الخلاصة: ألقت دراسة جديدة الضوء على كيف يمكن لبعض كبار السن أن يحتفظوا بقدرات تفكيرية شابّة وما هي الدارات الدماغية التي تدعم هذه القدرات.
المصدر: هارفرد Harvard
صور الباحثين تكشف عن شبكات دماغية متينة!
يُعتبر بعض التدهور في الذاكرة أمراً حتمياً مع التقدم بالعمر، لكن بحثاً جديداً يكشف كيف يمكن لبعض الأفراد ألا يخضعوا لهذا القدر.
فحصت دراسة من قبل باحثين في هارفرد تابعين للمشفى العام في ماساشوستس مجموعة من كبار السن ذوي ذاكرة غير اعتيادية ووجدت بعض المناطق المفتاحية في أدمغتهم مشابهة لتلك الموجودة عند الأفراد الأصغر سناً.
هذه الدراسة -التي نُشرَت في مجلة علم الأعصاب- هي أول خطوة في برنامج بحثي يهدف إلى فهم كيف يمكن لبعض كبار السن أن يحتفظوا بقدرات تفكيرية شابّة وما هي السبل الدماغية التي تدعم هذه القدرات. يترأس هذا البرنامج مؤلفان رئيسيان للدراسة الجديدة، برادفورد ديكيرسون Bradford Dickerson وهو أستاذ مساعد في علم الأعصاب في جامعة هارفرد الطبية ومدير وحدة الاضطرابات الجبهية الصدغية في قسم علم الأعصاب التابع للمشفى العام في ماسوشوستس MGH، وليزا فيلدمان باريت Lisa Feldman Barrett من قسم الطب النفسي في المشفى.
بينما يعاني معظم كبار السن من تراجع تدريجي في قدرات الذاكرة عندهم، وصف بعض الباحثين معمرين فائقين super agers مع ذاكرة مرنة غير اعتيادية، وأدخل الباحثون في الدراسة الجديدة ٤٠ بالغاً تتراوح أعمارهم بين ٦٠-٨٠ عاماً، ١٧ منهم أبدوا بفحص الذاكرة وكأن ذاكرتهم أصغر بأربعة أو خمسة عقود، و٢٣ منهم أظهروا نتائج طبيعية ملائمة لمرحلتهم العمرية، وتضمنت الدراسة أيضاً ٤١ بالغاً تتراوح أعمارهم بين ١٨-٣٥ عاماً.
تقول ألكسندرا توروتوغلو Alexandra Touroutoglou في قسم علم الأعصاب التابع لـ MGH و HMS، وهي مؤلفة مساعدة للبحث مع ديكرسون وباريت: "قامت دراسة سابقة على المعمرين الفائقين بمقارنة أفراد أعمارهم أكبر من ٨٥ بآخرين متوسطي العمر، ودراستنا مثيرة لأننا نركّز على أفراد حول أو بعد سن التقاعد النموذجي، معظمهم في الستينات أو السبعينات من العمر، وندرس أولئك الذين يتذكرون وكأنهم في العشرينات من عمرهم".
أظهرت الدراسات التصويرية أن أدمغة المعمرين الفائقين لديها خواص شبابية. حيث أنه في الوقت الذي تنكمش فيه القشرة الدماغية (وهي الطبقة الأكثر سطحية من الخلايا العصبية والأساسية في كثير من القدرات التفكيرية) وأجزاء أخرى من الدماغ مع التقدم بالعمر، فإن عدداً من هذه المناطق في أدمغة المعمرين الفائقين كانت مماثلةً في الحجم لتلك المُشاهدة عند البالغين الأصغر سناً.
تقول توروتوغلو: "لقد درسنا مجموعةً من المناطق الدماغية المعروفة بـ (شبكة النمط المُفتَرَض) والتي تم ربطها بالقدرة على تعلم وتذكّر معلومات جديدة، ووجدنا أن هذه المناطق -وخاصة الحصين والقشر الدماغي مُقَدَّمُ الجَبْهِيّ الإنسي- كانت أثخن عند المعمرين الفائقين مما هي عليه عند بقية كبار السن، في بعض الحالات لم يكن هناك اختلاف في الثخانة بين المعمرين الفائقين والبالغين الصغار".
أضاف باريت وهو أيضاً أستاذ بارز في جامعة نورث إيسترن: "لقد درسنا أيضاً مجموعة من المناطق تُعرَف بـ (شبكة البروز أو النتوء) والتي لها دور بتحديد المعلومات المهمة والتي تحتاج إلى انتباه في بعض المواقف، ووجدنا أنه تمت المحافظة على الثخانة في عدة مناطق عند المعمرين الفائقين تتضمن الجزيرة الأمامية والقشرة الدماغية الحجاجية الجبهية".
وبشكل حاسم، لم يكشف الباحثون فقط أن المعمرين الفائقين لم يحدث لديهم انكماش بهذه الشبكات الدماغية، بل أيضاً أن حجم هذه المناطق ذو علاقة بالقدرات الخاصة بالذاكرة. ووُجد أكثر ارتباط ما بين حجم الدماغ والذاكرة في منطقة التقاطع ما بين شبكتي "منطقة البروز" و "النمط المُفتَرَض". وقد أظهر بحث سابق أن هذه المنطقة -المجاورة لمنتصف القشر الدماغي الحزامي- هي محور هام يسمح لمختلف الشبكات أن تتواصل على نحوٍ كفوء.
قالت توروتوغلو: "نعتقد بأن هذا التواصل الفعّال بين هذه الشبكات مهمٌّ جداً لإدراك مُعافى مع التقدّم بالعمر".
قال ديكرسون إنَّ فهم العوامل التي تحمي ضد تراجع الذاكرة من الممكن أن يؤدي إلى تقدم مهم في علاج فقدان الذاكرة المرتبط بالعمر ومن الممكن حتى أن يفيد في أشكال مختلفة من العتاهة.
ويتابع: "نحن بحاجة للغاية أن نفهم كيف يمكن لبعض كبار السن أن يؤدوا وظائفهم بشكل جيد جداً في الستينات والسبعينات والثمانينات من عمرهم، هذا سيقدّم لنا مفاتيح مهمة لنفهم كيف نمنع التراجع بالذاكرة والتفكير الذي يُصاحُب التقدم بالعمر عند معظمنا".
الخلاصة
الأدمغة الشابّة عند كبار السن: المناطق التشريحية العصبية المحفوظة في شبكات النمط المُفتَرَض والبروز تُساهم بالذاكرة الشابّة عند التقدم الفائق بالعمر:
إن التراجع بالمهارات الإدراكية وخاصّة الذاكرة كثيراً ما يُعتبَر جزءاً من التقدم الطبيعي بالعمر، إلا أن هناك أفراد يتقدّمون بالعمر بشكلٍ أفضل من غيرهم. بالاعتماد على بحث سابق، فإن الثخانة في أحد أجزاء القشر الدماغي -وهو المجاور لمنتصف القشر الدماغي الحزامي- تتم المحافظة عليها عند كبار السن ذوي قدرات في الذاكرة مشابهة أو أفضل مما هي عليه عند أفراد أصغر بـ ٢٠-٣٠ عاماً (ويُدعى كبار السن هؤلاء بالمعمرين الفائقين).
لقد درسنا سلامة بنية شبكتين واسعتي النطاق وداخليتين في دماغ المعمرين الفائقين وهما شبكة النمط المُفتَرَض والتي تنشغل نموذجياً أثناء ترميز الذاكرة ومهام الاسترجاع، وشبكة البروز التي تنشغل نموذجياً أثناء الانتباه والتحفيز ومهام الأداء التنفيذية. ونعتقد أن الدماغ عند المعمرين الفائقين حافظ على ثخانة القشر الدماغي في عُقَدٍ حَرِجة في هذه الشبكات.
لقد حددنا المعمرين الفائقين البالغين من العمر٦٠-٨٠ عاماً بناءً على أدائهم مقارنةً ببالغين صغار أعمارهم بين ١٨-٣٢ عاماً وذلك من خلال اختبارات كاليفورنيا للتعلم الشفوي واختبار الاستدعاء الحرّ بعد تأخير طويل. لقد وجدنا بهذه الشبكات مناطق حيث القشر الدماغي للمعمرين الفائقين أثخن مما هو عند كبار السن النموذجيين. وعلى الرغم من كون أدمغة المعمرين الفائقين لا تختلف تشريحياً عن صغار البالغين، فقد تمت المحافظة على حجم الحصين عند المعمرين الفائقين.
وعند كل أفراد المجموعة من كبار السن، فإن ثخانة عدد من المناطق (بما فيها القشر الصدغي الأمامي والقشر المنقاري مُقدَّم الجبهي الإنسي والقشر الأمامي منتصف الحزامي) وحجم الحصين أيضاً ارتبط بأداء الذاكرة عندهم.
وهذه النتائج تقترح أن كبار السن ذوي قدرات الذاكرة الشابّة لديهم مناطق دماغية شابّة في العقد الحوفيّة وجانب الحوفيّة في شبكات النمط المُفتَرَض والبروز التي تدعم عمليات الانتباه والتنفيذ والعمليات التي تتعلق بالذاكرة وتعزز وظيفتها.
والمغزى: أداء الذاكرة يتراجع نموذجياً مع العمر، كما تتراجع سلامة بنى القشر الدماغي، ومع ذلك يحتفظ بعض كبار السن بذاكرة شابّة. لقد فحصنا فرضية أن المعمرين الفائقين (كبار السن ذوو الذاكرة ذات الأداء الشابّ) يبدون حفظاً للتشريح العصبي لشبكات الدماغ المفتاحية التي تدعم الذاكرة. وقد وجدنا أن المعمرين الفائقين لا يتشابهون مع صغار البالغين بالأداء في اختبار الذاكرة فقط بل أيضاً لا يظهرون الأنماط النموذجية من الضمور الدماغي في بعض المناطق. هذه المناطق مُتضَمَّنة بشكل واسع في شبكتين داخليتين كبيرتين في الدماغ هما: شبكة النمط المُفتَرَض المسؤولة عن ترميز وتخزين واسترجاع الذاكرة، وشبكة البروز المتعلقة بالانتباه والعمليات التنفيذية المرتبطة بالترميز والاسترجاع. والمحافظة على سلامة التشريح العصبي لهذه الشبكات مرتبط بأداء أفضل للذاكرة بين كبار السن.