الخارطة الأكثر تفصيلاً على الإطلاق لدرب التبانة تُحقق اكتشافًا مذهلًا

أصدرت وكالة الفضاء الأوروبية ESA لتوّها الخارطة الأدق والأكثر تفصيلاً على الإطلاق لدرب التبّانة حيث تبين موقع أكثر من 1,1 مليار نجم في مجرتنا، وتشكل الخارطة ثلاثية الأبعاد الإصدار الأول للبيانات المسجلة بواسطة مرصد جايا الفضائي (Gaia space observatory) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA، والذي أُطلق للمرة الأولى عام 2013 وبدأ بمسح السماء في تموز عام 2014، حيث حدّد الموقع الدقيق لنحو 1,142 مليار نجم في الأشهر الأربعة عشر الأولى من عمله.

حسناً إذاً، يصعب تماماً تخيّل هذا الرقم، لكن إن أردنا فقط إعطاء لمحة عن التقدم الذي نحرزه هنا، فإن هذه الخارطة المختصة بالقياسات الفلكية تحوي عدداً من النجوم يعادل تقريباً عشرين ضعف عددها في الدليل السابق التعريفي بالسماء الذي أعدّه قمر هيباركوس Hipparcos satellite التابع لـ ESA الذي عمل بين عامي 1989 و1993. 

ومن بين الـ 1,142 مليار نجم التي يمكن الآن تحديد موقعها في الفضاء، ثمّة 400 مليون نجم لم تكن معروفة في السابق بالنسبة للعلماء، ما يعني أن درب التبانة هي مكان أكبر بكثير مما اعتقدنا. 

حقوق الصورة: ESA/Gaia/DPAC
حقوق الصورة: ESA/Gaia/DPAC

 

بمعنى آخر فإن تصوّر البشرية للكون المجاور لنا قفز للتو قفزة هائلة للأمام، فلو تهت في درب التبانة فإن هذه هي الخارطة التي يجب أن تستخدمها من الآن فصاعداً.

يقول عالم المشاريع في جايا تيمو بروستي Timo Prusti: "تُظهر الخارطة الجميلة التي ننشرها الآن كثافة النجوم المقاسة بواسطة جايا عبر. السماء برمتها، وتؤكد أنها جمعت بيانات ممتازة خلال العمليات التي أجرتها في عامها الأول. رغم أنّ البيانات الحالية أوليّة لكننا أردنا جعلها متاحة للمجتمع الفلكي ليستخدمها بأسرع ما يمكن".

وقد استلزم ذلك تضافر جهود نحو 450 عالماً ومهندس برمجيات أوروبيين للإشراف على جدول البيانات الأولية الخاص بـ "جايا" الذي يشمل أكثر من مليار نجم والتأكد من دقة مواقع وسطوع النجوم المسجلة.

ولا تعرّفنا كل تلك الجهود بموقع 1,142 مليار نجم في الفضاء فحسب، فقد تمكّن العلماء من تقدير المسافات والحركات لنحو مليوني نجم وذلك بمقارنة مشاهدات "جايا" مع البيانات الموجودة في خارطتين سابقتين للنجوم (وهما دليلا هيباركوس Hipparcos وتايكو-2 Tycho-2) ما يمنحنا رؤية غير مسبوقة لحركة النجوم الفيزيائية في أنحاء المجرة. كما أنّ وصول تيلسكوبات "جايا" لهذا البعد يعني أنّ بإمكاننا الرؤية في الفضاء بشكل أعمق وأبعد مما مضى.

ويتضمن المسبار -الذي يقع على بعد حوالي 1,5 مليون كيلومتر (ما يعادل 932000 ميل) من الأرض- كاميرا تصل دقتها إلى مليار بكسل، وهي قادرة على قياس قطر شعرة بشرية من بعد 1000 كيلومتر. وقد أثمرت هذه النظرة المكثفة نتيجةً مفادها أن بإمكاننا الآن رصد عناقيد نجمية كانت في السابق مخفيّة عن النظر.

تقول أنطونيلا فاليناري Antonella Valenari من المعهد الوطني للفيزياء الفلكية INAF في إيطاليا: "كلّ ما أمكننا فعله بواسطة قمر هيباركوس هو تحليل البنية ثلاثية الأبعاد وحركات النجوم الموجودة في العنقود المفتوح الأقرب للشمس "القلاص" Hyades وقياس المسافات لنحو 80 عنقوداً تبعد عنا مسافة تصل إلى نحو 1600 سنة ضوئية. أما الآن فيمكننا بواسطة بيانات "جايا" الأولية قياس مسافات وحركات النجوم الموجودة في نحو 400 عنقود تبعد عنا ما يصل إلى 4800 سنة ضوئية".

لعلّ الأمر الأكثر إثارة في كل ذلك هو أنّ "جايا" في بدايتها فقط، فهذه النماذج المخططة التي تبدو نوعاً ما كبصمات أصابع كونية في الخارطة أعلاه هي نتائج صنعية ناجمة عن المسح الأولي للمسبار وستتلاشى مع الزمن نظراً للقيام بمشاهدات إضافية.

وستمتد مهمة "جايا" الكلية على مدى خمس سنوات، حيث كان من المفترض أصلاً أن تقوم بمسح لمليار نجم. وسبق أن أعلن علماء ESA أنهم ما زالوا في بداية الطريق فقط على ما يبدو، رغم أنّ تحديد موقع 1,142 مليار نجم يعتبر إنجازاً هائلاً، لكن هذا الرقم يمثل نحو واحد بالمئة فقط من العدد الذي قُدر بتحفظ والبالغ مئة مليار نجم في درب التبانة.

ورغم عدم وجود فرصة بأن تتمكن "جايا" من مسح كل هذه النجوم خلال الإطار الزمني لمهمتها الممتد لخمس سنوات، يقوم العلماء في الوقت الحاضر بتعديل توقعاتهم بشأن عدد النجوم التي سيعثرون عليها بما أنهم الآن تخطّوا هدفهم المبدئي.

صرح أحد الباحثين وهو فلور فان ليفين Floor van Leeuwen من جامعة كامبردج في بريطانيا هذا الأسبوع أمام الصحافة: "يبدو أننا بالغنا في الاستهانة بعدد النجوم حيث نعتقد أننا سنرى من مليارين إلى مليارين ونصف منها".

يعتبر ذلك هدفاً جديداً كبيراً، لكن نظراً لمدى ما حققته ESA بواسطة هذا المسبار، لا يحقّ لنا أن نشكك بهم، وثمّة أمر مؤكد وهو أنّ فهمنا للمجرة التي نشكل جزءاً منها يزداد بنسبة متسارعة وهذا يعني أننا في زمن مثير بالنسبة لعشاق العلم والفلك.

يقول ألفارو جيمينيس Alvaro Giménez المدير العلمي في ESA: "إنّ غايا في الصدارة بالنسبة لعلم القياسات الفلكية حيث إنها تصوّر السماء بدقّة لم يسبق قط الوصول إليها، ويمنحنا إصدار الخارطة اليوم انطباعاً أولياً عن البيانات الخارقة التي تنتظرنا والتي ستحدث ثورة في فهمنا لكيفية توزع النجوم وحركتها عبر مجرتنا".

سيتمّ نشر خمس عشرة دراسة مبنية على أبحاث "جايا" في طبعة خاصة قادمة من "الفلك والفيزياء الفلكية" Astronomy and Astrophysics.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات