ترموديناميك الثقوب السوداء

في القرن التاسع عشر قام العلماء الذين يدرسون أشياء كالحرارة و سلوك الغازات منخفضة الكثافة بتطوير نظرية تُعرف بالترموديناميك، كما يُبيّن اسمها فإنها تصف السلوك الحركي للحرارة (أو بشكل أكثر عمومية: الطاقة).

 

يتجسد جوهر الترموديناميك في قوانينه الأربعة الأساسية.

 

ينص القانون صفر في الترموديناميك على أنه إذا توازن جسم A مع الجسم B ترموديناميكياً (أي لا وجود لمحصلة طاقة تجري بين الجسمين)، و كان جسم ما C متوازن ترموديناميكياً مع الجسم B، سيكون بالتالي الجسمين A و C متوازنين ترموديناميكياً مع بعضهما البعض.

 

ولأن الأجسام الموجودة في حالة توازن ترموديناميكي تمتلك نفس درجة الحرارة، تنص صيغة أخرى لهذا القانون على أنه لو كانت درجة حرارة الجسم A مساوية لدرجة حرارة الجسم B، و درجة حرارة الجسم C مساوية لدرجة حرارة الجسم B، فبالتالي ستكون درجة حرارة الجسمين A و C متساويتين. عندما تضعها بهذا الأسلوب، يبدو كل شيء واضح، و لذلك لا يُعرف ذلك القانون بالقانون الأول بالترموديناميك. تم تطوير القوانين الأخرى قبل هذا القانون، و مع العودة إليها ومراجعتها تبين أنه من الضروري إضافة القانون الأول كخاصية فيزيائية و ليس افتراضاً فقط.

 

ينص القانون الأول على أن الطاقة محفوظة، فطالما أن الحرارة شكل من أشكال الطاقة، يعني ذلك أن الجسم الذي يتم تسخينه يحصل على طاقة من مكانٍ ما. و بالمثل إذا ما تم تبريد جسم ما، فإن الطاقة التي يخسرها يجب أن يربحها مكان ما أيضاً. قانون انحفاظ الطاقة كان معروفاً قبل ظهور الترموديناميك، لكن هذا القانون يعتبر الحرارة شكلاً من أشكال الطاقة.

 

القانون الثاني في الترموديناميك ربما يكون أكثر القوانين التي يُساء فهمها في الترموديناميك. في أبسط صيغه، يُمكن تلخيصه بأن "الحرارة تتدفق من الأجسام الساخنة باتجاه الأجسام الباردة". لكن القانون أكثر فائدة عندما يتم التعبير عنه بدلالة الانتروبي. بهذه الطريقة، يُصبح القانون "لا يُمكن لانتروبي جملة ما أن يتناقص". معظم الناس يُفسرون الانتروبي على أنه مستوى الفوضى في نظام ما، أو الجزء غير المستقر من النظام؛ وسيعني ذلك أنه على الأشياء أن تصبح وبشكلٍ دائم أقل فائدة مع مرور الزمن، ولذلك يقوم في الغالب المشككين بالتطور بالادعاء بأن النظرية تنتهك القانون الثاني في الترموديناميك.

 

لكن في الواقع يتعلق الانتروبي بمستوى المعلومات التي تحتاجها من أجل وصف نظام ما، و من السهل وصف نظام مرتب (لنقُل، قطع من الرخام الموزعة بشكل متجانس ضمن شبكة) لأن الأجسام تمتلك علاقات بسيطة مع بعضها البعض. و من ناحية أخرى يتطلب النظام الفوضوي (قطع من الرخام المبعثرة عشوائياً) معلومات أكثر من أجل عملية الوصف بسبب عدم وجود نمط بسيط، و لذلك عندما يقول القانون الثاني في الترموديناميك باستحالة تناقص الانتروبي، فإنه يقول أيضاً أن المعلومات الفيزيائية عن نظامٍ ما لا يُمكن أن تتناقص، بكلماتٍ أخرى لا يُمكن تدمير المعلومات.

 

ينص القانون الثالث في الترموديناميك على أن الصفر المطلق لجسم ما هو الحالة المحتملة من أجل أصغر قيمة ممكنة للانتروبي (والتي غالباً ما تؤخذ على أنها صفر)، و ينتج عن هذا القانون أنه ليس بإمكانك تبريد جسم ما إلى درجة حرارة صفر مطلق.

 

كتبت في منشور سابق عن عدم امتلاك الثقوب السوداء التقليدية لـ "شعر"، ما يعني أنه يُمكن ببساطة وصفها بدلالة كتلتها والشحنة ومعدل الدوران. بسبب ذلك، يُمكنك رمي شيء ما (يمتلك انتروبي كبير جداً) داخل ثقب أسود وببساطة سيتلاشى الانتروبي. بكلماتٍ أخرى، سيصبح انتروبي النظام أصغر، ما يؤدي إلى انتهاك القانون الثاني في الترموديناميك.

 

طريقة أخرى للنظر إلى ذلك هي أن الثقب الأسود الكلاسيكي يمتلك درجة حرارة صفر مطلق. يعني ذلك أنه يُمكنك أخذ كتلة ساخنة وجعلها تنهار إلى ثقب أسود، ما سيؤدي بشكلٍ أساسي إلى تبريد الجسم إلى درجة حرارة الصفر المطلق، وهذا انتهاك للقانون الثالث في الترموديناميك.

 

بالطبع، يتجاهل هذا الأمر تأثيرات ميكانيك الكم؛ فعندما نأخذ ميكانيك الكم بعين الاعتبار، يُمكن للثقوب السوداء أن تُصدر الضوء وجسيمات أخرى عبر عملية تُعرف بإشعاع هوكينغ؛ وطالما أن الثقب الأسود "الكمومي" يُصدر حرارة وضوء، بالتالي يمتلك درجة حرارة. ويعني ذلك أن الثقوب السوداء خاضعة لقوانين الترموديناميك.

 

إن عملية دمج النسبية العامة و ميكانيك الكم و الترموديناميك ضمن وصف شامل للثقوب السوداء هو أمر معقد جداً، لكن يُمكن التعبير عن الخواص الأساسية على شكل مجموعة صغيرة من القواعد المعروفة بترموديناميك الثقب الأسود. بشكلٍ جوهري تلك القواعد هي قوانين الترموديناميك بعد إعادة التعبير عنها بدلالة خواص الثقوب السوداء.

 

ينص القانون صفر على أن الثقب الأسود الصغير و غير الدوّار يمتلك جاذبية متجانسة عند أفق حدثه ويُشابه الأمر القول بأن الثقب الأسود متوازن حرارياً.

 

يربط القانون الأول كتلة و دوران و شحنة الثقب الأسود مع الانتروبي الخاص به، في حين يرتبط انتروبي الثقب الأسود مع مساحة سطح أفق حدثه.

 

ينص القانون الثاني على أن انتروبي نظام ثقب أسود ما لا يُمكن أن يتناقص. ينتج عن هذا القانون أنه عندما يقوم ثقبان أسودان بالاندماج، يجب أن تكون مساحة سطح أفق الحدث الناتج أكبر من المساحات الخاصة بآفاق حدث الثقبين المندمجين.

 

ينص القانون الثالث على أن الثقوب السوداء "المتطرّفة" (تلك التي تتمتع بقيمة عظمى لمعدل الدوران أو الشحنة) تمتلك قيمة أصغرية للانتروبي. يعني ذلك أنه من المستحيل أن يتشكل ثقب أسود متطرف. على سبيل المثال، من المستحيل أن يدور ثقب أسود عند سرعة كافية من أجل أن يتحطم.

 

تكمن فائدة ترموديناميك الثقوب السوداء في أنها تقدم طريقةً من أجل معالجة التفاعلات المعقدة التي يمتلكها ثقب أسود ما. لا تحتوي ترموديناميك الثقوب السوداء الكتلة و الشحنة و الدوران فقط، و إنما درجة الحرارة و الانتروبي أيضاً. القوانين التي تم اشتقاقها في البداية من أجل وصف تبريد و تسخين الغازات البسيطة، يبدو أنها تنطبق على الثقوب السوداء أيضاً.

 

لكن هل لايزال هناك أشياء، غير الترموديناميك، لا نعرفها عن الثقوب السوداء و لم نفهمها. سأتحدث عن هذا الأمر في المرات القادمة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات