ما هو بوزون هيغز بالضبط؟

عادة ما تواجه "فيزياء الجسيمات" (particle physics) صعوبة في التنافس على العناوين الرئيسية للصحف مع السياسة والنميمة عن المشاهير، ولكن "بوزون هيغز" (Higgs boson) حصد قدراً من الاهتمام الجدي. وهذا بالضبط ما حدث في 4 يوليو/تموز 2012، عندما أعلن العلماء في سيرن أنهم وجدوا جسيماً يتصرف بالطريقة التي توقعوا أن يتصرف بوزون هيغز على نحوها.

 

ربما كان اسم البوزون الشهير الفخم والمثير للجدل، "الجسيم الرب" God Particle، هو ما أبقى وسائل الإعلام تضج بالطنين. من ناحية أخرى، فإن الاحتمال المثير لأن يكون بوزون هيغز هو المسؤول عن كل الكتل في الكون، لهو من الأمور التي تأسر الخيال أيضاً. أو ربما أننا ببساطة متحمسون لمعرفة المزيد عن عالمنا، ونحن نعلم أنه إذا كان بوزون هيغز موجوداً، فإننا سنكشف قدراً أكبر بعض الشيء من الأحجية.


مرحبا، هيغز؟ هل أنت هناك؟ العالم كله يرغب في معرفة ذلك. حقوق الصورة: Johannes Simon/Getty Images
مرحبا، هيغز؟ هل أنت هناك؟ العالم كله يرغب في معرفة ذلك. حقوق الصورة: Johannes Simon/Getty Images

مع ذلك، فمن أجل أن نفهم حقاً ما هو بوزون هيغز، نحن بحاجة لتفحص واحدة من أكثر النظريات بروزاً في وصف الطريقة التي يعمل بها الكون: "النموذج القياسي" (standard model). أتانا النموذج عن طريق فيزياء الجسيمات، وهو حقل مليء بالعلماء الذين كرسوا أنفسهم لاختزال كوننا المعقد إلى لبناته الأكثر أساسية. إنه تحدٍ كنا نتصدى له منذ عدة قرون، وقد أحرزنا كثيراً من التقدم. أولا، اكتشفنا الذرات، ثم البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، وأخيرا الكواركات واللبتونات (سنأتي على ذكر المزيد عنها لاحقاً). لكن الكون لا يحتوي على المادة فقط، بل يحتوي أيضاً على قوىً تؤثر في تلك المادة. لقد منحنا النموذج القياسي بصيرة أكثر نفاذاً فيما يتعلق بأنواع المواد والقوى، ربما أكثر من أي نظرية أخرى لدينا.

هذا هو لب النموذج القياسي، الذي طُوّر في أوائل السبعينيات من القرن العشرين: كوننا بأسره يتكون من 12 جسيماً لمواد مختلفة وأربع قوى [المصدر: المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية]. ومن بين هذه الجسيمات الـ 12، سوف تصادف ستة كواركات وستة لبتونات. الكواركات تشكل البروتونات والنيوترونات، في حين تشمل عضوية أسرة الليبتون الإلكترون ونيوترينو الإلكترون، أي نظيره محايد الشحنة. يعتقد العلماء أن اللبتونات والكواركات غير قابلة للتجزئة، أي أنك لا تستطيع تفكيكها إلى جسيمات أصغر. وإلى جانب كل تلك الجسيمات، يقر النموذج القياسي أيضاً بأربع قوى: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوية والضعيفة.


وكما هو شأن النظريات، كان النموذج القياسي فعالاً جداً، على الرغم من فشله في احتواء الجاذبية. فلقد تنبأ علماء الفيزياء، مسلحين بالنموذج، بوجود جسيمات محددة قبل سنوات من التحقق من وجودها تجريبياً. ولسوء الحظ، لا تزال هناك قطعة أخرى مفقودة من النموذج -بوزون هيغز. فما هو، وما سبب ضرورته للكون الذي يصف النموذج كيفية عمله؟ هيا بنا نكتشف ذلك.


بوزون هيغز: القطعة الأخيرة من اللغز


 كما تبين، يعتقد العلماء أن كل واحدة من تلك القوى الأساسية الأربعة لديها "جسيم ناقل" (carrier particle) نظير، أو بوزون، يؤثر في المادة. هذا مفهوم يصعب إدراكه. فنحن نميل إلى التفكير في القوى على أنها أشياء أثيرية غامضة تركب الخط الفاصل بين الوجود والعدم، ولكنها، في الواقع، حقيقية كما هي المادة ذاتها.



القوى الأساسية للكون.
القوى الأساسية للكون.

لقد وصف بعض علماء الفيزياء البوزونات بأنها أوزان معلقة بجزيئات المادة التي تولدها بواسطة أربطة مطاطية غامضة. باستخدام هذا التشبيه، يمكننا أن نفكر بالجسيمات على أنها ترتد بسرعة إلى خارج الوجود في لحظة، ولكنها تستطيع بنفس القدر الاشتباك مع أربطة مطاطية أخرى متصلة ببوزونات أخرى (وتقوم بنقل القوة في هذه العملية).

يعتقد العلماء أن لكل واحدة من تلك القوى الأربعة الأساسية بوزونات خاصة بها. على سبيل المثال، تعتمد المجالات الكهرومغناطيسية على الفوتون لنقل القوة الكهرومغناطيسية للمادة. ويعتقد علماء الفيزياء أن بوزون هيغز قد تكون له نفس الوظيفة -ولكنها نقل الكتلة نفسها.

ألا يمكن أن تكون للمادة كتلة بشكل أصيل فقط دون أشياء بوزون هيغز المربكة؟ ليس وفقاً للنموذج القياسي. لكن علماء الفيزياء وجدوا حلاً. ماذا لو كانت كل الجسيمات بلا كتلة أصيلة، ولكنها، عوضا عن ذلك، تكتسب الكتلة من خلال مرورها في حقل؟ هذا الحقل، الذي يعرف بـ "حقل هيغز" (Higgs field)، يستطيع التأثير في جسيمات مختلفة بطرق مختلفة. فالفوتونات يمكنها أن تنزلق من خلاله دون أن تتأثر، في حين أن بوزونات W وZ  "بوزونات تقوم بدور نواقل للقوى الضعيفة" (weak interactions) قد تعاق عن التقدم بكتلة. في الواقع، بفرض أن بوزون هيغز موجود، فإن كل ما له كتلة يحصل على هذه الكتلة من خلال التفاعل مع حقل هيغز القدير، الذي يحتل الكون كله. ومثله مثل غيره من الحقول التي يشملها النموذج القياسي، فإن حقل هيغز بحاجة لجسيم ناقل للتأثير في الجسيمات الأخرى، وهذا الجسيم يعرف ببوزون هيغز.

في 4 يوليو 2012، أعلن علماء يعملون مع مصادم هادرون الكبير (LHC) عن اكتشافهم لجسيم يتصرف بالطريقة التي يجب أن يتصرف بها بوزون هيغز. لكن النتائج ما زالت أولية إلى حد ما، على الرغم من أنها نشرت بدرجة عالية من اليقين. وبعض الباحثين سمّوا الجسيم "شبيه هيغز" (Higgslike) إلى أن تجتاز النتائج -والبيانات- مزيداً من التمحيص. أيا كان الأمر، فإن هذه النتائج قد تقود إلى فترة من الاكتشافات السريعة عن كوننا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات