشمسية الساخنة التي صدمت الكوكب الأكثر برودة. بعدها، تطورت النباتات لتُصبح قادرة على التقاط الطاقة العالية للفوتونات وإنتاج الحرارة، مولدةً بذلك انتروبي. أما الحيوانات، فتطورت لتتغذى على النباتات، وتزيد بالتالي من تبديد الطاقة الحرارية وإنتاج الانتروبي.


في تجربتهم، وضع الباحثون عدداً كبيراً من الأنابيب النانوية الكربونية داخل مائع غير قطبي وغير ناقل، وأخذوا النظام بعيداً عن التوازن عبر تطبيق حقل كهربائي شديد. حالما شُحن النظام كهربائياً، فإنه تطور ليصل إلى الانتروبي الأعظمي عبر حالتين وسيطتين ومتمايزتين، ونشأت سلاسل من الأنابيب النانوية الموصلة وذاتية التجمع بشكلٍ تلقائي.


في الحالة الأولى، المعروفة بنظام الانهيار، تتحاذى السلاسل الناقلة مع بعضها بشكلٍ يتفق مع قطبية الكمون المطبق، مما يسمح للنظام حمل تيار وبالتالي تبديد الحرارة وإنتاج انتروبي. تظهر السلاسل على شكل أنابيب نانوية تنبت بشكلٍ متحاذي، بحيث تُكون سلاسل متجاورة ومتوازية، مما يؤدي إلى إنتاج الانتروبي بشكلٍ فعال. لكن عادةً ما يُدمر هذا التنظيم الذاتي جراء الانهيارات المُحفزة بوساطة الحرارة والشحن، المنطلق من تدفقات التيار الكهربائي الناجم.


يقول بيزريادن: "تجلت الانهيارات في تغيرات التيار الكهربائي مع مرور الزمن". وبعد حصول هذه الانهيارات، أصبحت السلاسل ذات الزوائد الملتوية مشابهة لشيء حي –كحشرة صغيرة مثلاً. يُعلق بيزريادن على الأمر قائلاً: "في المراحل النهائية من هذا النظام، لم تُدمر الزوائد خلال الانهيارات، وإنما تراجعت حتى انتهاء الانهيار. وبعد ذلك، شكلت اتصالاتها. لذلك، كان من الواضح جداً ارتباط الانهيارات بدورة ‘التغذية‘ الخاصة ‘بالحشرة النانوية‘".

 

في حالة التطور الثانية المستقرة نسبياً، وصل معدل إنتاج الانتروبي إلى قيمة عظمى، أو قريبة منها. وهذه الحالة عبارة عن حالة شبه مستقر، لا يُوجد فيها أي انهيارات مدمرة. تُشير الدراسة إلى وجود تصنيف محتمل لمراحل التطور ومعيار للنقطة، التي يُصبح عندها تطور النظام عكوساً، حيث يصل إنتاج الانتروبي في النظام الفرعي ذاتي التنظيم إلى القيمة العظمى المحتملة.

 

التجارب المستقبلية على الأنظمة الأكبر ضرورية من أجل تأكيد المبادئ المسؤولة عن ذلك، وإذا أثبتت صحة ذلك، ستُقدم تطوراً عظيماً في مجال التنبؤ بسلوك ونزعات التطور في الأنظمة غير المتوازنة.


وضع المؤلفون تشبيهاً بين تطور الحياة الذكية على الأرض وولادة "البق الهزاز" في تجربتهم. يقول الباحثون أن الدراسات الكمية المستقبلية ضرورية من أجل الإحاطة بهذه المقارنة. وبشكلٍ خاص، يريدون البرهان على أنه بإمكان "البق الهزاز" الخاص بهم التوالد، مما سيتطلب تجربة أخرى عند سلم قياس أكبر.

 

في حال نجحت مثل هذه الدراسة، فإنها ستؤدي إلى عواقب عديدة على تطوير تقنيات خاصة بالذكاء الصناعي ذاتي التنظيم، وهي فكرة يتم استكشافها من قبل المؤلف المشارك الفريد هوبلر، ويُمولها وكالة الدفاع لمشاريع الأبحاث المتقدمة.


يقترح بيزريادن: "تبدو النزعة العامة لتطور الأنظمة البيولوجية كالتالي: يتشكل المزيد من أشكال الحياة الأكثر تطوراً بهدف تبديد المزيد من الطاقة عبر توسيع مجال وصولها إلى العديد من أشكال الطاقة المخزنة. ويُمكن بالتالي اقتراح مبدأ كامن وراء ذلك، ويقع بين سحب الأنابيب النانوية ذاتية التنظيم، التي تُولد المزيد والمزيد من الحرارة عبر إنقاص مقاومتها الكهربائية والسماح بمرور المزيد من التيار، وبين الأنظمة البيولوجية الباحثة عن وسائل جديدة بقصد إيجاد الغذاء، إما عبر التكيف البيولوجي، أو اختراع المزيد من التكنولوجيا".


ويتابع: "يسمح توسيع المصادر الغذائية بنمو أنواع بيولوجية أكثر وباستهلاك المزيد من الغذاء، وبالتالي إنتاج المزيد من الحرارة والانتروبي. يبدو أنه من المنطقي القول بأن كائنات الحياة الحقيقية لاتزال بعيدة عن الوصول إلى حالة إنتاج الانتروبي الأعظمية. في كلا الحالتين، لا يزال هناك (انهيارات) أو (أحداث انقراض) ستُعيد هذا التطور إلى الصفر. ويُمكن توقع الوصول إلى حالة تطور مستقرة، فقط عند استهلاك كامل الطاقة الحرة القادمة من الشمس، عبر بناء كرات ديسون على سبيل المثال، وتحويلها إلى حرارة".

 

ويُضيف: "لا ينفصل الذكاء، كما نعرفه، عن شكل الحياة. بالتالي وللوصول إلى حياة صناعية، أو ذكاء صناعي، نقترح دراسة الأنظمة البعيدة عن التوازن، والتي تمتلك الكثير من درجات الحرية، بحيث يُمكنها أن تُصبح ذاتية التنظيم، وتُشارك في بعض التطور. يبدو أن معيار إنتاج الانتروبي سيبقى المبدأ المرشد بالنسبة لفعالية التطور!".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات