اكتشاف عائلة من مصادر الأمواج الثقالية

يرتبط الكون المتباعد بالمصدر الأول الذي اكتشفه الفلكيون في كل من الموجات الثقالية والضوء الذي ربما اكتُشف. رُصد الجسم الكوني المسمى بــ GRB150101B، لأول مرة، عن طريق تحديد انفجار أشعة غاما gamma، بواسطة استخدام القمر الاصطناعي فيرمي Fermi satellite، في كانون الثاني/يناير 2015. حقوق الصورة: X-ray: NASA/CXC/GSFC/UMC/E. Troja et al.; Optical and infrared: NASA/STScI

قبل عامٍ مضى، قدّم علماء الفلك إفاداتٍ مثيرةً حول أول اكتشاف للموجات الكهرومغناطيسة، أو الضوء الناجم من مصدر موجة ثقالية.

أُنجز الاكتشاف باستخدام بياناتٍ من تلسكوبات منها مرصد تشاندرا للأشعة السينية التابع لناسا، وتلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما ومرصد نيل غيهريلز، وتلسكوب هابل الفضائي، وتلسكوب قناة ديسكفري الفضائي.

الجسم موضوع الدراسة الجديدة، والمسمى بـ GRB150101B، أُعلِن عن اكتشافه للمرة الأولى كانفجار لأشعة غاما gamma رصدها تلسكوب فيرمي، في كانون الثاني/يناير 2015.

يُظهر هذا الاكتشاف وعمليات الرصد المتتابعة عند الأطوال الموجية الأخرى وجود أمور مشتركة ومتشابهة بين GRB150101B واندماج النجوم النيترونية ومصدر الموجات الثقالية التي اكتشفها مرصد الأمواج الثقالية بالتداخل الليزري (LIGO) Advanced Laser Interfermometer Gravitational Wave Observatory (LIGO)، ونظيره الأوروبي مرصد فيرغو Virgo، في عام 2017، والمعروف باسم GW170817. وتخلص الدراسة الأخيرة إلى أنّ هذين الجسمين المنفصلين قد يكونان مرتبطين في الواقع.

تقول إيليونورا تروجا Eleonora Troja المؤلفة الرئيسية للدراسة من مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في غرينبيلت بولاية ميريلاند وجامعة كوليج بارك (UMCP): "إنها خطوةٌ هامة للمضي من جسمٍ مكتشفٍ وحيدٍ إلى اثنين، حيث يخبرنا اكتشافنا أنّ أحداثًا مثل GW170817 وGRB150101 يمكن أن تمثّل فئةً جديدةً كاملةً من الأجسام المتفجرة، التي تنشط وتخمد بإصداراتها من الأشعة السينية، وربما يكون وجودها شائعًا نسبيًا".

تعتقد تروجا وزملاؤها أنّ كلاً من GRB150101B وGW170817 ربما كانا ناجمَين عن نمط الأحداث ذاته، والذي هو اندماج نجمين نيوترونيين، وهذه العملية عبارة عن التحام كارثي يولّد تيارات (منافث ضيقة) أو إشعاعات من الجسيمات عالية الطاقة. وتُطلق المنافث انفجاراتٍ قصيرةً وكثيفةً من أشعة غاما المعروفة اختصاراً بـ (GRB)، وهي عبارةٌ عن ومضاتٍ عالية الطاقة بإمكانها الاستمرار لمدة ثوان فقط.

وفي ذات السياق، أثبت GW170817 أنّ هذه الأحداث قد تخلق تموجات في نسيج الزمكان تُسمى بالموجات الثقالية.

تبرز المنافسة الواضحة بين GRB150101B وGW17081، إذ كلاهما يُنتج انفجاراتٍ خافتةً وقصيرة الأمد من أشعة غاما بطريقةٍ غير عادية، كما أنّ كلاهما كان مصدرًا للضوء البصري الأزرق الساطع الذي يستمر لأيامٍ عدة، إضافةً إلى ذلك، انبعاثات أشعة إكس التي دامت لفترةٍ أطول بكثير.

تتشابه المجرات المضيفة كذلك بصورةٍ ملحوظة، فاستنادًا إلى مشاهدات تلسكوب هابل وتلسكوب قناة ديسكفري (DCT)، كلا المجرتين إهليليجيتي الشكل وتتميزان بسطوعهما، كما تحتضنان عددًا هائلًا من النجوم يبلغ عمرها بضعة مليارات من السنين، ولا تبدي أيّ أدلة ٍعلى تشكّل النجوم الجديدة فيها.

يقول الباحث المشارك جيفري ريان Geoffrey Ryan، من جامعة كوليج بارك: "لدينا حالة من المشاهد الكونية المكررة. إنها تبدو متشابهة وتسلك السلوك ذاته، وتأتي من أماكن مجاورة متماثلة، لذا فإن أبسط تفسير لها هو أنها تنتمي إلى نفس الطائفة من الأجسام".

يتجلى المعنى الضمني في الزيادة البطيئة لانبعاثات الأشعة السينية الملاحظة في حالتي GRB150101B وGW170817 بأنّ الانفجار شُوهد خارج المحور (off-axis) على الأرجح، فالاندفاعات لا تتجه مباشرةً إلى الأرض. يُعدّ اكتشاف GRB150101B المرة الثانية فقط التي يكتشف فيها الفلكيون اندفاعات أشعة غاما قصيرة خارج المحور.

على الرغم من وجود العديد من القواسم المشتركة بين GRB150101B وGW170817، لكنهما يتباينان بفارقين هامين للغاية؛ إحداهما هو الموقع، إذ يقع GW170817 على مسافة تقدّر بنحو 130 مليون سنة ضوئية عن الأرض، بينما يقع GRB150101B على بعدٍ يبلغ نحو 1.7 مليار سنة ضوئية. وحتى لو كان مرصد ليغو LIGO المتقدم مهيئًا للعمل في أوائل عام 2015، فمن غير المرجح أنه قد تمكن من رصد الموجات الثقالية الصادرة من GRB150101B، بسبب بُعد المسافة.

يُصرّح المؤلف المشارك لويجي بيرو Luigi Piro، من المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في روما، بقوله: "يكمن جمال GW170817 في إعطائه لنا مجموعة من الخصائص، مثل العلامات الجينية، بالتعرف عاى أفرادٍ جددٍ من عائلة الأجسام الانفجارية، حتى لو كانت تقع على مسافاتٍ بعيدةٍ جدًا لا يمكن لليغو LIGO الوصول إليها في الوقت الحالي".

تقع الانبعاثات البصرية الصادرة من GRB150101B بجزئها الأكبر في الجزء الأزرق من الطيف، مقدمةً دليلًا هامًا على أنّ هذا الحدث ينطوي على حدثٍ آخر يسمى Kilonova كيلونوفا، تمامًا كما شُوهد في حدث GW170817. والكيلونوفا عبارة عن انفجار قوي للغاية، لا يقتصر عمله على إطلاق كمية هائلة من الطاقة فحسب، بل قد يُنتج عناصر هامة مثل الذهب والبلاتين واليورانيوم، التي لا تطلقها الانفجارات النجمية الأخرى.

من المرجح أنّ عددًا قليلًا من الاندماجات، كالتي شُوهدت في حدثي GW170817 وGRB150101B، قد كُشف عنها كانفجارات قصيرة لأشعة غاما، لكن لم تتمكن التلسكوبات الأخرى من تحديد مواقعها. وبدون استخدام العمليات الكشفية لأطوال موجية أكبر كالأشعة السينية والضوء البصري، لن تكون مواقع انبعاثات أشعة غاما دقيقة بما يكفي لتحديد موقع المجرة الصادرة منها الأشعة.

تداعى إلى أذهان الفلكيين بدايةً عند فحصهم لحالة GRB150101B أنّ النظير هو مصدر الأشعة السينية الذي اكتشفه مرصد سويفت Swift في مركز المجرة، وعلى الأرجح أنه آتٍ من سقوط المادة في ثقب أسود فائق الكتلة. ومع ذلك، برهنت العمليات الرصدية المتتابعة، التي استُخدِم فيها مرصد تشاندرا Chandra، على أنّ النظير الحقيقي يقع بعيدًا عن مركز المجرة المضيفة.

الفارق الآخر الهام بين GRB150101B وGW170817 هو أنه بدون اكتشاف الموجات الثقالية، لن يستطيع الفريق معرفة كتلتي الجسمين اللذين اندمجا. ومن المحتمل أن يكون الاندماج حاصلًا بين ثقب أسود ونجم نيتروني، بدلًا من اندماج نجمين نيوترونيين.

يبين الباحث المشارك هندريك فان إيرتين Hendrik Van Eerten من جامعة باث في المملكة المتحدة: "يلزمنا دراسة حالات متعددة مثل GW170817 التي تجمع بين الموجات الثقالية والبيانات الكهرومغناطيسية، لإيجاد مثال على اندماج نجم نيتروني وثقب أسود، مثل هذا الاكتشاف سيكون الأول من نوعه. تشجع نتائجنا على إيجاد المزيد من الاندماجات وإجراء المزيد من العمليات الرصدية المكثفة".

نُشرت الورقة البحثية التي تصف هذه النتائج في دورية Journal Nature Communications، وهي متاحة على الإنترنت.

يقوم مركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا، في هانتسفيل، بولاية ألاباما، بإدارة برنامج تشاندرا Chandra التابع لمديرية البعثات العلمية في وكالة ناسا، كما يتحكم مرصد سيمثسونيان للفيزياء الفلكية، في كامبريدج، في ولاية ماساشوستس، بعمليات رحلات الفضاء والعلوم التابع لمرصد تشاندرا Chandra.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • كيلونوفا (kilonova): حدث فلكي يحدث عندما يندمج نجمان نيوترون أو نجم نيوتروني وثقب أسود في نظام ثنائي. وسمي كيلونوفا لأنه كمية الضوء والسطوع الناتجة عنه تفوق سطوع السوبرنوفا ب 1000 مرة لانه كلمة kilo تعني ألف
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا
  • مركز غودارد لرحلات الفضاء (GSFC): هو واحد من المراكز العلمية التي تقوم ناسا بتشغيلها. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات