المذنبات والمثلجات المقليّة

بينما كان علماء الفلك يتلاعبون بالجليد والمواد العضوية، تفاجئوا بما يمكن أن يكون سبب قشرة المذنبّات الصلبة.

باستخدام أداة تشبه صندوق الجليد، المسماة "هيمالايا"، استطاع باحثون إظهار تصلب حبات الجليد على سطح المذنب خلال اقترابه من الشمس وازدياد حرارة السطح. وبتشكل بلورات الماء-الجليد وتصلبها، وزيادة كثافتها وتنظمها، تُطرد المكونات الأخرى إلى سطح المذنب. النتيجة الأخيرة هي قشرة المذنب المفتتة مع الغبار العضوي علي سطحها.

يقول مورثي غوديباتي (Murthy Gudipati) من مختبر الدفع النفاث JPL في باسدينيا: "إن المذنب يشبه في تكوينه المثلجات المقليّة، القشرة مصنوعة من الجليد المتبلور، أما المكونات الداخلية فهي أكثر برودة ومسامية،والمواد العضوية على السطح هي كطبقة شوكولاتة نهائية على المثلجات."

المؤلف الرئيس للدراسة هو أنتي ليغنيل (Antti Lignell) باحث ما بعد الدكتوراه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسيدينا، وعمل سابقاً مع غوديباتي في مختبر الدفع النفاث.

يعرف الباحثون مسبقاً أن المذنبات تملك باطناً طرياً وقشرة خارجية صلبة، قامت كل من مهمة التأثير العميق (Deep Impact) من ناسا وروزيتا من وكالة الفضاء الأوربية بدراسة المذنب عن قرب، ووجدتا دليلاً على أنه يمتلك هياكل داخلية طرية ومسامية.

أكدت المركبة الهابطة "فيلي" في نوفمبر الماضي وجود السطح الصلب للمذنب 67 P وأن هذه القشرة مغطاة بمادة كالسناج الأسود، مكونة من جزيئات وغبار عضوي، وهذا ما وصلت إليه مهمة Deep Impact من قبل أيضاً. لكن التركيب الدقيق لقشرة المذنب، وكيفية تشكلها مازالا غير واضحين.

قام الباحثون في هذه الدراسة، بتصنيع نموذج في المختبر لقشرة المذنب البلورية، بدأت التجارب على جليد غير متبلور أو مسامي، كما في المذنبات والأقمار الجليدية الأكثر برودة. في هذا الوضع تكون جزيئات بخار الماء عبارة عن قطع متجمدة في درجات حرارة باردة 30 كلفن (-234 سيليسوس.(

تختلط جزيئات الماء مع الجزيئات الأخرى كالمواد العضوية، وتبقى مجمدة في تلك الحالة. الجليد غير المتبلور يشبه في تركبيه حلوى القطنية، خفيفة وزغبية وتحوي جيوب فراغية.
كل الجليد الموجود على الأرض يتواجد في حالته البلورية، لأن الوصول للشكل اللابلوري يتطلب درجات حرارة منخفضة جداً.

تمّ رفع درجة حرارة "هيمالايا" شيئاً فشيء لتسخين الجليد اللابلوري من 30 إلى 150 كيلفن (123- درجة مئوية) مقلدة بذلك الأثر الذي يتعرض له المذنب خلال اقترابه من الشمس. كان الجليد مختلطاً بمواد عضوية تدعى الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAH) الموجود في كل مكان في الفضاء العميق. النتائج كانت مفاجئة.

يقول ليغنيل: "التصقت جزيئات PAH مع بعضها ثم طُردت من الجليد المضيف خلال تبلوره. ربما تكون هذه أول مراقبة لتجمع المواد مع بعضها خلال مراحل تحول الجليد، وهذا مهم جداً فيما له علاقة بكيمياء وفيزياء الجليد."

عندما طُردت جزيئات PAH من الجليد، تمكنت جزيئات الماء من إيجاد المساحة الكافية للاتصال مع بعضها وتشكيل الجليد البلوري.

يقول غوديباتي: "وجدنا في المختبر قشرة المذنب البلورية مع مواد عضوية على السطح، هذه المواد تتوافق مع ملاحظاتنا في الفضاء، يمكن تشبيه الوضع بالمثلجات المشوية! لأن الجزء الداخلي من المذنب مازال بارداً بشدة ويحتوي جليداً لابلوري شديد المسامية."

إن تركيب المذنب هام جداً لفهم كيفية توصيله المياه والمواد العضوية إلى الأرض حديثة النشوء ذات الحرارة المرتفعة، تظهر نتائج جديدة من مهمة روزيتا أن الكويكبات هي التي حملت أول مكونات الحياة، لكن ما زال الجدل مستمراً في دور المذنبات في تلك البداية. بالنسبة لغوديباتي، فإن المذنبات هي كبسولات زمنية تتضمن دلائل مختلفة لاتعود لنشأة كوكبنا فحسب بل لكامل النظام الشمسي الخاص بنا.

ويضيف غوديباتي: "من الرائع التفكير بالقدر الكبير من الفهم الذي وصلنا إليه بالنسبة للمذنبات، المهام المقبلة ستعمل على إحضار عينات باردة من المذنبات إلى الأرض كي نفحصها بعمق ونكتشف جميع أسرارها."

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات