يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
هل تؤثر التقلبات الشمسية على مناخنا؟

كان تأثير الشمس على مناخ كوكبنا مؤخرًا موضوع نقاشٍ ساخنٍ في إطار تغير المناخ. ودفع الخلاف القائم حول هذه القضية العلماء في جميع أنحاء أوروبا للبحث بشكلٍ أعمق بشأن الادعاء القائل بأن النشاط الشمسي يمكن أن يكون سببًا رئيسيًا للاحترار العالمي.

أظهرت الأبحاث في الثمانينيات من القرن العشرين تغير مستويات أشعة الشمس، فتبادر السؤال التالي إلى الأذهان طبيعيًا: هل تؤثر التقلبات الشمسية على مناخنا؟ وعلى الرغم من أن الأدلة الجديدة التي تشير إلى أن للتقلبات الشمسية تأثيرًا بسيطًا، إلا أن الدراسات العلمية المتفرقة لم تساعدنا على تحسين الكيفية التي تُقيَّم بها التقلبات الشمسية.

وفي عام 2011، أنشأ باحثون أوروبيون توسكا TOSCA، وهي شبكةٌ أوروبيةٌ متعددة التخصصات تضمّ علماءَ من 20 دولةً، هدفها هو توفير فهمٍ أفضل للعمل الذي يهدف إلى تقييم مختلف مساهمات التقلبات الشمسية في مناخ الأرض وتمولها COST، وهي منظمةٌ أوروبيةٌ تدعم التعاون بين المهندسين والباحثين في جميع أنحاء أوروبا. إذًا، هدف توسكا هو فهم تأثير التقلبات الشمسية على المناخ على خلفية الاحترار العالمي. لذا تجمع أكثر من 100 متخصّصٍ في الفيزياء الشمسية والمغناطيسية الأرضية ونمذجة المناخ أو كيمياء الغلاف الجوي للبحث في هذا الموضوع واستكشافه بطريقةٍ جديدةٍ.

وفي السابق، ركزت تحليلات العلاقة بين الشمس والأرض على قياس إجمالي الإشعاع الشمسي، أو الاختلافات في الإشعاع الشمسي.

ويشير الدكتور تيري دودوك دو فيت Thierry Dudok de Wit من جامعة أورليان في فرنسا إلى ذلك بالقول: "يشبه الأمر قياس حجم ثروة البلد بالنظر إلى ناتجه المحلي الإجمالي". ولطالما ركزت الدراسات المناخية منفردةً على آلياتٍ مماثلةٍ، ما حدا بتوسكا لأن تختار نهجًا عالميًا، بتوكيل المهمة إلى خبراءٍ من مختلف الأوساط البحثية.

ويضيف الدكتور تييري دودوك دو فيت الذي قاد العمل: "كان أكبر إنجازٍ لنا هو تغيير الطريقة التي تفاعلنا بها، وذلك عبر النظر في الصلات الأرضية الشمسية ككلٍّ وليس بشكلٍ فرديٍّ".

وترمي المجموعة إلى الحصول على فكرةٍ أفضل عن الآليات الفيزيائية والكيميائية التي تقود مثل هذه الاختلافات وكم كانت مؤثرةً. ويساعد فهم آلياتها أيضًا على رسم صورةٍ أفضل عن الصلة بين التقلبات الشمسية وتغير المناخ.

وبمقارنة القياسات الأخيرة مع نتائجَ من نماذجَ جديدةٍ، تحدّت الشبكة الافتراض الذي كان موضع جدلٍ لزمنٍ طويلٍ والقائل بأن التغيّر الطفيف في الإشعاع الشمسي قد يتسبب بتغير مناخ الأرض. ووجدوا آلياتٍ يمكن للتقلبات الشمسية من خلالها أن تغير الفروقات المناخية على صعيدٍ إقليميٍّ، ولكنها ليست بتلك التي ستسبب احترارًا عالميًّا.

وبالنظر إلى فتراتٍ زمنيةٍ تفوق القرن، يتضح أثر التقلبات الشمسية على تغير المناخ، لكن وعلى المدى القصير، ثبت التأثير الأكبر لغازات الدفيئة. ومع ذلك لا تزال هناك العديد من الأسئلة وراء الصلة بين الشمس والأرض، وبعضها ساعدت شبكة توسكا TOSCA في الإجابة عنها.

ومن خلال دراسة الظواهر المختلفة التي تظهر التأثير الشمسي على المناخ بشكلٍ عامٍ، أظهر الفريق أنه من الممكن أن يكون للعديد من الظواهر الخفيفة تأثيرٌ كبيرٌ، وغالبًا ما يكون محليًا. فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة الأشعة فوق البنفسجية 7٪ فقط من الطاقة الشمسية، ولكن تنتج عن تقلباتها تغيراتٌ في طبقة الستراتوسفير بالقرب من خط الاستواء وصولًا إلى المناطق القطبية، الأمر الذي يحكم المناخ. وهذا يعني أن فصول الشتاء في أوروبا ستصبح أكثر رطوبةً وأخفّ برودةً، أو نقيض ذلك، أي أشدّ جفافًا وأكثر برودةً، وذلك اعتمادًا على حالة الشمس.

ووجدوا أيضًا أن تيارات الإلكترونات والبروتونات المعروفة باسم الرياح الشمسية والمؤثرة على المجال الكهربائي للأرض، تؤدي إلى تغيراتٍ في تشكيل الهباء الجوي (وهي جزيئاتٌ عالقةٌ في الهواء)، مما يؤثر في نهاية المطاف على هطول الأمطار. هذه الآثار التي تم تجاهلها حتى الآن، ستُدرج الآن في عدّة نماذجَ مناخيةٍ من أجل بناء صورةٍ أكثر اكتمالًا.

ويقدم كتيب توسكا TOSCA جميع الحقائق العلمية الكامنة وراء نتائج الشبكة، كما يظهر أيضًا جهود الشبكة للتواصل مع جمهورٍ عامٍ من خلال عرض الحقائق، والتي هي الآن مطروحةٌ للتدقيق العام. وكان هذا الإجراء مثالًا آخر على المساهمة الأساسية للباحثين الشباب. ويضيف الدكتور دودوك دي فيت بهذا الصدد: "لو أنني كنت سأقود عملًا آخرًا لكوست، سأعمل على انخراط المزيد من الباحثين الشباب في هذا العمل، فالعقول الشابّة الذكية هي التي أحدثت الفارق في مجموعتنا".

كان للدكتور بنجامين لاكن Benjamin Laken دورٌ رائدٌ في إحدى مدارس التدريب التابعة لتوسكا، وهو يقول: "لقد أوضحت كيفية استخدام لغة برمجة بايثون Python في تحليل البيانات، كما أرشدت فريقًا صغيرًا من الطلاب من خلال مشروعٍ بحثيٍّ مستقلٍّ. وقد ساعد ذلك في وضع الطلاب، ومعظمهم كانت تلك هي المرة الأولى، أمام الأدوات والأساليب ذات الصلة بتطورهم في البحث. وقد مكنتني توسكا من تحديد الثغرات المعرفية الأكثر إلحاحًا والتي يمكن أن أساهم بها شخصيًا، ومشاهدة كيفية الوصل ثانية بين استنتاجاتي ومجتمع متعدد التخصصات. وبفضل الشبكة كنت قادرًا على التطور كباحثٍ في وقتٍ حرجٍ من حياتي المهنية".

كان فريق دودوك دي فيت في المعهد الدولي لعلوم الفضاء في برن Bern ومشروع مقارنات النماذج المقترنة، يستخدم قواعد البيانات المحددة من خلال الشبكة لوصف تأثير الشمس على المناخ منذ عام 1850 وحتى اليوم، إضافةً إلى نشرةٍ مناخيةٍ حتى عام 2300. وستحدد النتائج شكل التقرير التالي الذي سيعدّه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. ويُكلَّف الفريق بتقديم نظرةٍ علميةٍ وموضوعيةٍ لتغير المناخ وآثاره الاجتماعية والاقتصادية.

وستواصل مشاريع أخرى تديرها الشبكة مثل سوليد SOLID، وفارسيتي VarSITI البحث عن التأثير الأرضي للشمس، واضعةً الخبراء الأوروبيين في طليعة بحوث دراسات المناخ.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات