كيف تدمر المستويات المنخفضة من الأكسجين الدماغ؟

حقوق الصورة: PopTika/Shutterstock.com



في هذه المقابلة، تحدث كلٌّ من البروفيسور بول تيسار Paul Tesar وكيفن ألان Kevin Allan إلى News-Medical حول آلية الضرر البالغ الذي يسببه تدني مستوى الأكسجين في الدماغ، بمزيد من البحث، يمكننا المساعدة في تطوير علاجاتٍ فعالةٍ للأمراض العصبية الناجمة عن انخفاض مستويات الأكسجين.

ما الذي أثار بحثك في الدماغ؟ لماذا يُعتبر فهم الآلية الكامنة بوظائف الدماغ مهمًا جدًا للبحث العلمي؟

إن جسمنا آلةٌ معقدةٌ تتطلب مزامنة عمل جميع أجزائها، والتواصل في ما بينها بشكلٍ صحيحٍ حتى تعمل بكفاءةٍ.
يعمل الدماغ كجهاز كمبيوتر عملاق يحافظ بنشاط على جميع أنظمة الأعضاء تقريبًا، في حين يمنحنا في نفس الوقت هدية إدراك بيئتنا.

تفسح هذه القوة المذهلة لدماغنا المجالَ لأن يكون عرضةً للعديد من الأمراض، التي تحرم الأفراد المصابين من قدراتٍ غالبًا ما نأخذها كأمرٍ مسلّمٍ به، من الذاكرة والإدراك إلى قدرتنا على تحريك الذراع أو الساق. يترك التعقيد الهائل وهشاشة أدمغتنا العديد من الأسئلة حول وظائف الدماغ دون إجابة، ما يوفر فرصةً للبحث واكتشاف العلاج للمرضى.

أجسامنا مُجهزة بخلايا جذعيةٍ للمساعدة في الاستجابة للإصابة والمساعدة في تجدد الأنسجة التالفة. يدرس مختبر تيسار نوعًا معينًا من خلايا الدماغ الجذعية اللازمة لصنع مادة المَيالين (النخاعين) الدهنية التي تشكل غمدًا يحيط بالمحوار العصبي لبعض الخلايا العصبية في الدماغ. يتلف الميالين بسبب العديد من الأمراض مثل التصلب المتعدد والشلل الدماغي، ما يؤدي إلى العديد من الأعراض الموهنة.

تكون هذه الخلايا المنتجة للميالين حساسةً جدًا لنقص مستوى الأكسجين، أو نَقْصُ الأكسجة. ويعزز فهمنا لكيفية استجابة هذه الخلايا لانخفاض الأكسجة فهمَنا أيضًا لعددٍ لا يُحصى من الأمراض العصبية.

هل يمكنك وصف سبب أهمية الأكسجين للجسم وخاصةً لوظائف الدماغ؟

عندما دخل الأكسجين الغلاف الجوي، كان ذلك بالتزامن مع التطور الهائل لشكل الحياة المعقدة التي نشهدها حاليًا، حيث استخدام الأكسجين لإنتاج الطاقة اللازمة للحفاظ على وظائف الحياة المتقدمة، وبدون الأكسجين، تكون خلايانا غير قادرةٍ على إنتاج الطاقة اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ومن ثم الموت.

الدماغ هو العضو الأكثر تطلبًا من ناحية الأيض (استقلاب الطاقة الحيوي) في الجسم، ويُعتقد أنه يستخدم 20% من أكسجين الجسم، لذلك، ليس مفاجئًا كونه أحد الأعضاء الأكثر عرضةً لنقص الأكسجة.

ما الذي يسبب انخفاض مستويات الأكسجين في الدماغ، وما هي الأمراض العصبية التي يمكن أن يسببها نَقْصُ الأكسجة لفتراتٍ طويلةٍ؟

يمكن أن يؤدي انخفاض مستوى الأكسجين أو نقْصُ الأكسجة إلى تلف الدماغ في العديد من الأمراض.


مثلًا السكتات الدماغية، التي تحدث عندما تعترض خثرة دموية سيل تدفق الدم إلى الدماغ، وهي سببٌ رئيسيٌّ للوفاة والإعاقات الحركية لبعض أعضاء الجسم في الولايات المتحدة.
يمكن أن تحدث إصابةٌ لدماغ الأطفال حديثي الولادة عندما يولد الرضيع مبكرًا قبل آوانه، وهو ما يحدث تقريبًا بنسبة 1 من كل 10 أطفال يولدون في الولايات المتحدة الأمريكية.

غالبًا ما يولد الأطفال الخدج برئتين وأوعية دماغية غير مكتملة النمو، ما يؤدي إلى ضعف وصول الأكسجين للدماغ النامي، ما يؤدي في النهاية إلى إعاقةٍ حركية وإدراكية.
يمكن لأعراض الضائقة التنفسية التي تظهر لدى مرضى COVID-19 الحاد، أن تقلل من مستويات الأكسجين في الدماغ، وتؤدي إلى تلفه.
يساعد فهمنا لكيفية استجابة خلايا الدماغ لانخفاض مستوى الأكسجين على العلاجات المستقبلية التي تهدف إلى تقليل الضرر أو تسهيل التعافي.

ما هي العوامل المحفزة لنَقْصُ الأكسجة (HIFs)؟ وكيف تعمل استجابةً لانخفاض مستويات الأكسجين؟

نظرًا لاحتياجنا للأكسجين من أجل بقاء الخلية حية، فقد طوّرت عديداتُ الخلايا آليةً مماثلةً للاستجابة السريعة لنقص الأكسجين من خلال تراكم مجموعة من البروتينات تُسمّى العوامل المحفزة لنَقْصُ الأكسجة (HIF). تُصنع هذه البروتينات باستمرار في جميع خلايا الجسم، وتحللها الخلايا بسرعة في حال توفر الأكسجين لديها.

أما في حالة نقص الأكسجين أو وجود الكائن أو الخلية في بيئةٍ ذات مستوى أكسجةٍ محدودٍ، تتوقف الخلايا عن تحليل هذه البروتينات وتراكمها، و تُفعِّل آليات الحفاظ الحيوي التي تمكنها من المحافظة على أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأكسجين للبقاء على قيد الحياة. كان اكتشاف هذه الآلية سببًا في نيل كلٍّ من بيل كايلين Bill Kaelin، وجريج سيميزا Gregg Semeza، وبيتر راتكليف Peter Ratcliffe جائزةَ نوبل لعام 2019.

يمكن اعتبار بروتينات HIF كأقوى وأول المستجيبات التي تندفع لإنقاذ الخلية والمحافظة عليها حيةً لأطول فترةٍ ممكنةٍ في سياق انخفاض الأكسجين.
ومع ذلك، يضر نقص الأكسجة في النهاية بوظيفة الخلية، ولم يكن معروفًا كيف تتلف محفزات نقص الأكسجة، التي يُعتقد أنها خط الدفاع الأول في جميع الخلايا، الخلايا سابقًا.

في أحدث بحثٍ أجريته، درست كيفية عمل هذه البروتينات المحفزة؛ هل يمكنك أن تصف كيف أجريت هذا البحث؟

ابتكرنا في مختبر تيسار طرقًا جديدةً لتحفيز نمز خلايا الدماغ الجذعية على نطاقٍ واسعٍ وبنقاءٍ عالٍ، ومن خلال ذلك تمكنا من دراسة كيف تدمر بروتينات HIF الخلايا الجذعية في الدماغ.

استخدمنا تقنية CRISPR لهندسة تركيب خلايا الدماغ الجذعية باستخدام بروتين مستجيب لنَقْصُ الأكسجة المزمن، ويُسمّى HIF1a. عكس هذا النموذج الخلوي القوي الاستجابة لانخفاض الأكسجين، والضرر الذي يلحقه بالخلايا.

ماذا اكتشفت؟

عند مقارنة كيفية استجابة خلايا دماغنا الجذعية مع HIFs واستجابة الأنسجة الأخرى، وجدنا أن جميع أنواع الأنسجة لها نفس الآلية لتكيف الخلية مع الأكسجين، ولكن ما كان مفاجئًا هو أنّ لدى جميع الأنسجة استجابةً ثانيةً تعتمد على نوعها أيضًا. بعبارةٍ أخرى، بالإضافة إلى الآلية المشتركة، يبدو أن خلايا الدماغ الجذعية وخلايا القلب تعملان بآليةٍ ثانيةٍ أيضًا.

تفاجئنا بأنّ لهذه الآلية المشتركة بين الخلايا والأنسجة التي تستجيب لنقص الأكسجة تأثيراتٍ متباينةً بحسب أنواع الخلايا الدماغية المختلفة، وتبيّن لنا بعد ذلك أن الآلية الثانية الخاصة بالأنسجة هي التي تُضعف وظيفة الخلايا الجذعية في الدماغ. لا يقتصر الأمر على قدرة الخلايا على الاستجابة بطرقٍ مختلفةٍ لانخفاض الأكسجين بناءً على نوعها، ولكن هذه الاستجابة الخاصة بالأنسجة قادرةٌ أيضًا على إتلاف وظيفة الخلية.

كيف سيساعد بحثك على تطوير علاجات مستقبلية فعالة للأمراض العصبية الناجمة عن نقص الأكسجين؟

أجرينا مسحًا للأدوية للكشف عن المركبات المحتملة التي يمكنها استعادة وظيفة الخلايا الدماغية الجذعية بعد التلف الناجم عن نقص الأكسجة واكتشفنا فئةً من المركبات الدوائية التي تمكننا من إنقاذ الوظيفة الخلوية دون التأثير على النشاط المفيد لمستجيبات نقص الأكسجة.

بعبارةٍ أخرى، كانت هذه المركبات قادرةً على إنقاذ وظيفة الخلية من خلال استهداف الآلية المدمرة لنقص الأكسجة على وجه التحديد. جعلنا هذا ندرك أنه يمكن إعادة تصميم علاجات للأمراض الناجمة عن انخفاض الأكسجة من خلال البحث عن العلاجات التي تستهدف الآلية المدمرة للأنسجة من بروتينات HIF مع البقاء على الوظيفة الفعّالة لـHIF.

تلعب هذة المستجيبات لنقص الأكسجية دورًا ثنائيًا كالبطل والشرير، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى تصميم دواء يستهدف الآلية المدمرة فقط.

هل تعتقد أنه إذا طُوِّرت علاجاتٌ فعالةٌ يمكننا المساعدة في الحد من تلف الأنسجة الناجم عن نقْصِ الأكسجة؟

أجل، إن تصميم أدوية تحفّز الخلايا الجذعية في الدماغ على تجديد المناطق التالفة يوفر لنا القدرة على الحد من تلف الأنسجة الناتج عن نقْص الأكسجة.

يوضح عملنا أنه من المهم فهم كيفية تأثر نوع الخلية المحدد بنَقْص الأكسجة لتصميمٍ علاجيٍّ فعّالٍ.
ومع هذه المعرفة الجديدة، فإن الكشف عن الأدوية التي يمكن أن تستهدف تلفًا خلويًا محددًا مع الحفاظ على الوظائف الفعّالة لـHIF يزيد من احتمالية استعادة وظيفة الأنسجة.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات