رسم خريطة درب التبانة من الداخل للخارج

تخيل أنك تحاول أن ترسم خريطة لبيتك و أنت جالس داخل غرفة المعيشة مع إمكانية محدودة للخروج منها. الأرجح أنك ستلقي نظرة خاطفة عبر باب الغرفة لترى مواقع الغرف الأخرى، و ربما تتبعت أشعة الشمس الداخلة عبر النوافذ لتعرف المزيد. لكن مهما فعلت فلن تتمكن من رؤية الصورة الكاملة للبيت، و السبب هو أنك محكوم بمحدودية وجودك داخل الغرفة محاولاً رسم خريطة البيت من الداخل إلى الخارج ومسترشداً بما أتيح لك من معلومات. 

 

يظهر الفنان في هذا الرسم التخيلي المعلومات الأحدث حول شكل مجرتنا درب التبانة. يقع النجم الذي نعيش حوله - ألا وهو الشمس - على بعد ثلثي المسافة من مركز المجرة. Credits: NASA/JPL-Caltech/R. Hurt (SSC/Caltech
يظهر الفنان في هذا الرسم التخيلي المعلومات الأحدث حول شكل مجرتنا درب التبانة. يقع النجم الذي نعيش حوله - ألا وهو الشمس - على بعد ثلثي المسافة من مركز المجرة. Credits: NASA/JPL-Caltech/R. Hurt (SSC/Caltech


إن مهمة رسم خريطة لمجرتنا درب التبانة من قبل الراصد الواقف على الأرض، والتي تقع على بعد ثلثي المسافة من مركز مجرة درب التبانة، ستكون بنفس الصعوبة. فسحب الغبار الهائلة تتخلل المجرة وتعيق الرؤية "كالجدران في الغرفة". واليوم يمتلك الباحثون خريطة معقولة للبنية الحلزونية لمجرتنا، إلا أنهم يضيفون التحسينات والتعديلات على خريطتهم بشكل متواصل، شأنهم في ذلك شأن أي مستكشف قديم يضع خارطة لمنطقة حديثة الاكتشاف، وكلما أتيح له رصد حقائق جديدة يقوم بتحديث الخريطة بصبر وتأنٍ.



وفي السعي المتواصل لوضع خريطة مجرة درب التبانة وتحديثها، فقد بدأ الباحثون مؤخراً باستخدام طريقة جديدة تعتمد على الاستفادة من بيانات مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال (Wide - field Infrared Survey Explorer) أو اختصاراً (WISE) الخاص بناسا. وقد نجح الفريق البحثي القائم على هذا المشروع من خلال استخدام WISE في الكشف عن أكثر من 400 من الحشود النجمية المحاطة بالغبار التي تتّبع الأذرع الحلزونية لمجرتنا. وقد وُصفت سبعة من هذه الحشود النجمية في دراسة نشرت على الإنترنت في العشرين من مايو في النشرة الشهرية للجمعية الفلكية الملكية.



وفقاَ لهذه الدراسة فقد أفاد السيد دينيلسو كامارغو Denilso Camargo من الجامعة الاتحادية في "ريو غرانديه دو سول" في البرازيل، وهو من مؤلفي للدراسة: "إن موقع شمسنا ضمن قرص مجري محجوب بالغبار يؤدي إلى تعقيد عملية مراقبة بنية مجرة درب التبانة."

وهذه النتيجة تدعم نموذج "الأذرع الأربعة" للبنية الحلزونية لمجرتنا. وقد تم التوصل إلى هذا النموذج في السنوات الماضية عبر عدة محاولات وباستخدام عدة طرق لرسم خارطة للبنية الحلزونية لمجرة درب التبانة، فكانت النتيجة صورة لمجرة ذات أربعة أذرع حلزونية. وفي هذه الأذرع الأربعة تولد معظم نجوم المجرة من الغاز والغبار "المكونات الأولية للنجوم".

 

ويبدو أن اثنين من هذه الأذرع الأربعة، وهما ذراع برشاوس (Perseus) و ذراع الترس-قنطورس (Scutum - Centaurus) هما أكثر بروزاً واحتشاداً بالنجوم. أما ذراع القوس (Sagittarius) والذراع الخارجية فهما تحتويان على كميات من الغاز تعادل تلك الموجودة في ذراعي برشاوس والترس  -  قنطورس مع عدد أقل من النجوم. 



بالإضافة إلى ذلك فقد كشفت دراسة حديثة بواسطة WISE عن وجود حشود نجمية مدمجة في كل من ذراع برشاوس، ذراع القوس، والذراع الخارجية. وبالإضافة إلى بيانات WISE فقد تم استخدام بيانات من مستكشف السماء ذي الطول الموجي 2 ميكرون (Two Micron All Sky Survey) أو اختصاراً (2MASS)، و مستكشف ناسا الأرضي السابق لـ WISE، والمؤسسة الوطنية للعلوم في جامعة ماساتشوستس و كلية أمهرست. وقد ساعدت كل هذه البيانات في رصد المسافة الفاصلة عن هذه الحشود النجمية وتحديد موقعها بدقة أكبر. 

تعتبر الحشود النجمية المدمجة من الأدوات الفعالة للغاية في رؤية أماكن تواجد الأذرع الحلزونية للمجرة، وذلك لأن هذه الحشود تحتوي على نجوم شابة، وهي لم تنجرف بعيداً خارج الأذرع الحلزونية حتى الآن. وكما هو معروف فإن النجوم تولد في المناطق الغنية بالغاز في الأذرع الحلزونية للمجرة، ولكنها مع مرور الزمن تهاجر بعيداً عن مكان ولادتها. وتعتبر وسيلة استخدام العناقيد النجمية المدمجة من الوسائل المكملة للتقنيات الأخرى لرسم خريطة المجرة، مثل التلسكوبات الراديوية (radio telescopes) التي تتحرى السحب الغازية الكثيفة.



وكما أفاد "كامارغو" فإن هذه الأذرع الحلزوينة تعاني من ازدحام شديد، حيث تحتشد سحب الغاز و النجوم معاً قبل أن تبدأ في التحرك ببطْء. وعندما يمر الغاز عبر مواقع الكثافة العالية "نقاط الاختناق المروري" فإنه يتعرض لضغط شديد، الأمر الذي يؤدي إلى ولادة النجوم. 



ويعتبر WISE الطريقة المثالية للكشف عن الحشود النجمية المدمجة. فالأشعة تحت الحمراء يمكنها النفاذ عبر سحب الغبار الكوني التى تملأ المجرة و تحيط بالحشود النجمية المدمجة. وبالاضافة إلى قدرة المستكشف على إجراء مسح شامل للسماء فإن تلسكوب "سبيتزر" الفضائي التابع لناسا يعتمد كذلك على صور الأمواج تحت الحمراء لرسم خريطة درب التبانة. ويرصد "سبيتزر" مواقع معينة في المجرة كما يقوم بإحصاء النجوم. وتشاهد أكثف التوزعات النجمية في الأذرع الحلزونية للمجرة.



يعتبر مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لناسا في باسادينا - كاليفورنيا الجهة القائمة على إدارة و تشغيل المستكشف نيابة عن مديرية المهام العلمية بواشنطن. وفي سنة 2011 وُضع المستكشف في حالة سبات (hibernation mode) بعد أن قام بمسح السماء لمرتين ليحقق الهدف المنشود منه حينها. وفي سبتمبر 2013 تمت إعادة تنشيط المستكشف كما تم تغيير اسمه الى مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال لمراقبة الأجسام المقتربة من الارض (Near - Earth Object WISE) أو اختصاراً (NEOWISE) وأوكلت إليه مهمة جديدة تتمثل في مساعدة ناسا على اكتشاف الأجرام التي يحتمل أن تهدد الأرض لدى اقترابها منها.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات