على مدار أعوامه الستة والعشرون في الفضاء، التقط مرصد هابل الفضائي آلاف الصور المذهلة بهدف خدمة العلم؛ ومعظمنا على دراية بالصور الملونة التي توضح لنا السدم البعيدة (nebula) والمجرات غريبة الأشكال، لكن واحدة من أهم صور علم الفلك هي تلك التي التقطها تلسكوب هابل عام 1995 ولم يعرها الكثير من الناس أي أهمية.
هذه الصورة المعروفة بحقل هابل السحيق (Hubble Deep Field)، ليست ملونة ولا براقة، بل وكما هو موضح في الفيديو أعلاه هي عبارة عن لقطة لمجمل تاريخ الكون تقريباً، كما أنها الأولى من نوعها في العالم على الإطلاق.
إضافة الى بعض النجوم المتلألأة وحزم الأشعة الصادرة عنها، فإن كل نقطة منفردة تراها في الصورة أدناه ليست نجماً، وإنما مجرة كاملة.
يبلغ عمر بعض المجرات الصغيرة الموجودة في الصورة 12 مليار سنة، وهذا يعني أن الضوء الظاهر في هذه الصورة نتج بعد حصول الانفجار العظيم (Big Bang) بحوالي ملياري عام فقط. لكن أكثر الأشياء سحراً في هذه الصورة هو كيفية الحصول عليها، فقد تمثلت مهمة تلسكوب هابل قبل التقاطه لهذه الصورة في استكشاف أجسام محددة في الفضاء كنجم أو مجرة استثنائية فقط، لكن عالم الفلك روبرت ويليامز Robert Williams -مدير مرصد هابل بين عامي 1993 و1998- قرّر استخدامه لفعل شيء مختلف كالتحديق نحو شيء ما بغرض الحصول على صورة تفصيلية.
ورغم أنه لم يكن لديهم أدنى فكرة عمّا سيرونه، حداهم الأمل في وصول أطوال موجية من ضوء أقدم من الذي شاهدناه سابقاً في تطور الكون، وذلك عبر التحديق نحو بقعة مظلمة من الفضاء. كانت تلك مغامرةً كبيرةً جداً؛ ففي ذلك الوقت لم تكن ناسا قادرةً على تحمل أي خسارة مالية، فلم يكن قد مضى وقت طويل على الخطأ الذي قامت به بعثة العلماء حين أرسلت مرصد هابل إلى الفضاء بمرآة خاطئة، مما قاد إلى ثلاث سنوات من التقاط صور ضبابية مشوشة وأدى ذلك إلى جعل وكالة الفضاء الامريكية أضحوكة للحكومة والإعلام على مدار عدة شهور، (إن النظر إلى وجوه علماء ناسا عند إصلاح مرآته تستحق المشاهدة لوحدها).
على أية حال قرر ويليامز، متجاهلاً الكارهين، التقاط (صورة اللاشيء)، وكانت النتيجة صورة حقل هابل السحيق وهي أول صورة مأخوذة لزمن بعيد جدا؛ قدمت تلك الصورة تقنية جديدة في مجال علم الفلك، ولعل الأهم من ذلك أنها غيرت طريقة نشر العلماء للمعلومات إلى الأبد، لكن نترك للفيديو أعلاه توضيح هذه القضية.
من المؤكد أننا مدينون بالكثير لمرصد هابل والعلماء الذين كانوا وراء التقاط هذه الصور الجنونية؛ ومن الحتمي أيضاً أننا سنفتقد مرصد هابل بعد أن ينتهي من عمله في نهاية المطاف.