استغلال أكبر للطاقة المتجددة

حقوق الصورة: iStockphoto

انفجرت معركة ملكية بين الرؤى المتنافسة لمستقبل الطاقة بشكلٍ مفتوحٍ اليوم على صفحات مجلة علوم موقرة. يقود النزاع 21 خبيرًا في مجال المناخ ونظم الطاقة ضد المهندس المدني والبيئي في جامعة ستانفورد مارك جاكوبسون Mark Jacobson، ورؤيته للعالم المُغذّى 100% من الطاقة المتجددة وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية. وستظهر الانتقادات حول حلوله "الرياح والمياه والشمس" والرد غير المتجسد من جاكوبسون وثلاثة زملاء من ستانفورد اليوم في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم بانس PNAS

يعدد النقاد ما يعتبرونها أدوات النمذجة غير الصالحة، وأخطاء النمذجة، و "الافتراضات غير المعقولة وغير المدعومة بشكلٍ كافٍ" في إسقاط إمدادات الطاقة في الولايات المتحدة في منتصف القرن التي نشرها جاكوبسون ومشاركوه في بحثه في بانس في عام 2015.

كتب الخبراء، بقيادة كريستوفر كلاك، الرئيس التنفيذي لشركة طاقة النمذجة: شبكة الطاقة فيبرانت كلين إنيرجي Vibrant Clean Energy: "يمكن وصف سيناريوهات [تلك الورقة]، في أفضل الأحوال، بأنها استكشاف ضعيف التنفيذ لفرضية مثيرة للاهتمام".

ويقول كلاك إن هدفهم الأساسي هو العلم الدقيق، فمن الأفضل تجهيز صناع القرار لاتخاذ القرارات الحاسمة: "نحن نحاول أن نكون علميين حول سير العمليات، ونزيهين حول مدى صعوبة المضي قدمًا". ويشكك النص والبيانات التي أدلى بها مشاركو كلاك في تقييم جاكوبسون لتكنولوجيات الطاقة المتنافسة، وعلى وجه التحديد، رفضه اثنين من خيارات الطاقة غير المتجددة: محطات الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري والمجهزة لالتقاط التلوث الناتج عن ثاني أكسيد الكربون الخاصة بهم، والمفاعلات النووية. يصف جاكوبسون هجوم كلاك بأنه: "أفظع حالة من الاحتيال العلمي واجهتها حتى الآن".

 
وفي الواقع، في حين يدّعي الجانبان أنهما يوازنان بشكلٍ موضوعيٍّ خيارات الطاقة، فإن الحجج والخلفيات التي قدمها الطرفان تؤمن بالانتماءات المستنيرة لمصادر الطاقة المختلفة (والتحيزات المستنيرة ضد الآخرين)، وكما يقول علماء الاجتماع في العلوم، فإن اختيارهم للبيانات وقراءتهم لها يعكس الحدس، والقيم، والأولويات. آخذين بالاعتبار الباحث المشارك لكلاك كين كالديرا Ken Caldeira، عالم المناخ في مؤسسة كارنيجي.
 
يقول في بيان صحفي بث نقدهم بأن إزالة ثاني أكسيد الكربون من إمدادات الطاقة في الولايات المتحدة هي مهمةٌ ضخمةٌ تتطلب أكبر صندوق أدوات ممكن، ويقول كالديرا: "عند استدعاء سباك لإصلاح تسرب، تريده أن يصل مع مجموعةٍ كاملةٍ من الأدوات وعدم ترك معظمها في المنزل".
 
ثم تتخلى نفس الوثيقة عن هذه النغمة التكنولوجية اللاإنسانية لاستدعاء الطاقة النووية واحتجاز الكربونلات كالتكنولوجيات التي "ستعتمد على حل مشكلة المناخ". وناشد كالديرا نشر جيل جديد من المفاعلات النووية، كما يقول هو وغيره مثل عالم ناسا السابق جيم هانسن Jim Hansen بأن هناك حاجة لمثل تلك المفاعلات لأن الطاقة المتجددة "لا يمكن توسيع نطاقها بشكل سريع بما فيه الكفاية".
 
يمكن أن يكونوا على حق. ثم مرةً أخرى، فإن مصادر الخبراء التي استشهدوا بها، مثل وكالة الطاقة الدولية، قللت باستمرار من نمو الطاقة المتجددة. كما أن هناك انتقادات مماثلة للنقد على نطاق واسع ضد الطاقة النووية واحتجاز الكربون وتخزينه (سي سي إس) (carbon capture and storage (CCS..
 
يضع جاكوبسون بعض الحجج القوية للمشي بعيدًا عن تلك التكنولوجيات في أوراقه العلمية في بانس. وتشمل الالتزامات النووية التي ذكرها جاكوبسون تهديد الكوارث التي تشبه فوكوشيما في المستقبل، وانتشار الأسلحة النووية التي يسهلها تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، والمخاطر المالية مثل تلك التي أفلست مؤخرًا ويستنغهاوس Westinghouse. وكما ذكر في رده، قرر الفريق الدولي المعني بتغير المناخ أن هناك "أدلةً قويةً" وَ"اتفاقًا كبيرًا" بين الخبراء المصادقين على هذه المخاطر النووية. إن رفض جاكوبسون لتكنولوجيا (سي سي إس) في الوقت نفسه، قد يعرضه لما يجعل منه مغناطيسًا للهجمات الأكاديمية.
 
وكان الشيء الرئيسي الذي أغضب جاكوبسون على (سي سي إس) عمله الريادي الخاص على آثار تغير المناخ من الكربون الأسود، أو السخام (الدخان الأسود المتراكم على شكل رذاذ). ولا تزال محطات الوقود الأحفوري التي تستحوذ على معظم غاز ثاني أكسيد الكربون لديها تطلق سخامًا يشكل تهديدًا للصحة العامة وعاملًا لتغير المناخ. وفي ورقةٍ نُشرت عام 2001 في مجلة Nature عن محاكاة جسيمات السخام في الغلاف الجوي، قال بشكلٍ مثير للجدل بأن السخام في الهواء وفي حقول الثلج والجليد الأسود يمتص حرارةً كافيةً لحدوث كارثةٍ مناخيةٍ بسبب غاز ثاني أكسيد الكربون. وبعد 16 عامًا، يحظى هذا الرأي الآن بدعمٍ قويٍّ من الأوساط العلمية.
 
(مارك جاكوبسون) يضحك أمام السبورة. حقوق الصورة: L.A. سيسرو
(مارك جاكوبسون) يضحك أمام السبورة. حقوق الصورة: L.A. سيسرو
 
حوّل جاكوبسون فيما بعد علومه عن الكربون الأسود إلى نشاط سياسي، مما ساعد على إقناع منظمي ولاية كاليفورنيا بالحرمان من الحوافز منخفضة الكربون لتكنولوجيا "الديزل النظيفة". وبعد عقدٍ من الزمن، أثبتت تلك التكنولوجيا أنها في حالة من الفوضى، مما جعلها أضحوكةً بسبب الفضائح على المزاعم بكونها تساعد على تنظيف المخلفات. وباتت شركات صناعة السيارات الأوروبية التي تعتمد منذ وقت طويل على تكنولوجيا الديزل تتخلى عنها الآن لصالح السيارات الهجينة، كما ذكرت IEEE Spectrum في نيسان/أبريل.
 
ولكن أسلوبه لم يجعله شائعًا بين علماء المناخ. كما يصفه درو شينديل Drew Shindell، وهو مُنمذج المناخ في جامعة ديوك Duke University، ويضيف بأن جاكوبسون عالم بارز ذو أسلوبٍ غير عاديٍّ، يتفرد به بعض الباحثين.
 
وفي حين أن معظم النماذج المناخية تدعمها فرق كبيرة مكونة من مئات العلماء، قام جاكوبسون بمفرده ببناء نموذج المناخ غاتور-غسم GATOR-GCMM الذي يدعم عمله، بما في ذلك تقارير مجلة الطبيعة في 2001 وبانس في 2015، ويقول شيندل بأنه تُشارَك النماذج المناخية الأخرى أيضًا بحريةٍ أكبر، وتخضع للتحقق أكثر من ذلك بكثير من نموذج جاكوبسون. يقول شيندل: "لذلك، عندما يدعي أن نموذجه أكثر تعقيدًا، وبالتالي أفضل، فإنه يدعو الناس للطريق الخطأ".
 
وبالنسبة لشندل، فإن صراحة جاكوبسون ونمطه الفردي لا تبطل عمله. في الواقع، يقول: "إن طرح أسئلة مهمة هو أكبر مساهمة من جاكوبسون، وأن عمله يدفع الناس إلى النظر عن كثب، وهذا أيضا خدمة للمجتمع".
 
هل يمكن أن يحدث شيء مماثل الآن في بانس؟ يمكن لخبراء الطاقة خداع الغرباء الذين يقدمون نهجًا جديدًا لمشاكلهم. في عام 2004، قامت مجلة الطيف Spectrum بإلقاء نظرة على مُنمذجين رياضيين، مهندس طاقة وفيزيائيان متخصصان في البلازما، الذين كانوا يهاجمون موضوع التنبؤ غير التقليدي بأن الانقطاعات الكبيرة أمر لا مفر منه. تحمل هذا الثلاثي (إيان دوبسون Ian Dobson، وبنيامين كاريراس Benjamin Carreras، وديفيد نيومان David Newman) سنواتٍ من السخرية ورأوا تمويل أبحاثهم يُسحب منهم، ولكنهم انتصروا في نهاية المطاف بإقرار الجميع، ولكن التنبؤ بانقطاع التيار الكهربائي في جنوب غرب Southwest blackout عام 2011، وهي قصةٌ وثِّقت لمجلة ديسكوفر Discover العام الماضي.
 
كما قام جاكوبسون ورفاقه المعينون من شركة "بانس" بوضع نموذج الطاقة غير التقليدي الخاص بهم، مطابقة الأحمال LOADMATCH، الذي يضع رؤية واضحة. في حين ينمذج منتقدوهم في الغالب شبكات الكهرباء، استخدم فريق جاكوبسون (مطابقة الأحمال) لرسم طريق 100٪ من المصادر المتجددة لتلبية جميع احتياجات الطاقة الرئيسية في الولايات المتحدة القارية. يحل هذا النموذج محل الوقود الأحفوري للتدفئة والنقل بالهيدروجين والكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، وبالتالي معالجة جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تقريبًا من الوقود الأحفوري بدلًا من 35٪ فقط من محطات الطاقة.
 
أربعة أيام في عام 2055: الحرارة الديناميكية، وإمدادات الطاقة للرياح، والماء، وضوء الشمس المزودة الولايات المتحدة القارية بالوقود، والتي يحاكيها مارك جاكوبسون في ستانفورد. حقوق الصورة: Arizona State University/PNAS
أربعة أيام في عام 2055: الحرارة الديناميكية، وإمدادات الطاقة للرياح، والماء، وضوء الشمس المزودة الولايات المتحدة القارية بالوقود، والتي يحاكيها مارك جاكوبسون في ستانفورد. حقوق الصورة: Arizona State University/PNAS
 
وأضعف نقطة في ورقة جاكوبسون لعام 2015 التي حددها منتقدوه هي الاعتماد الشديد على محطات الطاقة الكهرومائية، التي تعمل كمحاكاة الطاقة الكهربائية التي تدعمها إمدادات الطاقة خلال فتراتٍ طويلةٍ من أشعة الشمس الضعيفة والرياح. هذا يقفز في الرسم البياني [أعلاه]، الذي يحاكي الحرارة وتوليد الكهرباء الكلي للولايات المتحدة القارية على مدى أربعة أيام في يناير/كانون الثاني 2055.
 
ترفع التوربينات المائية الطاقة بشكلٍ كبيرٍ كلّ يومٍ بعد غروب الشمس، وتقدم ما يصل إلى 1300 جيجاوات في ذروة مستواها، وهذا يعني توسعًا بمقدار 15 ضعفًا في قدرة توليد الطاقة الكهرومائية.
 
يقول جاكوبسون بأن كود (مطابقة الأحمال) يضيف توربينات لسدود الطاقة الكهرومائية القائمة كمتطلب لمنع انقطاع التيار الكهربائي. الخزانات لا تُمس، وبالتالي تخزين نفس الكمية من الطاقة. ولكن تلك الطاقة تتركز في تلك الساعات من السنة عندما لا يتوفر مصدر طاقة آخر.
 
ومع ذلك، لم يُوثَّق مثل هذا التوسع في ورقة عام 2015، ويقول الناقد العام كريستوفر كلاك إنه خطأ في النمذجة، لأنه وفقًا لتحليله، فإن إضافة التوربينات المطلوبة في السدود الحالية ليست ممكنة فعليًا. وحتى لو كان ذلك، كما يقول، فإن تفريغ الطاقة الكهرومائية كما هو موضح سوف يفرض آثارًا غير مقبولةٍ على النظم البيئية المائية ومستخدمي المياه في المصب. يقول كلاك إن إلغاء هذا الخيار يعني أن مخطط جاكوبسون سيتسبب في انقطاع التيار الكهربائي، وقال: "سينهار النظام بأكمله".
 
ويعترف جاكوبسون بأن ورقة عام 2015 كانت "غامضة" بشأن ترقية الطاقة الكهرومائية، ولكنها تقف إلى جانب بقائها التقني والاقتصادي. ويقول إن الآثار البيئية تعكس تكلفة يتعين على واضعي السياسات اتباعها لخارطة الطريق وأن ينظر فيها. ويقول جاكوبسون إن جميع حلول الطاقة النظيفة سوف تتطلب مقايضات، مشيرًا إلى أن الشبكة الكهربائية منخفضة الكربون هو الذي أكسب السمعة لكلاك، يدعو تقرير عام 2016 عن تغير المناخ الطبيعي Nature Climate Change إلى بناء خطوط طاقة لا تحظى بشعبية أكبر.
 
ولدى جاكوبسون أيضًا مصادر بديلة للطاقة الاحتياطية، مثل إضافة التوربينات لتحويل الحرارة المخزنة من محطات الطاقة الحرارية الشمسية إلى كهرباء بسرعة أكبر. ويقول: "يمكننا زيادة معدل تصريفها بمعدل 3.5 للحصول على نفس معدل التصريف الأقصى من الماء، دون زيادة أحجام المرايا أو محطات التخزين الشمسية".
 
إذا كنت تتساءل أين أرقام تخزين البطارية في كل هذا، فتلك خيارات أخرى، على الرغم من اعتبار دراسات كل من جاكوبسون وكلاك مكلفة بلا داع، تعتمد توقعات كلاك لعام 2016 في الغالب على محطات الطاقة المرنة للغاز الطبيعي بدلًا من السدود أو البطاريات لمعالجة الطلب المتبقي على الطاقة، مما أدى إلى خفض انبعاثات الكربون بنسبة 78% من مستويات عام 1990 بحلول عام 2030.
 
وما هو مؤكد، من النتائج السيئة لعلم المناخ، هو أن تغير المناخ يستدعي إعادة صياغة جريئة لنظام الطاقة العالمي من النوع الذي قام به كلاك وجاكوبسون. ويبدو أن رؤى كلًّا منهما أكثر شيوعًا من أيّ وقتٍ مضى كما تسعى إدارة ترامب إلى العودة إلى الوراء على مدار الساعة على هندسة الشبكة.
 
ويستعد قطاع الطاقة في الولايات المتحدة لإطلاق دراسة شبكة الكهرباء التي أمر بها الرئيس ترامب بشأن ما إذا كانت منشآت الطاقة المتجددة تقلل من موثوقية الشبكة من خلال تقويض محطات توليد الطاقة النووية والفحم التي تعمل باستمرار، وتذكر مذكرة وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري Rick Perry بأن "القدرة الأساسية ضرورية لشبكة كهربائية تعمل بشكل جيد".
 
صرح مارك دايسون و أموري لوفينز Mark Dyson and Amory Lovins من معهد روكي ماونتن إنستيتيوت "Rocky Mountain Institute" بأن مجموعة متنوعة من مشغلي المرافق والنظم، والاقتصاديين وغيرهم من الخبراء الذين انتقلوا من هذا الموضوع منذ سنوات، قد شوّهت تمامًا "الادعاء الغريب"، كما يقولان. ما تحتاجه الشبكة، هو المرونة، وليس محطات الطاقة الأساسية.
 
وتتحرك صناعة الطاقة بالفعل في هذا الاتجاه. على سبيل المثال، كانت المرونة محل نقاش شركة كهرباء كاليفورنيا العامة PG& E في العام الماضي عندما أعلنت عن خطط لإغلاق محطة ديابلو كانيون Diablo Canyon النووية عندما تنتهي تراخيص المفاعل في 2024 و2025. حيث كانت أساسات المولد غير مناسبة كما وصفته PG& E، لمساعدتهم على إدارة القوة الديناميكية المتزايد المتدفقة على شبكة كاليفورنيا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات