البحث عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة صار أكثر إثارة

لقد اقتربنا خطوة كبرى إلى اقتفاء أثر ما تخفيه العناقيد المجرية مثل Abell 2218. 


حقوق الصورة: وكالة ناسا/ وكالة الفضاء الأوروبية -ويكيبيديا.


تشكل المادة العادية مثل البروتونات والإلكترونات حوالي 5٪ من الكون فقط، بينما تمتلئ بقيته بمواد غامضة تعرف باسم المادة المظلمة (dark matter) والطاقة المظلمة (dark energy). وعلى الرغم من مُضي عقود في البحث فقد فشل العلماء حتى هذا الوقت في الكشف عن هذه المواد بعيدة المنال. أما الآن، فهناك دراستان ربما تمكننا من تغيير مسار الأحداث، حيث أنهما ضيقتا نطاق البحث إلى حد كبير.

لقد اقتُرحت المادة المظلمة لأول مرة منذ أكثر من 70 عاماً، وذلك لتفسير السبب في أن جاذبية العناقيد المجرية كانت أشد قوة مما كان متوقعاً. إذ لو أن هذه العناقيد احتوت النجوم والغازات التي نستطيع رصدها فقط فلابد أن تكون جاذبيتها أكثر ضعفاً، الأمر الذي أدى بالعلماء لافتراض وجود نوع من المادة الخفية التي لا نستطيع رؤيتها هناك. حيث أن مثل هذه المادة المظلمة ستوفر كتلة إضافية لهذه البُنى الضخمة، مما سيزيد من قوة جاذبيتها. والمنافس الرئيسي لهذه المادة هو نوع من الجزيئات الافتراضية يعرف بـ "الجزيئات الهائلة ضعيفة التفاعل" (weakly interacting massive particle) أو اختصاراً (WIMP). 

يبحث علماء الفيزياء عن أدلة على تفاعلات المادة المظلمة التي تتخطى الجاذبية وذلك لفحص طبيعتها. وإذا ما صحت فرضية الجزيئات الهائلة ضعيفة التفاعل فسيكون بالوسع الكشف عن جسيمات المادة المظلمة من خلال ما ينتشر عنها من الأنوية الذرية أو الإلكترونات على كوكب الأرض. وفي مثل تجارب الكشف "المباشرة" هذه، سيتسبب تصادم الجزيئات الهائلة ضعيفة التفاعل في ارتداد هذه الجزيئات المشحونة، لينتج عنها الضوء الذي نستطيع رصده.

واحدة من تجارب الكشف المباشر الرئيسية العاملة اليوم هي تجربة "زينون 100" (XENON100)، التي أعلنت لتوها أحدث ما توصلت إليه من نتائج. يقع الكاشف في أعماق الأرض وذلك للحد من تشويش الأشعة الكونية، في مختبر جبل غران ساسو وسط إيطاليا. وهو يتألف من حاوية بحمولة 165 كجم من الزينون السائل، والمنقّى للغاية للحد من التلوث. وأُحيطت مادة الكاشف بمصفوفة من "أنابيب التضخيم الضوئي" (photomultiplier tubes) أو اختصاراً (PMTs)، لالتقاط الضوء من التفاعلات المحتملة للجزيئات الهائلة ضعيفة التفاعل.

حجرة تفريغ مقياس التداخل الذري. مصدر الصورة: هولجر مولر Holger Muller photo. CC BY.
حجرة تفريغ مقياس التداخل الذري. مصدر الصورة: هولجر مولر Holger Muller photo. CC BY.


لقد بين تقرير زينون 100 الجديد عدم العثور على أي دليل على انتشار الإلكترونات من الجزيئات الهائلة ضعيفة التفاعل. وعلى الرغم من أن هذه نتيجة سلبية، إلا أنها تستبعد كثيراً مما يسمى النماذج "اللبتوفيلية" (leptophilic)، التي تتنبأ بالتفاعلات المتكررة بين المادة المظلمة والإلكترونات.

لكن النتيجة الأكثر أهمية في تحليل زينون 100، هي ما يتعلق بالادعاء المثير للجدل عن الكشف عن المادة المظلمة من قبل الباحثين في تجربة (DAMA/LIBRA) في إيطاليا، والذي يتعارض مع كثير من النتائج التي توصلت لها أجهزة الكشف الأخرى مثل "باحث المادة المظلمة شديد البرودة" (the Cryogenic Dark Matter Search). لقد اقتُرحت ليبتوفيلات المادة المظلمة كتفسير قابل للتطبيق لهذا التعارض، حيث أن استثناءات التجارب الأخرى لن تنطبق مباشرة. ولكن نتائج زينون 100 الجديدة أبطلت هذا الاحتمال.


مطاردة الحرابي


في غضون ذلك، تفسر الطاقة المظلمة رصدنا لتوسع الكون بوتيرة متسارعة. وخلافاً للمادة الطبيعية، فإن الطاقة المظلمة ذات ضغط سلبي يسمح للجاذبية بأن تصبح تنافرية، فتدفع المجرات عن بعضها البعض. وأحد مرشحي الطاقة المظلمة الواعدين هو ما يسمى "حقل الحرباء (الكاميلون)" (chameleon field). 

إننا نتوقع أن نرى في كثير من نماذج الطاقة المظلمة آثاراً معتبرة على كل من المقياسين المخبري والكوني. إلا أن الميزة الجذابة في حقل الحرباء، هي أن أثره يعتمد على البيئة. إذ أن كثافة المادة على المقاييس الصغيرة عالية، كما هو الحال على كوكب الأرض، والحقل "يُفرَز" بفعالية، مما يسمح بأن تفلت جسيمات الحرباء من كاشفنا. ولكن كثافة المادة في فراغ الفضاء ضئيلة ويمكن للحقل أن يَدفعَ بالتسارع الكوني.

حتى الآن، لم تستخدم التجارب إلا كواشفَ كبيرة نسبياً، وفشلت هذه الكواشف في رصد جسيمات الحرباء لأن كثافة المادة مرتفعة جداً. ومع ذلك، فقد اقتُرح مؤخراً أنه من الممكن استخدام "مقياس التداخل الذري" (atom interferometer)، الذي يعمل على المقاييس المجهرية، في البحث عن جسيمات الحرباء. ويتكون هذا المقياس من حجرة تفريغ فائق تحتوي على ذرات فردية وتحاكي ظروف الكثافة المنخفضة للفراغ، وذلك لتخفيض الفرز.

في التقرير الثاني، طبق الباحثون هذه الفكرة للمرة الأولى. تعمل تجربتهم عن طريق إسقاط ذرات السيزيوم فوق كُرية الألومونيوم. ومن ثم، وباستخدام ليزرات حساسة، يمكن للباحثين قياس القوى على الذرات في أثناء سقوطها الحر. وقد كانت النتائج متسقة تماماً مع الجاذبية فقط وبلا قوة ناتجة بواسطة جسيمات الحرباء. وهذا يدل على أنه في حال وجدت جسيمات الحرباء، فلابد وأن تتفاعل بضعف أكبر مما ظننا سابقاً -الأمر الذي يضيق نطاق البحث عن هذه الجسيمات ألف مرة بالمقارنة مع الدراسات السابقة. ويأمل الفريق في أن تقنيتهم المبتكرة هذه سوف تساعدهم على اصطياد جسيمات الحرباء، أو غيرها من جسيمات الطاقة المظلمة، في تجربة مستقبلية.

لقد بينت كلتا الدراستين كيف يمكن أن تجيب التجارب المخبرية عن الأسئلة الجوهرية حول طبيعة الكون. ولكن الأهم هو أنهما تثيران الأمل بأننا سوف نتمكن يوماً ما من اقتفاء أثر هذه المواد المثيرة التي تشكل نسبة 95% من كوننا.

مصطلحات:


  • XENON100: هي تجربة بحثية جديدة في المادة المظلمة تسعى لزيادة الكتلة الإسنادية المستهدفة لمائع الزينون إلى 100 كيلو غرام، مع تخفيض معدل الخلفية 100 مرة، بالمقارنة مع تجربة XENON10 
  • lipophilic: هو شكل افتراضي من المادة المظلمة لا يتفاعل إلا مع اللبتونات
  • Leptons: هي جسيمات أولية، مثل الالكترونات، ذات ½ سبين، ولا تتعرض لتفاعلات قوية، لكنها تخضع لقانون باولي للاستبعاد 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات