يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
أحمر كرزي وشديد الخطورة

قد يكون "الزئبق الأحمر"، وهو متفجر كيميائي قوي فريد من نوعه، نبذه العديد من الخبراء كخرافة، حقيقيًا، ويمكن أن يشكّل تهديدًا خطيرًا لمحاولات العالم للسيطرة على انتشار الأسلحة النووية. تسربت من جنوب أفريقيا وروسيا والولايات المتحدة معلومات جديدة أقنعت علماء الأسلحة النووية البارزين أنه يجب الآن أخذ المخاطر المحتملة على محمل الجد.
 

يخشى العلماء، ومن بينهم سام كوهين Sam Cohen، الفيزيائي النووي الأمريكي الذي اخترع القنبلة النيوترونية، وفرانك بارنابي Frank barnabay، المدير السابق لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن الزئبق الأحمر يمكن أن يسهّل الأمر أكثر بكثير على الأمم أو المجموعات الإرهابية لصناعة أسلحة اندماج حراري نووي صغيرة إلّا أنها فتاكة. وهم يدعون 178 دولة إلى مؤتمر حول مستقبل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، المقرر أن ينتهي في نيويورك في غضون أسبوعين، لإدخال ضوابط أكثر صرامةً على التجارة الدولية للتريتيوم، أحد المواد الخام لقنبلة الاندماج.


قال كوهين، الذي عمل في مشروع مانهاتن لبناء القنبلة الذرية في الأربعينيات من القرن الماضي، ومستشارًا للأسلحة النووية لحكومة الولايات المتحدة لدى مؤسسة راند لمدة 20 عامًا: "لا أريد أن أبدو ميلودراميًا، لكن الزئبق الأحمر حقيقي وهو مرعب. أعتقد أنه جزء من سلاح إرهابي قد يؤدي إلى نهاية المجتمع المنظم". و يزعم أنه يمكن استخدامه لصنع قنبلة نيوترونية بحجم كرة بيسبول قادرة على قتل كل شخص في محيط 600 متر من الانفجار.


أما بارنابي، وهو محلل مرموق للأسلحة النووية كان يدرس الزئبق الأحمر طوال السنوات الست الماضية، فهو أكثر حذرًا، ويقر بوجود العديد من الحالات التي عُرض الزئبق الأحمر فيها للبيع بأسعارٍ هائلة واتضح كونها احتيالات. لكنه يؤمن "على ميزان الاحتمالات" بأن المتفجرات شديدة القوة القائمة على الزئبق والتي يمكن أن تحدث ثورة في تصميم الأسلحة النووية قد طُوِّرت داخل الاتحاد السوفياتي السابق.


كانت آخر الأدلة التي شاهدها بارنابي وثيقتان تسربتا إلى غرينبيس Greenpeace، ظاهريًا من مصنع إنتاج زئبق سابق في جنوب أفريقيا. تشرح الوثيقتان المواصفات الكيميائية لمادة تُسمى "الزئبق الأحمر 20:20"، وهو مركب من الزئبق النقي وأكسيد أنتيمون الزئبق (Hg2Sb2O7) وُصف بأنه "أحمر كرزي" و"شبه سائل". ويبدو أن الثيقتَين تشكّلان جزءًا من طلب مشترٍ غير معروف لتوريد "10-4 دوارق شهريًا" من المادة.


وُجّهت إحدى الوثيقتان، بتاريخ 2 أبريل/نيسان 1990، إلى ولفجانج دوليتش Wolfgang Dolich في شركة ثور كيميكال Thor Chemical التي تملكها بريطانيا في شباير، بالقرب من مانهايم في ألمانيا. ولم يستطع دوليتش، الذي كان مدير مبيعات في ذلك الوقت وهو الآن المدير الألماني للشركة، أن يتذكر من الذي أرسل إليه الوثيقة، ولا أن يتعرف على صاحب التوقيع غير المشروع الذي تحمله. لكنه يعتقد أنه من المرجح أن تكون الوثيقة واحدة من الطلبات الكثيرة التي اعتاد أن يتلقاها من أجل منتجات الزئبق. وقال إنه ربما مررها إلى مصنع الشركة الشقيقة في كاتو ريدج في ناتال بجنوب أفريقيا، حيث كانت تُصنع مركبات الزئبق لغاية بضع سنوات مضت.


لكن دوليتش أخبر نيو ساينتست New Scientist أنه لا يمكن أن يَنتج شيئًا من الطلب لأن "ثور" التي تدير الأعمال الكيميائية في سبعة بلدان من مقرها الرئيسي في مارغيت، كينت، لم تشارك في تصنيع الزئبق الأحمر أبدًا.


تحتوي الوثيقة أيضًا على ملاحظة مكتوبة بخط اليد تنص على: "مُرفق بهذا كل ما لدينا من الزئبق الأحمر" ووقعت "آلان". يعتقد دوليش أنه من المرجح أن يكون آلان كيدجر Alan Kidger، مدير المبيعات في جوهانسبرج، الذي قُتل في ظروف غامضة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1991. ويعتقد محققو الشرطة في جنوب إفريقيا أن جريمة قتل كيدجر قد تكون مرتبطة بتجارة سرية في الزئبق الأحمر، على الرغم من نفي الشركة لذلك.


يعتبر بارنابى المواصفات في المستندات ذات مصداقيةٍ علميةٍ، على الرغم من أنه ليس من السهل فهمها. فهي مشابهة لأخرى رآها في روسيا وألمانيا والنمسا ويعزز رأيه بأن هناك تجارة دولية بارزة في الزئبق الأحمر. ويسعى الآن بنشاط بالتعاون مع اثنين من كبار العلماء الآخرين من إيطاليا والولايات المتحدة، رفض الكشف عن اسمهما، للحصول على عينةٍ صغيرة من الزئبق الأحمر بحيث يمكن اختبار خصائصه المزعومة بشكل صحيح في المختبر.


تحدثت مجموعة بارنابى إلى أربعة علماء لم يذكر اسمهم في روسيا. وقال بارنابي أن الأربعة قدّموا معلوماتٍ مفصّلةً عن الزئبق الأحمر، وتوصّل نتيجةً لذلك إلى أنه بوليمر ذو قوام كالجِل رُبط الزئبق والأنتيمون فيه معًا بعد تعرضهما للإشعاع لمدة تصل الى 20 يومًا في مفاعلٍ نووي.


كما قال أنه يتم إنتاج أكسيد أنتيمون الزئبق "بكمياتٍ كبيرةٍ نسبيًا" في مصنع المواد الكيميائية في يكاترينبورغ. ويزعم أن الزئبق الأحمر نفسه قد أنتِجَ لأول مرة في عام 1965 في جهاز سيكلوترون بمركز الأبحاث النووية في دوبنا بالقرب من موسكو، وهو الآن يصنع في "عدد" من المراكز العسكرية الروسية، بما في ذلك كراسنويارسك في سيبيريا وبينزا، على بعد 500 كيلومتر جنوب شرق موسكو. ويقدّر أحد العلماء الروس أن روسيا تنتج نحو 60 كيلوجرام من الزئبق الأحمر سنويًا.


يجادل بارنابي بأن هذا الجِل، إضافةً إلى أنه يمكن استخدامه في أسلحة الانشطار النووي، يمكن أيضًا أن يُنتج طاقةً كيميائية كافية عند ضغطها لدمج ذرات التريتيوم وإحداث انفجار حراري نووي. وقال أنه ربما قد تم بالفعل دمج الجِل في أسلحة نيوترون روسية، مثل المدفع من طراز M-1975 240-mm.
 

إذا كان هذا صحيحًا، فسيكون الزئبق الأحمر مادةً رائعة يمكن أن تكون لها آثارٌ هائلة على إنتاج الطاقة وتكنولوجيا الأسلحة. لكن وجودها موضع شك، ليس فقط من قبل الحكومات البريطانية والأمريكية والألمانية (هذا الأسبوع، 6 يونيو/حزيران 1992)، ولكن أيضًا من قبل النقاد المستقلين، ومن أبرزهم جوزيف روتبلات Joseph Rotblat، أستاذ الفيزياء الفخري في جامعة لندن، وتيد تايلور Ted Taylor، مصمم القنابل الرائد في مختبر الأسلحة النووية الأمريكي في لوس ألاموس في نيو مكسيكو في خمسينيات القرن الماضي.


يشير تايلور إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن تصورها للحصول على المستويات العالية من الطاقة الكيميائية التي يحتاجها الزئبق الأحمر هي طرد الإلكترونات الداخلية للزئبق والأنتيمون. لكنه يجادل بأنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لهذا أن ينتج مادةً كانت مستقرة لفترةٍ طويلةٍ بما يكفي لاستخدامها كمتفجرات. فقد قال: "أراهن أنها غير موجودة".


على الرغم من شكوكه، يعتقد تايلور أن الآثار المحتملة للزئبق الأحمر مهمة للغاية بحيث يجب دراستها. وقد قال: "إن اكتشاف مادة يمكن أن تطلق مئات أو آلاف الأضعاف من الطاقة الكيميائية التي تصدرها الـ TNT، يمكن أن يكون "أكثر أهميةً من الانشطار النووي"، ويمكن أن تحدث ثورة في مجال السفر إلى الفضاء، فضلًا عن إمكانية صنع فئة جديدة مخيفة من أسلحة الاندماج النووي. آمل أن يكون الأمر خاطئًا، لكن ربما أكون قد انزلقت إلى التمني". وهو يتفق مع بارنابي وكوهن على أن التجارة في التريتيوم يجب أن تخضع لنفس الضمانات مثل البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، وهي المكونات الأساسية للقنابل الانشطارية.


مع ذلك، يدّعي كوهين أن الزئبق الأحمر هو إحدى مواد فئة جديدة شديدة الانفجار تخضع لتحقيق سري من قبل علماء الأسلحة النووية في الولايات المتحدة. وهو يقتبس من مذكرة تلقاها مؤخرًا من مختبرات سانديا الوطنية، من مركز هندسة الأسلحة النووية في نيو مكسيكو، التي تصف مواد مثل "البالوتكنيك ballotechnic." ووفقًا للمذكرة، فإن هذا يعني أنه "في ظل ظروف معينة" يمكن أن تكون الطاقة الكيميائية التي يتم الحصول عليها منها "أكبر من طاقة المتفجرات شديدة القوة".


وقال بوب جراهام Bob Graham، وهو باحث كبير في سانديا، أنه صاغ مصطلح "ballotechnics" لوصف الأجهزة التي تنتج الحرارة بعد التعرض للصدمة. لكنه يصر على أنه لا علاقة له بالزئبق الأحمر، الذي لا يصدق وجوده. وبالمقابل قال كوهين: "غراهام ليس حرًا في التحدث بصراحة عن هذا، لكن أنا حر".


المكونات ضمن المخطط من اليمين إلى اليسار: غلاف معدني _ عبوة تريتيوم ودوتريوم _ زئبق أحمر _ مفجّرات _ متفجرات شديدة القوة _ دارة إطلاق المفجّر. الشرح بالأسفل: قنبلة اندماج الزئبق الأحمر؟
المكونات ضمن المخطط من اليمين إلى اليسار: غلاف معدني _ عبوة تريتيوم ودوتريوم _ زئبق أحمر _ مفجّرات _ متفجرات شديدة القوة _ دارة إطلاق المفجّر. الشرح بالأسفل: قنبلة اندماج الزئبق الأحمر؟


تؤدي موجات الصدمة الصادرة عن مفجّر المتفجرات شديدة القوة الاعتيادية إلى جعل الزئبق الأحمر يطلق من الطاقة المخزّنة ما يكفي لإحداث تفاعل اندماج في المركز.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات