أصل القمر وأسرار الرجل فوق القمر: الجزء الثالث

كنا في نهاية الجزء الثاني  قد تطرقنا إلى الفرضية التي وضعتها كوك عن أصل القمر الثاني للأرض، وقد أطلقت عليه تسمية اندميون. تعايش القمر وإندميون بسلام في البداية ولكن (كما يحدث غالبا في علاقات عاطفية) تغيرت الأمور مع مرور الوقت. تسبب تفاعلات الجاذبية في دوران القمر الرئيسي مبتعداً عن الأرض، مغيراً بذلك حركية النظام برمته. 

فقد إندميون قربه الثابت من القمر وانهار تحت تأثيرات عاشقه القمر (تأثيرات الجاذبية المدية والجزرية). اقترحت كوك في نظريتها أن إندميون تحطم في نهاية المطاف وأمطر وابلاً من الكويكبات على سطح القمر. إلا أن أسفوغ رأى احتمالاً مختلفاً تماماً.

فقد قال: "عندما تتشارك الأجرام في المدار فإنها تضرب بعضها البعض ببطء، وذلك بالسرعة التي تؤدي لوقوع الأشياء، فلا يخلق ذلك صدمة أو الكثير من الذوبان، وبدلاً من التفكير في هذا الأمر على أنه اصطدام هائل، فهو أشبه بانزلاق كوني. وسيكون واحداً من أكبر الانهيارات أو الانزلاقات الأرضية التي يمكنك أن تتخيلها". وفي مراحل لاحقة، فإن ما تبقى من إندميون سوف يسقط بمعدل بضع مئات من الأمتار في الثانية، بسرعة تقارب 1/100 من سرعة الاصطدام الهائل الذي بدأ هذه العملية في المقام الأول.

ويتابع أسفوغ موضحاً: "إذا أجريت الحسابات فستحصل على انتفاخ في المكان الذي ضرب فيه الجرم المصادم القمر. وهذا الانتفاخ عبارة عن قشرة متسمكة نتجت من مادة ذات كثافة أقل."

يماثل شكل الانتفاخ في نموذج أسفوغ شكل القشرة الفعلي على الجانب البعيد للقمر. ويقدر أن إندميون يجب أن يكون بعرض حوالي 621 ميلاً 1000 (كيلومترا) ليكون المسؤول عن كتلة القشرة الإضافية، وهذاحجم معقول -حوالي ربع قطر القمر الحالي. ومن شأن جسم صغير كهذا أن يبرد متحولاً إلى صخرة صلبة خلال 100 مليون سنة، وهو العمر التقريبي الذي سيكون عنده إندميون غير مستقر. 

عندما انهار إندميون متفتتاً على سطح القمر، كان ذلك من شأنه أن يخلق حقل أنقاض بمساحة تمتد على نصف الكرة القمرية، وهو بالتالي المسؤول بشكل مناسب تماماً عن تسمك القشرة على الجانب البعيد للقمر. لهذا الاصطدام اللطيف الهائل عواقب إضافية مثيرة للاهتمام/ فوزن كل تلك الصخور التي هبطت على نصف كرة واحد (أي على جهة واحدة فقط من القمر) ستؤدي لانضغاط المواد المنصهرة والغنية بالعناصر المشعة، وإبعادها مجبرة نحو نصف الكرة الآخر من القمر.

ويشير أسفوغ إلى ذلك موضحاً: "لذلك فإن هذا لا يخلق فقط تبايناً وانعدام تناظر في القشرة بين الجهتين ولكن أيضاً يخلق تبايناً واختلافاً حرارياً." إن تركز الحرارة على جانب واحد من القمر يمكن أيضا أن يسبب تمدداً مما يؤدي لتشكيل الخنادق التي رصدتها المركبة الفضائية غريل. 

حسناً إذا، لقد فُسر كل شيء، القشرة السميكة على الجانب البعيد والنشاط البركاني على الجانب القريب والخنادق القمرية الغامضة، كل ذلك توضح دفعة واحدة. إن أسفوغ أقل ثقة من أن الاصطدام اللطيف الكبير يمكن أن يكون مسؤولاً بشكل كامل عن عدم التناظر الغريب الذي بدأ هذا الجدل كله، ألا وهو تركز العلامات الداكنة فقط على الجانب القريب من القمر. 

يعترف أسفوغ قائلاً: "الأمر أقرب إلى خط زمني متواصل" لأن تدفقات الحمم البركانية التي خلقت ماريا (الحمم القمرية) ثارت في وقت لاحق بعد ذلك بكثير، بعد نحو مليار سنة من تشكل القمر. ولكن نموذج أسفوغ من خلال تفسيره لسماكة القشرة الزائدة على الجانب البعيد والحرارة الداخلية المرتفعة على الجانب القريب، فإنه على الأقل يهيئ الظروف المناسبة للحمم لتتواجد على نصف كرة قمرية بدلاً من النصف الآخر.

كلما استمعت لأسفوغ ازداد اقتناعي بآرائه. على الرغم من أن الاصطدام اللطيف الكبير لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن جميع الشذوذات الغريبة للقمر، إلا أنه يفسر قسماً كبيراً منها. ولكن في مجال علوم القمر ذات التطور البطيء جداً، تلقى أفكار أسفوغ رد فعل فاتر حتى الآن. لم ينشأ قمرنا من قمر واحد ولكن من اثنين؟ واصطدام فضائي أنتج انزلاقاً بين جرمين بدلا من كارثة؟ نعم، سنعود إليكم في هذا الشأن في الجزء الرابع  والأخير من هذه السلسلة. 

يُمكنكم قراءة الأجزاء في الراوبط التالية: الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع .

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات