استخدام التعلم العميق والشبكات العصبونية في تشخيص سرطان الثدي

طوّر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT ومشفى ماساتشوستس العام نظاماً مؤتمتاً يُقيّم النسيج الكثيف في الثدي الظاهر ضمن صور الماموغرام (صور الثدي الشعاعية) بموثوقية تضاهي أخصائي الأشعة الخبراء، علماً أن هذه النسيج هو من أحد عوامل الخطر المستقلة المرتبطة بسرطان الثدي.
هذه هي المرة الأولى التي استُخدم فيها نموذج تعلم عميق من هذا النوع بنجاحٍ مع مرضى حقيقيين، وفقاً لما قاله الباحثون، والذين يأملون أن يساعد هذا النموذج بمجال تطبيقاته الواسع على زيادة الموثوقية في عمليات تقييم كثافة الثدي.

وفقاً للتقديرات، فإن أكثر من 40% من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية لديهنّ كثافة في نسيج الثدي، والذي يمكنه لوحده أن يزيد من خطرالإصابة بسرطان الثدي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنسيج الكثيف أن يُخفي الكتل السرطانية في صور الماموغرام، مما يُصعّب من عمليات الفحص والتشخيص. نتيجةً لذلك، يُعد إعلام النساء بظهور نسيجٍ كثيف في صور الماموغرام الخاصة بهنّ أمراً إجبارياً وفقاً للقانون في أغلب الولايات الأمريكية.

إلّا أن تقييم كثافة الثدي يعتمد على النظرة البشرية الشخصية، وقد تتباين النتائج بين أخصائيي الأشعة (بشكلٍ كبير أحياناً) تبعاً لعوامل متعددة. درّب الباحثون نموذج التعلم العميق الخاص بهم على عشرات الآلاف من صور الماموغرام عالية الدقة حتى يتعلّم كيفية التمييز بين الأنواع المختلفة من نسيج الثدي، من النسيج الشحمي وحتى النسيج شديد الكثافة، وذلك اعتماداً على تقييمات الخبراء. يمكن للنموذج عند إعطاءه صورة ماموغرام جديدة التعرف على قياس الكثافة المحدد وفقاً لآراء الخبراء.

آدم يالا Adam Yala طالب الدكتوراه في مخبر علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي CSAIL في معهد ماساتشوستس، يقول: "كثافة الثدي هي عامل خطر مستقل وهو يؤثر على طريقة تعاملنا مع المريضة حول مدى خطر إصابتها بالسرطان. كان هدفنا هو تطوير أداة دقيقة وتتمتع بالاستمرارية يمكن مشاركتها واستخدامها عبر أنظمة الرعاية الصحية المختلفة." يالا شارك في كتابة ورقة بحثية تصف النموذج وتمّ نشرها في مجلة راديولوجي Radiology الطبية في تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي.

شارك في كتابة الورقة البحثية أيضاً كونستانس ليمان Constance Lehman بروفيسورة الأشعة في كلية الطب في جامعة هارفرد Harvard Medical School، وتال شوستر Tal Schuster مدير قسم تصوير الثدي في مشفى ماساتشوستس العام، وكايل سوانسون Kyle Swanson الباحث في مخبر CSAIL وطالب دراسات عُليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب، بالإضافة إلى ريجينا بارزيلاي Regina Barzilay بروفيسورة إلكترونيات ديلتا في مخبر CSAIL وقسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب وعضوة في معهد كوش Koch Institute لأبحاث السرطان التكاملية في معهد ماساتشوستس، وهي المؤلفة الأولى للبحث.

بُني النموذج على شبكة عصبونية تلفيفية CNN تُستخدم عادةً لمهام رؤية الحاسب. درب الباحثون نموذجهم واختبروه على قاعدة بيانات تحوي أكثر من 58,000 صورة ماموغرام اختيرت عشوائياً من أكثر من 39,000 امرأة خضعت للفحص مابين عامي 2009 و 2011. عند التدريب، استخدم الباحثون 41,000 صورة ماموغرام تقريباً وعند الاختبار استخدموا حوالي 8,600 صورة.

كل صورة ماموغرام ضمن قاعدة البيانات لديها معدل كثافة نسيج الثدي فيها يخضع لأحد المعايير القياسية الأربعة التالية: شحمي – مبعثر(كثافة مبعثرة) – غير متجانس (كثيف على الأغلب) – كثيف، وذلك وفقاً لمعيار باي رادز BI-RADS: Breast Imaging Reporting and Data System الذي وضعته الجامعة الأمريكية للأشعة American College of Radiology كمعيار موحد لأغراض تشخيص سرطان الثدي. أثناء عمليتي التدريب والاختبار لصور الماموغرام قُيّمت 40% منها تقريباً على أنها غير متجانسة وكثيفة.
أثناء عملية التدريب، أُعطي النموذج صور ماموغرام عشوائية لِيُحلّلها. تَعلّم النموذج كيفية تخطيط الماموغرام وفقاً لمقاييس الكثافة الخاصة بأخصائيي الأشعة الخبراء. على سبيل المثال، الأثداء ذات النسيج الكثيف تحتوي على نسيج غدي وليفي ضامّ يبدو في الصورة كشبكة كثيفة من الخطوط البيضاء الثخينة والبقع البيضاء، بينما تبدو شبكات النسج الدهنية أرقّ بكثير وتتخللها مساحات رمادية. أثناء عملية الاختبار، ينظر النموذج إلى صور ماموغرام جديدة ويتنبأ بفئة الكثافة الأكثر احتمالاً.

تم استخدام النموذج في قسم تصوير الثدي في مشفى ماساتشوستس العام. في الحالات الاعتيادية، تُرسل صور الماموغرام إلى أحد أخصائيي الأشعة ليقوم بتقييمها. تم تثبيت النموذج الذي طوره الباحثون ضمن آلة مختلفة تعترض الصور قبل أن تصل إلى الأخصائيين، ثم تعطي لكل منها معدل كثافة. تُرسل بعدها الصور إلى الأخصائيين حتى يقبلوا أو يرفضوا تقييم النموذج.
يقول يالا: "يستغرق النموذج أثناء عمله أقل من ثانية واحدة لكل صورة، ويمكن توزيعه عبر المشافي بسهولة وبتكاليف منخفضة."

خلال عمله في مشفى ماساتشوستس العام ما بين شهري كانون الثاني/يناير وأيار/مايو من هذا العام على أكثر من 10,000 صورة ماموغرام، حقق النظام تطابقاً بنسبة 94% مع أخصائيي الأشعة العاملين في المشفى في اختبار ثنائي، وذلك في عمليات تحديد كون نسيج الثدي غير متجانس وكثيف أو شحمي ومبعثر. باعتبار الفئات الأربعة لمعيار باي رادس طابق النموذج تقييمات الخبراء بنسبة 90%. يقول يالا: "إن مشفى مساستشوستس العام هو مركز تصوير ثدي مرموق ويتمتع بنسبة عالية من التوافق مابين أخصائيي الأشعة. قاعدة البيانات عالية الجودة هذه التي قمنا باستخدامها مكنتنا من تطوير نموذج قوي."

في الاختبار العام باستخدام قاعدة البيانات الأساسية طابق النموذج آراء الخبراء بنسبة 77% في فئات التصنيف الأربعة، وطابقها في الاختبار الثنائي بنسبة 87%.
بالمقارنة مع نماذج التنبؤ التقليدية، استخدم الباحثون مقياساً يدعى علامة كابا Kappa Score، حيث يشير الرقم 1 إلى التنبؤات تتطابق في كل مرة وأي قيمة أصغر من 1 تشير إلى معدلات تتطابق أقل. علامات كابا التي تنتج عن نماذج التنبؤ بالكثافة المتوفرة تجارياً لا تتجاوز القيمة 0.6، بينما حقق النموذج الجديد علامة 0.85 في التطبيق السريري (في المشفى) وعلامة 0.67 أثناء الاختبار، بمعنى أن النموذج الجديد قادر على التنبؤ بشكل أفضل من النماذج التقليدية.

في تجربةٍ إضافية، اختبر الباحثون تطابق النموذج مع الآراء التي حصلوا عليها بالإجماع من 5 أخصائيي أشعة من مشفى ماساتشوستس العام فيما يخص 500 صورة ماموغرام اختبارية عشوائية. أعطى الأخصائيون تقييمات كثافة نسيج الثدي لكل من صور الماموغرام دون علمٍ بالتقييم الأصلي الذي أعطاه أقرانهم أو بتقييم النموذج. في هذه التجربة حقق النموذج علامة كابا 0.78 من حيث التطابق مع آراء الخبراء بالإجماع.

يأمل الباحثون في الخطوة التالية بملائمة النموذج مع مستشفيات أخرى، تقول بارزيلاي: "انطلاقاً من هذه التجربة التطبيقية سنبحث في كيفية نقل خوارزميات تعلم الآلة المُطوّرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى تطبيقات عملية سريرية يمكنها أن تساعد ملايين المرضى." وتضيف: "هذا عمل القسم الجديد الذي تم افتتاحه مؤخراً في المعهد وهو مركز عبد اللطيف جميل لتعلم الآلة في مجال الصحة Abdul Latif Jameel Clinic for Machine Learning in Health، ونحن متحمسون بشأن الفرص الجديدة التي سيوفرها هذا المركز."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • تعليم الآلة (machine learning): تعلم الآلة هو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي، يمكّن التطبيقات البرمجية من التنبؤ بنتائج أكثر دقة دون برمجتها بشكل صريح. ويتم ذلك عن طريق بناء خوارزميات تتلقى بيانات الإدخال وتستخدم التحليل الإحصائي للتنبؤ بقيمة المخرجات ضمن نطاق مقبول.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات