نيزك يبلغ من العمر أربع مليارات سنة يَكشف مناخ المريخ القديم

 

إنّ تحليلاً جديداً لصخْر مرّيخي سحَبَه 'صيّادي النيازك' من حقل جَليديّ في القطب الجنوبي قبل ثلاثين سنة، يَكشف اليوم عن سِجل مناخ الكوكب قبل مليارات السنين؛ وهو مناخ يرجع إلى وقت غالباً ما كانت فيه المياه تجرف سطح المريخ، وقد يكون ذلك حصل وقت ظهور الحياة هناك بكل أنواعها.

نَشر علماء من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو ووكالة ناسا ومؤسسة سميثسونيان (the Smithsonian Institution) قياسات مفصلة للمعادن داخل النيزك في الطبعة الإلكترونية المبكرة من مجلة  the Proceedings of the National Academy of Sciences. وقالت روبينا شاهين (Robina Shaheen)، مديرة المشاريع العلمية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو والمؤلفة الرائدة لهذا التقرير: "تحمل المعادن داخل النيزك لمحة عن كيمياء الكوكب القديمة وعن التفاعلات بين المياه والغلاف الجوي''. 

 

سقط هذا الحجر ذو المظهر الغَرِيب والشبيه بالبطاطس، على الأرض قبل ثلاث عشرة ألف سنة، وله تاريخ جدير بالاهتمام. المُسمَّى ALH84001 هو أقْدم نيزك لدينا من المريخ، وهو عبارةً عن جزء من الصهارة المتجمدة لبركان ثار قبل أربعة مليارات من السنين. ومنذ ذلك الحين، تسربت مادة سائلة -في الغالب مياه- عبر مسام الصخور فترسّبت كريات الكربونات ومعادن أخرى.

في هذا النطاق، تختلف الكربونات بشكل دقيق حسب مصادر ذرات الكربون والأوكسجين الخاصة بها. فلكل من الكربون والأكسجين صِيَغ أثقل وأخف وزناً، بالإضافة إلى النظائر. وتُشكل الوفرة النسبية للنظائر " توقيعاَ كيميائياً " يمكن إبرازه من خلال تحليل دقيق وعدة قياسات حساسة.

 

يتكون الغلاف الجوي للمريخ أساساً من غاز ثاني أكسيد الكربون، ولكنه يحتوي أيضاً على بعض الأوزون. إن توازن نظائر الأكسجين داخل الأوزون غريب إلى حد يثير الاندهاش نظراً لتخصيب النظائر الثقيلة من خلال حدوث ظاهرة فيزيائية وكيميائية وصفها لأول مرة المؤلف المشارك مارك ثيمينس (Mark Thiemens)، أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وزملاؤه قبل خمسة وعشرون عاماً.

وفسّرت شاهين، التي تفحّصت عملية تبادل نظائر الأكسجين، لَمّا كانت طالبة دراسات عليا في جامعة هايدلبرغ بألمانيا: "عندما يتفاعل الأوزون مع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فهو يَنقُل غرابته النظائرية إلى الجزيء الجديد". لذلك، عندما يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء لتركيب الكربونات، تتم المحافظة على بصمة النظائر.

 

بناء على ذلك، تعكِس درجة الغرابة النظائرية للكربونات كمية الماء والأوزون التي كانت موجودة حين تشكلها. تُمثل هذه الكربونات بالفعل سِجِلّا مناخياً محتجزاً في معدن مستقر ويبلغ من العمر 3,9مليارسنة. إذن كلما ازدادت كمية المياه، كلما تقلّصت إشارة الأوزون الغريبة. كما سجَّل هذا الفريق إشارةً واضحةً للأوزون في الكربونات الموجودة داخل النيزك؛ مما يدلّ على أن احتواء الكوكب على محيطات شاسعة سابقا أمر بعيد الاحتمال، ولو تَواجَد الماء في المريخ حينئذ. وبدلا من ذلك، ربما كان يضمّ سطحه بحاراً صغرى.

ثمّ أقرت شاهين: "الجديد أيضا هو قياساتنا المتزامنة لنظائر الكربون في نفس العينات. يُلمح مزيج نظائر الكربون إلى أن المعادن المختلفة داخل النيزك ذات أصول منفصلة. فهي تحكي لنا قصة التراكيب الكيميائية والنظائرية لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي."

 

احتوى النيزك ALH84001 على أنابيب صغيرة من الكربونات التي اعتبرها بعض العلماء دليلا محتملا على وجود الحياة الميكروبية، رغم حذْف امكانية الأصل البيولوجي للهياكل. في يوم 16 ديسمبر، أعلنت وكالة ناسا عن احتمالية وجود حياة مرّيخية في غاز الميثان الذي استنشقه ' كيوريوسيتي روفر'. في واقعِ الأمر، يمكن أن تُرسّب الكربونات بفضل كائنات حية تنظف المعادن لبناء هياكلها العظمية، ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للمعادن التي قاسها الفريق.

وأضافت شاهين: ''لم تأتي الكربونات التي نراها من الكائنات الحية، بسبب وجود نظائر الأكسجين الشاذة التي تُخْبرنا بأنَّ هذهِ الكربونات غير حيويَّة.'' ومن خلال قياس النظائر بطرق متعددة، وجد الكيميائيون كربونات مستنفَذة من الكربون13 و مخصبة بالأكسجين 18. وهكذا، كان يحتوي الغلاف الجوي للمريخ في ذلك العصر المتميّز بفترة القصف العظيم، على الكربون 13 بنسبة أقل بكثير مما يحتوي عليه اليوم.

 

ربما حدث التغيير في الوفرة النسبية لنظائر الكربون والأوكسجين جراء الخسارة الكبيرة الحاصلة في الغلاف الجوي للمريخ. فغالباً ما كانت هناك حاجة إلى جو أكثر كثافة لتجري المياه السائلة على السطح البارد للكوكب. أخيرا، قال ثيمينس: ''لدينا الآن نظرة أعمق وأخصّ بكثير حول النظام المائي-الأكسجيني الأسبق في النظام الشمسي. السؤال الذي يبقى مطروحا هو: متى كسبت الكواكب والأرض والمريخ المياه؟ وفي حالة المريخ، أين ذهبت؟ لقد حققنا تقدماً كبيراً، لكن لا تزال هناك الكثير من الأسرار الغامضة.''

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات