هل يُحدِث الفوسفور الأسود ثورةً تكنولوجيةً جديدة كما فعل السيليكون؟

في الوقت الذي يحاول فيه العلماء العثور على مادة تساعدهم على رصّ عدة ترانزستورات (Transistors) في رقاقة واحدة، أظهر بحث جديد أجرته جامعة ماكجيل McGill University بالاشتراك مع جامعة مونتريال Université de Montréal أدلةً على أن الفوسفور الأسود (black phosphorus) قد يكون المُرشح الأقوى لحل هذه المعضلة.

وفي دراسةٍ تمّ نشرها في مجلة Nature Communications قال الباحثون بأن الإلكترونات عندما تتحرك في مادة الفوسفور الأسود، فإنها تفعل ذلك عبر بُعدين فقط. وتعتبر الدراسة أن استخدام مادة الفوسفور من قبل المهندسين سيساعدهم على تجاوز إحدى أهم العقبات في مجال إلكترونيات المستقبل، ألا وهي تصميم ترانزستورات ذات طاقة كافية.


الشكل التخطيطي المسمّى "أقراص العسل المنحنية" والذي يُمثل البنية البلّورية للفوسفور الأسود. المصدر: جامعة ماكجيل.
الشكل التخطيطي المسمّى "أقراص العسل المنحنية" والذي يُمثل البنية البلّورية للفوسفور الأسود. المصدر: جامعة ماكجيل.

 

"يعمل الترانزستور بكفاءة عالية عندما يكون ذا حجمٍ رقيق، حيث تتحرك الإلكترونات من خلال بُعدين فقط" هذا ما أكّده السيد توماس سيزكوبك Thomas Szkopek الأستاذ في قسم هندسة الكومبيوتر والكهرباء في جامعة ماكجيل، والباحث الرئيسي في دراسة جديدة تحمل اسم "لاشيء يضاهي طبقة من الذرّات في الصِّغر".

وفي عام 2004 قام علماء الفيزياء في جامعة مانشستر في بريطانيا بعزل واستكشاف الخصائص المميزة للغرافين (Graphene)، وهي مادة تعادل سماكتها سُمك ذرة كربون واحدة. ومنذ ذلك التاريخ اندفع العلماء في سعي حثيث لدراسة سلسلة من المواد ثنائية البعد، أحدها هو الفوسفور الأسود. وهو صنف من الفسفور شبيه بالغرافيت (Graphite) يمكن فصله وتحويله بسهولة إلى طبقات ذرية واحدة تسمى بالفوسفورين (phosphorene).

وقد تزايد الاهتمام بمادة الفوسفورين بشكل تدريجي نظراً لقدرتها على حلِّ كثيرٍ من التحديات الناجمة عن استخدام الغرافين في صناعة الإلكترونيات. فعلى عكس الغرافين الذي يؤدي وظيفة المعدن، يعتبر الفوسفور الأسود شبه ناقل (semiconductor) طبيعي يمكن التحكم فيه بسهولة بالغة.

يقول سزكوبيك: "بهدف التقليل من الجهد الكهربائي الناتج عن عمل الترانزستور وبالتالي الحد من الحرارة المتولدة عنه، يجب علينا الاقتراب أكثر فأكثر من تصميم ترانزستور يشبه الذرّة من ناحية حركة الإلكترون. لذا فالمتطلبات الأساسية التي يحتاجها مصمّمو الترانزستور في المستقبل تتضمن مجموعة مواد ذوات حجم ذري، وهي الحصول على معدن مثالي، عازل، وشبه ناقل مثالي يؤدي دوره الفوسفور الأسود. وهذه المواد الثلاث مجتمعةً لا غنى عنها للحصول على ترانزستور مصمَّم بشكل جيد".

وقد تم الحصول على هذه النتائج بفعل جهود متعددة الأطراف من قِبل مجموعة الدكتور سزكوبيك لأبحاث إلكترونيات النانو (nanoelectronics)، مختبر علوم النانو (nanoscience) في قسم الفيزياء بجامعة ماكجيل بإشراف الدكتور جوليام غيرفيس Guillaume Gervais، ومجموعة الأبحاث المتعلقة بالبنية النانوية (nanostructures) تحت إشراف الأستاذ ريتشارد مارتيل Richard Martel من قسم الكيمياء في جامعة مونتريال.

وبهدف فحص وفهم حركة الإلكترونات داخل الترانزستور المصنوع من الفسفور، فقد قام الباحثون بإخضاعها لتأثير حقل مغناطيسيٍ قوي (magnetic field). وقد أجريت هذه التجارب في المركز الوطني لتوليد حقول الطاقة المغناطيسية العالية في تالاهاسي (National High Magnetic Field Laboratory in Tallahassee)، والذي يُعتبَر المركز الوحيد القادر على توليد أعلى وأقوى طاقة مغناطيسية في العالم. وفي معرض تعليقه على نتائج هذه التجربة، أكد السيد تيم مورفي Tim Murphy المسؤول عن حقل التيار المستمر في جامعة فلوريدا DC Field أن هذا البحث "يمنحنا معلومات ثمينة عن الخصائص الفيزيائية الأساسية التي توجه سلوك الفوسفور الأسود".

ويعلق الدكتور سيبزوك قائلاً : "المدهش في هذه النتائج هو مدى قدرة الإلكترونات على الاصطفاف كشحنةٍ كهربائيةٍ ثنائية البعد، على الرغم من أنها تشغل حجماً تبلغ سماكته عدة طبقات من الذرات. وهذا الاكتشاف مهمٌ جداً لقدرته على المساعدة في تسهيل عملية تصنيع المادة"، على الرغم من أنه "لا أحد يعرف الطريقة المثلى لتصنيعها على نطاق واسع" حتى هذه اللحظة.

ويتابع سيبزوك بقوله: "يتعاظم الاهتمام بمادة الفوسفور الأسود حول العالم"، ويردف قائلاً: "صحيح أن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً لكي نرى الترانزستور الذري كمنتج تجاري، ولكننا اقتربنا خطوة أُخرى نحو تحقيق ذلك".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أشباه الموصلات (أو أنصاف النواقل) (semiconductor): وهي مواد ذات مقاومة كهربائية ديناميكية بمجال بين مقاومة الموصلات ومقاومة العوازل، بحيث ينتقل التيار الكهربائي فيها عبر تدفق الالكترونات إلى القطب الموجب وتدفق للثقوب باتجاه القطب السالب (الثقب هنا موضع لإلكترون متحرّر)، من أهم تطبيقاتها: الترانزستور والثنائيات الباعثة للضوء
  • الغرافين (graphene): مادّة كربونية ثنائية الأبعاد وذات بنية بلورية سداسية، وتُعدّ أرفع مادّة معروفة على الإطلاق بحيث يُعادل سمكها ذرة كربون واحدة.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات