توفر الدراسة التي قام بها علماء من كلية لندن الإمبراطورية College London Imperial تصورات جديدة حول لغز كيفية تعامل أدمغتنا مع الأرقام .
قد تساعد اكتشافات البحث المنشورة في دورية Cerebral cortex Journal مستقبلًا على نسج تقنيات إعادة تأهيلٍ للمرضى الذين عانوا من ضررٍ دماغيّ، كمرضى السكتات الدماغية، كما أنها قد تدلنا على علاجات لحالات مثل خلل الحساب dyscalculia، الذي يسبب صعوبة في معالجة الأرقام.
ينقسم الدماغ إلى نصفين، يتحكم الجانب الأيسر بالنصف الأيمن من الجسد، والعكس بالعكس. عمومًا، يكون أحد جزئي الدماغ أكثر سيطرة من الآخر. مثلًا، يكون للمتيامنين من الناس -الذين يستخدمون يدهم اليمنى- نشاط أكثر في الجانب الأيسر من أدمغتهم.
"توفر النتائج نقطة بدء للكشف عن كيفية تعبير الدماغ عن الأرقام، وتعامله معها"
-د. قدير أرشد، مؤلف الدراسة
أبرزت دراسات سابقة المنطقة العامة التي يتعامل فيها الدماغ مع الأرقام، في منطقة تدعى القشرة الجبهية الجدارية Fronto-parietal cortex، وهي تمتد من قمة الرأس تقريبًا إلى أعلى الأذن بقليل.
لكن العلماء يجهلون كيف يقوم الدماغ بمعالجة الأرقام وتحليلها بالضبط.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة من قسم الطب في الجامعة الإمبراطورية الدكتور قدير أرشد Dr Qadeer Arshad :"أردنا معرفة كيف يقوم الدماغ بمعالجة الأرقام بالضبط بتتبع الملاحظات المأخوذة من مرضى السكتات الدماغية. ووجدنا في دراستنا الجديدة، التي قمنا فيها باستخدام متطوعين أصحّاء أن الجانب الأيسر يعالج الأرقام الكبيرة، والأيمن يعالج الأرقام الصغيرة. لذا على سبيل المثال إذا كنت تنظر إلى ساعة، سوف تُعالج الأرقام من واحد إلى ستة في الجانب الأيمن من الدماغ، وسوف تعالج الأرقام من ستة إلى إثني عشر في الأيسر منه."
قام الفريق في دراستهم التي مُوّلت بواسطة مجلس البحث الطبي Medical Research Council بتعطيل أحد الجانبين الأيمن أو الأيسر من أدمغة المتطوعين الأصحّاء ، وذلك باستخدام تقنية معقدة. طُلب من المتطوعين ارتداء نظارات أظهرت لهم صورة خط أفقي أو عمودي. خاض المشاركون في نفس الوقت عملية تدعى اختبار رد الفعل الحروري caloric reflex test، والتي تستخدم عادة لتشخيص اضطرابات الأذن والتوازن، وتتضمن تقطير ماء بارد أو ساخن في أذن الشخص.
أظهرت بحوث سابقة أن هذه الأنشطة مجتمعةً تُفعّل أجزاء مختلفة من الدماغ. أجرى المتطوعون بعد ذلك مجموعة من اختبارات الأرقام. تضمنت هذه الاختبارات ذكر الرقم الأوسط بين مجموعة أرقام، على سبيل المثال بين 22 و76، أو رسم أرقام وجه الساعة. قال الدكتور أرشد:"عندما قمنا بتفعيل الجانب الأيمن من الدماغ، كان المتطوعون يقولون أرقامًا صغيرةً على سبيل المثال إذا قمنا بالسؤال عن نقطة المنتصف بين 50 و100 كانوا يقولون 65 بدلًا من 75. لكن عندما قمنا بتفعيل الجانب الأيسر من الدماغ كان المتطوعون يقولون أرقامًا فوق الرقم 75"
ويضيف قائلًا "يعتبر سياق الأرقام مهمًا، فإذا كان أحد ما ينظر إلى نطاق من 50 إلى 100 عندها من المحتمل أن يُعالج الرقم 80 في الجانب الأيسر من الدماغ. بالرغم من ذلك، إذا كان ينظر إلى نطاق من 50 إلى 300 يكون الرقم 80 الآن صغيرًا ويُعالج في الجانب الأيمن.".
وجد الفريق ،بعد أن طلب من المتطوعين أن يرسموا وجه ساعة، أنه عندما يُفعّل الجانب الأيمن من الدماغ، مال المشتركون إلى رسم الأرقام من 1 إلى 6 بشكل أكبر وأوضح، مع مساحة كبيرة بين الأرقام. ورسموا من 6 إلى 12 أكبر عندما فُعّل الجانب الأيسر من الدماغ.
يظهر خط السواء في الصورة أعلاه المشاركين يرسمون ساعة وهم معصوبو الأعين. يظهر الاختبار الحراري فقط الساعات المرسومة بواسطة المشتركين بينما كانت المياه تُقطّر إلى آذانهم. يظهر الاختبار الحراري بالإضافة إلى الـRIV الساعات المرسومة بواسطة المشتركين بينما كانت المياه تُقطّر إلى آذانهم، وكانوا يشاهدون خطوطًا عمودية وأفقية من خلال النظارات. لقد تفعّل جانب واحد من الدماغ في الحالة الأخيرة. يظهر الصف الأعلى الجانب الأيمن وهو يُفعّل، بينما يظهر الصف الأسفل الجانب الأيسر
يضيف الدكتور أرشد:" يميل الناس إلى امتلاك جانب واحد من الدماغ أكثر سيطرة من الآخر، ويستطيعون اختبار أي الجانبين أكثر نشاطاً من الآخر خلال معالجة الأرقام. إذا طلب أحدهم منك أن تذكر بسرعة الرقم الأوسط بين رقمين مثلًا 22 و46 وقمت بالمبالغة في تقدير نقطة المنتصف (34)، قد تمتلك جانبًا أيسر أكثر نشاط نسبيًا من شخص يستجيب بالرقم 31. يمكنك تجربة هذه المهمة عدة مرات بأرقام مختلفة لرؤية أي الجانبين من الدماغ أكثر سيطرة لديك ."
يشير الدكتور إلى أن اكتشافات الدراسة الحالية قد تساعد في إيجاد علاجات للأفراد الذين يعانون في معالجة الأرقام.
و يضيف :"توفر النتائج نقطة بدء لكشف كيفية تعامل الدماغ مع الأرقام وكيف يعبر عنها، أو ما يدعى بالإدراك الرقمي. إذا فهمنا كيفية معالجة الأرقام قد نتمكن من توجيه علاجاتنا وعمليات إعادة التأهيل. أما المرحلة القادمة فهي معاينة كيفية تعامل الدماغ مع الحسابات الكبيرة المعقدة."