هل تحل الحواسيب محل القضاة!

 عندما يتعلّق الأمر بمعرفة إمكانيّة قيام أحد ما بجريمة، فإنّ الحواسيب لا تستطيع التّغلب على الإنسان. حقوق الصّورة: BILLION PHOTOS/ SHUTTERSTOCK 
 

تقدّم برامج الحواسيب شهادةً في المحاكم القضائيّة في أنحاء الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتساعد على اتّخاذ القرار حول من سيُقبض عليه ومن سيُطلق سراحه.

إذ تتنبأ هذه الخوارزميّات بإمكانيّة معاودة ارتكاب المتّهم للجريمة، وذلك عبر استخدامها معلوماتٍ شخصيّة عن المتّهمين، كالعائلة والسّجل المهنيّ، لتقييم ميول الشّخص إلى ارتكاب جرائم في المستقبل، فيحلّل القضاة هذه التّقييمات الخطيرة إلى أحكام متعلّقة بالكفالة والنّطق بالحكم، إضافة إلى الإفراج المشروط.

وتلعب هذه الأجهزة دورًا هامًّا في اتّخاذ القرارات المصيريّة، إذ تكون توقّعاتها الجنائيّة أقلّ انحيازًا من التّخمين البشريّ. إلا أنّ التّحقيقات في خوارزميات علاج مختلف الدّيموغرافيات أظهرت أنّ الآلة تأخذ في الاعتبار الأحكام البشريّة المسبقة، لذا فيوجد الآن سبب للشّكّ في حقيقة دقّة خوارزميات التّنبّؤ بالجريمة.

حلّلت عالمة الحواسيب جوليا دريسيل Julia Dressel مؤخّرًا قوّة التّكهّن المستخدمة بشكل واسع في تنبّؤات معاودة الإجرام، والّتي تدعى كومباس COMPAS، وهو برنامجٌ يحدّد ما إذا كان المتّهم سيرتكب الجريمة خلال السّنتين القادمتين، بناءً على ستّ مميّزات اتّهاميّة، على الرّغم من أنّ الخصائص ومختلف البيانات الّتي يستعملها هذا البرنامج بقيت سرًا تجاريًّا.

وأجرت دريسيل دراستها في كليّة دارتموث Dartmouth College بمساعدة أربعمئة متطوّع عبر الإنترنت، على افتراض أنّهم لا يملكون أيّ خبرة جنائيّة، وقام الباحثون بفصل المتطوّعين إلى مجموعات مكوّنة من عشرين شخص، حيث تقرأ كلّ منها مواصفاتِ خمسين متّهمًا باستخدام معلومات متعدّدة كالجنس والعمر والسّجل الجنائيّ، ليكون على المتطوّعين توقّع أيّ المتّهمين قد يعود إلى ممارسة الإجرام.

من خلال المقارنة بين إجابات المتطوّعين وتوقّعات كومباس حول الألف متّهم تبيّن أنّها كانت دقيقة بنسبة 65%، وحول ذلك يقول عالم الحاسوب في كلية دارتموث هاني فاريد Hany Farid وهو مساعد مؤسّس لهذه الدّراسة: " كدنا نصرخ، يا للهول، ذلك مفاجئ، هذا البرنامج التّجاري استُخدم لسنوات عديدة في المحاكم في كافة أنحاء البلاد، لقد قمنا بسؤال مجموعة من الأشخاص عبر الإنترنت وكانت النتيجة مطابقة. لا يوجد شيء خاطئ بطبيعته في خوارزمية تقوم فقط بوظيفة تماثل أداء الإنسان، لكن هذا الاكتشاف بحسب التّقرير المنشور في 17 كانون الثّاني/يناير في مجلة العلوم المتقدّمة Science Advances يجب أن يكون نداءًا لإيقاظ الإجراءات القانونيّة الشّخصيّة الّتي قد لا تثق جيّدًا في هذه الخوارزميّة".

وأضاف: "تخيّل أنّك قاضٍ، وقد أخبرتك أنّ لديّ هذا البرنامج الثّمين عالي الحماية والاحتكاريّة والمبنيّ وفق مجموعة كبيرة من البيانات، وهو يخبرك الآن بأنّ الشّخص الّذي أمامك خطير جدًّا من خلال اكتشاف قابليّة عودته إلى حياة الإجرام، سيبدو أنّ القاضي سيقول "نعم، يبدو هذا جديًّا"، لكن تخيّل الآن لو قلت لك بأنّ عشرين شخصًا عبر الإنترنت أقرّوا بأنّ هذا الشّخص خطيرٌ جدًّا، إنّني أفترض أنّك ستنظر إلى هذه المعلومات بشكل مختلف قليلًا، ربّما تستحقّ هذه التّنبؤات أخذها بعين الاعتبار بنفس الطّريقة".

يمكن أن يحصل القضاة على وجهات نظر أفضل حول تلك التّنبؤات، وحول ذلك يقول فاريد: "سيكون إنجازًا لو أسّس قسم العدالة أو المعهد الوطنيّ لمعايير التّكنولوجيا عمليّة تدقيقٍ للبرنامج الجديد"، فيمكن للأبحاث اختبار برامج الحاسوب من خلال مجموعة ضخمة ومتنوّعة من قواعد بيانات المتّهمين، وعندها تستخدم خوارزميّة الموافقة في المحكمة فقط إذا حصلت على درجة مقبولة من التّنبّؤات.

ما زال لدى فاريد شكوك حول قدرة الحواسيب على تقديم أداء أفضل، ولذلك فقد بنى مع دريسيل عدّة خوارزميّات بسيطة ومعقّدة تستخدم من اثنتين إلى سبع ميزات للتّنبّؤ حول إمكانيّة عودة المتّهمين لحياة الإجرام، كلّ هذه الخوارزميّات وصلت إلى الحدّ الأقصى من المستوى –المستوى D دي في الدّقة بشكلٍ مشابه لبرنامج كومباس، وهذا ما يجعل السّيد فاريد يتعجّب فيما إذا كانت محاولة تنبّؤ بالجريمة باستخدام المستوى A يشكل مجرّد تمرين للوصول إلى المستوى A+.

يقول فاريد: "يمكن أن يكون هناك العديد من الاختراقات في تحليل البيانات وتعليم الآلة على مدى العقد القادم، ممّا قد يساعدنا على الوصول إلى هذه الدّقة العالية، ولكن حتّى ذلك الوقت سيبقى البشر يتوقّعون حدوث الجرائم بشكل أفضل من الآلة". وتضيف تشلسيا بارباس Chelsea Barabas الباحثة في وسائل الإعلام في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا: "حتّى لو كانت الحواسيب غير قادرة على التّنبّؤ بذلك، فهذا لا يعني أنّها لا تساعد في تطبيق القانون، إنّ المبرمجين قادرون على ابتكار خوارزميّات تفحص البيانات الجنائيّة لكشف اتّجاهاتٍ قد تعلم بحث العدالة الجنائيّ عوضًا عن الخوارزميّات الّتي تعتمد على بيانات السّجل الجنائيّ للتّنبّؤ بمن قد يعاود الإجرام".

وتعمل بارباس وزملاؤها الآن على ورقة لتقديمها في مؤتمر العدالة والمساءلة والشّفافيّة Conference on Fairness, Accountability and Transparency في مدينة نيويورك 23 شباط/فبراير. 

فعلى سبيل المثال، فلو قام البرنامج بدراسة إحصائيّات جنائيّة واكتشف الميزات الحاليّة كعمر الشّخص أو الحالة الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة الّتي لها علاقة على مستوٍ عالٍ بتكرار الأنشطة الإجرامية، فذلك يمكن أن يلهم الدّراسات الجديدة لتتحقق ممّا إذا كانت التّدخلات الحاليّة كالعلاج قد تساعد هؤلاء الأشخاص الخطيرين، وبذلك تقوم البرامج بأعمال أفضل من التّنبّؤ بجريمةٍ قد تحدث في المستقبل، بل يمكنها أن تساعد في تجنّب حدوثها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات