تجارب جديدة تؤكد الطبيعة المزدوجة للمادة المضادة


يبدو أن المادة المضادة لا تتكون من الجسيمات المضادة فحسب، بل إنها تتشكل من الأمواج. وقد بتنا نعرف اليوم أن هذا الأمر ينطبق حتى على جسيم المادة المضادة المُفرد.

قد عرف الفيزيائيون منذ فترةٍ بعيدة أن الضوء وأشكال الطاقة الأخرى، إضافةً لجميع الذرات التي تُشكِّل جسمك تكون بشكلين اثنين فهي موجة وهي جسيم في الآن ذاته. وهذا ما نعبر عنه بقولنا بأن لها ازدواجية الموجة جسيم particle-wave duality. وقد تأكدت هذه الطبيعة الثنائية مرارًا وتكرارًا في العديد من التجارب. لكن بقيت التجارب على المادة المضادة – التي تتطابق مع المادة العادية سوى أن لها شحنة كهربائية ولف مغزلي spin معاكسين – صعبة التحقيق. فسرعان ما تتلاشى أزواج جسيمات المادة العادية والمادة المضادة لدى التقائها. وعادةً هذا ما يحدث في مسرِّعات الجسيمات.


لكن مؤخرًا تمكن الفيزيائيون من تأكيد أن البوزيترون (وهو الجسيم المضاد للإلكترون) له طبيعة ثنائية.


ولإظهار أن البوزيترون له طبيعة موجية لجأ الفيزيائيون إلى بناء نسخة أكثر تعقيدًا من تجربة الشقين double-slit الشهيرة، والتي برهنت في العام 1927 على أن أحد جسيمات المادة العادية وهو الإلكترون له سلوك ثنائي، فهو جسيم وموجة في آنٍ واحد معًا.


ففي تجربة الشقين الأصلية أطلق العلماء سيلًا من الإلكترونات على أحد وجهي صفيحةٍ فيها شقَّان، ووضعوا كاشفًا على الطرف المقابل. فلو أن الإلكترونات تسلك سلوك الجسيمات لوجب أن تشكِّل نمطًا يتكون من خطين مضيئين على الكاشف. أما إن كانت تسلك سلوك الأمواج فإنها ستتداخل معطيةً أهدابًا ممتدةً تتباين شدَّتها ما بين هدبٍ مضي يليه آخر معتم. فالأمواج عند تراكبها مع بعضها البعض تتطابق في بعض المواقع قممها فتنتج هدبًا مضيئًا، وفي المواضع الأخرى تتلاقى قمة إحداها مع قاع الأخرى فيفنيان بعضهما الآخر. وينتج عن هذا التراكب نمطٌ مميزٌ من الأهداب التي تُعرف باسم أهداب التداخل، ويُستفاد منه في تجارب تعتمد عليه فتسمى بمقاييس التداخل. قد أظهرت تجربة الشقين أن الإلكترونات لها نمط تداخل ما يعني أنها تسلك سلوك الأمواج.


بعدها في العام 1976 تمكن الفيزيائيون من إجراء التجربة نفسها ولكن من خلال تسليط إلكترونٍ واحدٍ تلو الآخر، فبرهن ذلك على أن الإلكترونات حتى المفرد منها يسلك سلوك الأمواج فيتداخل واحدها مع نفسه.

رسم تخطيطي للتجربة الشق المزدوج، والتي تخلق أهداباً مميزةً من الخطوط المضسئة والمعتمة. حقوق الصورة: Shutterstock)
رسم تخطيطي للتجربة الشق المزدوج، والتي تخلق أهداباً مميزةً من الخطوط المضسئة والمعتمة. حقوق الصورة: Shutterstock)


كذلك استطاع الفيزيائيون إظهار أن البوزيترونات عندما ترتد عن سطحٍ عاكسٍ تتصرف وكأنها أمواج. لكنهم لم يكن قد تمكنوا بعد من إجراء تجربة الشقين التي تظهر أن البوزيترونات المفردة لها الطبيعة الموجية. والقيام بهذا النوع من التجارب يُتيح للفيزيائيين فرصةً لدراسة سلوك المادة المضادة على مستوى أعمق لم يسبق أن وصلوا إليه من قبل.


مؤخرًا، اكتشف فريق يتكوَّن من باحثين إيطاليين وسويسريين طريقة توليد حزمةٍ منخفضة الطاقة من البوزيترونات يمكن استعمالها في إجراء تجربة الشقين في نسختها الخاصة بالبوزيترونات للمرة الأولى. وعندما وجَّه هؤلاء الفيزيائيون البوزيترونات عبر العديد من أزواج الشقوق المتوالية اتخذت تلك البوزيترونات مواضع على الكاشف تتطابق مع ما يتوقعه المرء من عبور موجة وليس جسيم.


ويشرح باولو سكامبولي Paola Scampoli، أحد معدِّي البحث، أن هذه النتائج تُبرهن على أن الأصل الكمومي للبوزيترونات، ولهذا فإن لها طبيعة موجية.
ويتوقع أعضاء الفريق البحثي أن هذا الإنجاز يمكن له أن يفتح الباب أمام مقاييس تداخل من نوعٍ جديد. الأمر الذي يأملون به أن يتمكنوا من الإجابة عن الأسئلة المُثارة حول الطبيعة الموجية للمادة الأعقد، وأن يستفيدوا من هذه النتائج في استقصاء كُنه الثقالة عند المقاييس الصغيرة جدًا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات