تم إيجاد ثقوب سوداء فائقة الكتلة تحتوي كميات من المادة تفوق كتلتها ملايين ومليارات أضعاف كتلة الشمس، في نوى معظم المجرات، إذ يُعتقد أنه خلال المراحل الجنينية لهذه المجرات، تقوم تلك الثقوب السوداء بلعب دور هام كبذور تتجمع حولها المواد.
تستطيع المجرات خلال وقت لاحق من حياتها أن تُغذي تدفقات درامية من المواد، التي تجري نحو الخارج منها (بين العديد من الظواهر الأخرى)، أثناء قيام الغاز والغبار بالسقوط، والتراكم في أقراص تُحيط في العادة بتلك الثقوب. هذه المراحل النشطة والمتأخرة من الثقوب السوداء فائقة الكتلة، يمكن أن تحَول المجرات إلى أجسام لامعة جداً، مثل الكوازارات، التي يَسمح سطوعها بأن تُشاهد من مسافات كونية. وفي الحقيقة، اُكتشِفَ مؤخراً كوزارات تعود إلى فترة لا تتجاوز مليار سنة بعد الانفجار العظيم.
لكن من أين تأتي هذه الثقوب السوداء؟ وخصوصاً تلك التي وُجدت في المراحل المبكرة من عمر الكون؟
الموت الانفجاري للنجوم فائقة الكتلة هو الطريق الوحيد المعروف لحصول ذلك، ويتطلب مئات ملايين السنين، حيث يتشكل النجم نفسه من الغاز المحيط ومن ثم يتطور، وبعد ذلك يجب إضافة مادة إلى بذرة الثُقب الأسود، حتى ينمو ليُصبح وحشاً فائق الضخامة، ومن غير الواضح فيما إذا وجد وقت كافٍ من أجل حصول ذلك، خلال المراحل المبكرة من تاريخ الكون.
اقتُرحت طريقة ثانية بخصوص هذه البذور الكونية، وتقول هذه الطريقة بالانهيار المباشر للغاز البدائي ليُشكل البذور، الأكثر ضخامة بكثير-إذ تصل كتلتها إلى حوالي عشرة آلاف كتلة الشمس- من تلك الموجودة في الرماد النجمي.
ناضلت عمليات المحاكاة الحاسوبية على مدار سنوات عديدة، للتنبؤ بما يحصل أثناء الانهيار مباشر، وحصلت نجاحات مختلطة في هذا المجال. مؤخراً، نشر علماء الفلك CFA فرناندو بيسيرا (Fernando Becerra) وتوماس غريف (Thomas Greif) ولارس هيرنكست (Lars Hernquist) وزميل لهم، محاكاة ثلاثية الأبعاد هي الأكثر تفصيلاً للعملية التي حصلت خلال المراحل المبكرة من عمر الكون، وبدقة مكانية مذهلة وصلت إلى حجم النظام الشمسي، إذ تضاعفت تلك الدقة بعامل تجاوز عشرة تريليونات من حيث الحجم، وعشرين مرتبة (عامل من مئة مليون ترليون) بالنسبة لكثافة الغاز.
وجد الفريق أن قلباً أولياً صغيراً شبيهاً بالنجم (protostellar-like core) تصل كتلته إلى 0.1 كتلة الشمس، يُمكنه أن يتطور خلال بضعة أعوام، بوجود بيئة مناسبة، ومن ثم ينمو ليُشكل ثقب أسود فائق الكتلة خلال ملايين السنين فقط.
وبشكلٍ خاص، وجد الفريق أن التجزئة، المتوقع قيامها بتعطيل نمو هذه البذور، ليست بالمشكلة الخطيرة. وتعتبر النتائج التي حصلوا عليها خطوة مهمة باتجاه تفسير الأصول الكونية لبذور المجرات.