حواسيب دي-وايف الكمومية قادرة على محاكاة أنظمة كمومية كاملة بآلاف الكيوبتات

هذه أول مرة يتم فيها إجراء هذا الشكل من أشكال الحوسبة على هذا النطاق الواسع.


تم استخدام جهاز كوانتم كوبيكات (Quantum Copycat) وهو حاسوب كمومي قامت بتصميمه شركة دي-وايف (D-Wave) (يظهر في الصورة هنا الرقاقة الكمومية للجهاز) لإجراء دراسة على نوعين مختلفين من المواد، حيث تُعتبر هذه المحاكاة هي الأكبر من نوعها حتى الآن.


استخدم العلماء حاسوباً كمومياً لإجراء محاكاة واسعة النطاق لنوعين مختلفين من المواد الكمومية، حيث استخدمت الدراسة 2000 من البتات الكمومية (qubits) (يُطلق عليها أيضاً كيوبتات) ويعتبر هذا الرقم أكبر بكثير من عشرات الكيوبتات المتوفرة حالياً في معظم الحواسيب الكمومية.

تمنح نتائج تلك التجارب والتي نُشرت في بحثين منفصلين في مجلتي الطبيعة (Nature) والعلوم (Science) الأمريكيتين فهماً جديداً للتصور الذي طرحهُ الفيزيائي ريتشارد فاينمان Richard Feynman والذي كان يأمل أن يتم استخدام أجهزة الكومبيوتر الكمومية (بدلاً من أجهزة الكومبيوتر التي تستخدم الفيزياء القياسية أو الكلاسيكية) لإجراء محاكاة للأنظمة الكمومية ودراسة سلوكها.

نذكر هنا عبارته المشهورة في العام 1981 والتي قال فيها: "ليست الطبيعة شيئاً تقليدياً، بل هي شيء مذهل، ولو حاولت القيام بمحاكاة للطبيعة فمن الأفضل أن تجعلها محاكاة ميكانيكية كمومية".


ولإجراء محاكاة للظواهر التي يصعبُ القيام بها باستخدام أجهزة الكومبيوتر التقليدية، تم اللجوء إلى استخدام أحد أجهزة الكومبيوتر التي تم تصميمها من قبل مؤسسة دي-وايف للأنظمة (D-Wave Systems Inc) ومقرها برنابي (Burnaby) في كندا.

في هذا السياق، يقول الفيزيائي سيث لويد Seth Lloyd من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "هذه القطعة تمثل بالفعل إحدى المخرجات الجميلة للعلم، أصبح الباحثون بواسطتها قادرين على إعادة توليد جميع أنواع الظواهر التي يمكن توقعها"، ورغم ذلك، فقد أبدى بعض الفيزيائيين شكوكاً حول جدوى استخدام أجهزة دي-وايف وحول أهمية تلك النتائج الجديدة.


في دراسة سابقة نُشرت في 22 آب/أغسطس الماضي في مجلة Nature، أعطى عدد من الفيزيائيين الذين يعملون في مؤسسة دي-وايف وصفاً شرحوا فيه عملية محاكاة لمادة مغناطيسية ثنائية الأبعاد مشيرين في الوقت نفسه لإحدى الأطوار الانتقالية التي يظهر فيها نوع من العيوب في المادة يطلق عليها "الدوامات" والتي تظهر عند انخفاض درجة الحرارة.

حصلت النتائج النظرية للتنبُّؤات التي وفّرها هذا الطور الانتقالي على جائرة نوبل في الفيزياء لعام 2016، واعتبرت تلك الظاهرة متصلة بفيزياء الموصلات الفائقة، وهي المواد التي تنقل التيار الكهربائي بدون وجود للمقاومة في درجات الحرارة المنخفضة. النتائج التي أعطتها هذه المحاكاة تشابه مخرجات عمليات المحاكاة التي تم إجراؤها على أجهزة الكومبيوتر التقليدية.


في محاكاة ثانية نشرتها مجلة Science الأمريكية في 13 تموز/يوليو الماضي، تم إعادة تمثيل سلوك إحدى المواد ثلاثية الأبعاد والتي أظهرت انتقالاً بين أطوار مغناطيسية مختلفة عندما عمد الفيزيائيون إلى تغيير إحدى المتغيرات الخاصة بها (مثل قيم المجال المغناطيسي المطبق)، وقد احتوت تلك الأطوار التي تم مراقبتها على حالة مضطربة أُطلِق عليها اسم الزجاج الملتف (spin glass).


وكان فيزيائيون في السابق قد قاموا بعمل محاكاة باستخدام حواسيب كمومية، إلا أنّ تلك المحاكاة شملت استخدام عدد أقل من الكيوبتات، يقول محمد أمين Mohammad Amin كبير العلماء في مؤسسة دي-وايف وأحد المشاركين في الدراسة المنشورة في مجلة Nature: "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إجراء هكذا شكل من أشكال الحوسبة بهذا الحجم"، فكلما كان عدد الكيوبتات أكبر، كلما ازداد عدد الجسيمات التي بإمكان الفيزيائيين إجراء محاكاة لها، وهذا يعني السماح للحواسيب بإجراء محاكاة أفضل للعمليات الفيزيائية الممكنة حين يجتمع العديد من الذرات داخل مواد صُلبة.


ومنذ طرحها في الأسواق في عام 2011، تسببت حواسيب دي-وايف في حصول جدل حولها، حيث اختلف العلماء حول كون تلك الأجهزة الكمومية تظهر بالفعل سلوكاً كمومياً (مثل تلك الروابط العصبية التي تربط بين الجسيمات المتباعدة والتي يطلق عليها التشابكات) أو أنها قادرة بالفعل على الأداء بشكل أسرع بالمقارنة مع الحواسيب التقليدية.

بإمكان تلك النتائج الجديدة التي تم التوصل إليها أن تعطي دفعة قوية لأجهزة دي-وايف من حيث المصداقية عبر التلويح إلى أنّ هناك تأثيرات كمومية تجري بالفعل داخل الكومبيوتر.


يقول الفيزيائي دانييل ليدار Daniel Lidar من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلس (University of Southern California in Los Angeles): "يبدو أنهم يستخدمون عملية كمومية لإجراء محاكاة لعملية كمومية أخرى بالفعل، ورغم أن النتائج لا تعطي دليلاً مباشراً على أن الحاسوب يظهر أداءً كمومياً، إلا أنه من غير المحتمل للمحاكاة أن تنجح لو تم هذا العمل بشكل تقليدي بصورة كاملة".


مع هذا، فما زال يوجد عدد من المشككين غير المقتنعين بمثل تلك النتائج ومنهم الفيزيائي غرايم سميث Graeme Smith من مركز أبحاث جيلا (JILA) بولاية كولورادو الأمريكية حيث يقول: "لم يتم التعامل مع الموضوع على أنه نظام كمومي، كما أن الدراسات الجديدة لا تحاول طرح موضوع فيما إذا كانت أجهزة دي-وايف تظهر أداءً أسرع بالمقارنة مع الكومبيوتر التقليدي".


يمكن اعتبار أجهزة دي-وايف على أنها نوع خاص من الحاسبات الكمومية وذلك اعتماداً على نوع معين من العمليات الذي تقوم به والذي يطلق عليه التليّن الكمومي (quantum annealing)، فبينما تخدم الأجهزة التي طورتها شركات مثل غوغل (Google) وآي بي إم (IBM) وإنتل (Intel) وغيرها أغراضاً عامةً ولها المقدرة على القيام بمهام تعتبر مستحيلة حالياً (مثل كسر أنظمة تشفير البيانات)، فإنّ أجهزة التليّن الكمومي لها القدرة على حل نوع معين من المشاكل يطلق عليه مشاكل التحسين، والتي يقوم الحاسوب خلالها باختيار الخيار الأنسب من بين مجموعة من الاحتمالات المتاحة.


وبالفعل، فقد تم استخدام حاسبات دي-وايف لحل مثل تلك المشاكل مثل غربلة بيانات مصادم الجسيمات، والكشف عن الأشجار في الصور المأخوذة جواً، واختيار المسار الأفضل لسيارات الأجرة أثناء تنقلها في أنحاء العاصمة الصينية بكين.

عالم الفيزياء دافيد فينتوريللي Davide Venturelli والذي يعمل في مختبر الذكاء الاصطناعي الكمومي (Quantum Artificial Intelligence Lab) التابع لمعهد بحوث الفضاء (Space Research Association) التابع لمركز أبحاث أميس التابع لوكالة ناسا (NASA’s Ames Research Center )في مافيت فيلد بولاية كاليفورنيا، يرى أن استخدام أجهزة دي-وايف في محاكاة الأنظمة الكمومية يتيح الكثير من الاحتمالات والفرص الجديدة لعمل الحاسوب، ويقول: "مثل هذه الدراسات ستلهم الناس الكثير من الأفكار حول ما يمكنهم القيام به باستخدام أجهزة دي-وايف".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • البت الكمومي (الكيوبت) (qubit): هو أصغر وحدة معلومات كمية، وهو الذي يقابل البت في الحواسيب العادية، ويستعمل في حقل الحوسبة الكمية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات