الجانب المُظلم لجوائز نوبل

يمثل هذا التمثال مؤسس الجائزة السويدي ألفرد نوبل Alfred Nobel ويوجد التمثال في قاعة ستوكهولم للحفلات في مدينة ستوكهولم.

 

طالما كانت جائزة نوبل قيمة عظيمة لمكانتها العلمية والإنسانية، وكانت بمثابة منبع للبحوث الرائدة التي أفادت البشرية في القرن الماضي، لكن إن بحثنا في تاريخ جوائز نوبل فسنجد بعض الاختراعات اللا إنسانية سبق وأن كُرِّمت بالفعل مثل الأسلحة الكيميائية، ومركب دي دي تي [1](DDT) ، وعملية فصل فص المخ الجبهي [2](lobotomy)


وهذا يدفعنا لطرح سؤال مهم: هل ساهمت هذه الاختراعات في تطوير البشرية أم تدميرها ؟

نوبل والغازات السامة


على مرّ الزمان، اندلعت العديد من الخلافات على جوائز نوبل، حول المؤلفين الذين تم تجاهلهم، والعلماء الذين زعموا أن اكتشافهم جاء أولاً قبل غيرهم، إلى جانب جوائز السلام التي أحدثت انقساماً في الرأي العام.


ولكن بعض الجوائز بدت بعد فوات الأوان أنها كانت اختيارات محرجة، على سبيل المثال جائزة الحرب التي مُنحت عام 1918 في مجال الكيمياء، ولتعويض ما حصل مُنحت جائزة نوبل للسلام عام 2013 لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للكيميائي فرزت هابر Frizt Huber. كان هابر قد كُرِّم بجائزة الكيمياء لعمله على تخليق مركّب الأمونيا بالمختبر والذي أدى لتطوير الأسمدة المستخدمة في إنتاج الغذاء. ولكن هابر المعروف باسم "والد الحرب الكيميائية" طوّر أيضا الغازات السامة التي استُخدمت في حرب الخنادق خلال الحرب العالمية الأولى في معركة إيبر ypers.

 

وقد صرح الكيميائي السويدي إنغر إنجماسون Inger Ingmason - الذي ألّف كتاباً عن جائزة هابر لوكالة فرانس برس- حول هذا الموضوع قائلا: "بعد هزيمة ألمانيا في الحرب لم يكن يتوقع هابر أن يفوز بالجائزة بل كان أكثر خوفا من أن يُحاكم عسكرياً". وبقيت جائزة هابر واحدة من جوائز نوبل الأكثر إثارة للجدل، حيث كان على لجنة التحكيم أن تكون على علم بدور هابر في تطوير غاز الكلور (إحدى الغازات السامة)[3]، والذي استُخدم في حرب الخنادق، بالطبع مع عدم نسيان أنه جلب الأسمدة الثورية للعالم.


ولم يكن هابر منفرداً من فاز بجائزة نوبل عن تطوير الغازات السامة، فقد كُرِّم لهذا أيضاً الكيميائي الفرنسي فيكتور غرينارد Victor Grignard ولكن حدث هذا قبل عام 1912 أي قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وقبل استخدامها في الحروب.

توقيت غريب


شجع الجدل الذي حدث عام 1918 لجنة تحكيم ستوكهولم  Stockholm jury على التفكير ملياً حول الفائزين الذين تم اختيارهم بعد الصراع ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني 1945، وبعد ثلاثة أشهر فقط من سقوط القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي، كرمت لجنة تحكيم جائزة نوبل للكيمياء اكتشاف "الانشطار النووي" وكان الفائز أيضاً ألماني الجنسية مثل هابر وهو العالم أوتو هان Otto Hahn، الذي كان اكتشافه عام 1938 بالغ الأهمية في تطوير قنابل ذرية.

 

تُظهر هذه الصورة ميدالية جائزة نوبل لعام 1962 والتي مُنحت للدكتور فرانسيس كريك Francis Crick لاكتشافه تركيب الحمض النووي.
تُظهر هذه الصورة ميدالية جائزة نوبل لعام 1962 والتي مُنحت للدكتور فرانسيس كريك Francis Crick لاكتشافه تركيب الحمض النووي.


و إحقاقاً للحق، لم يسبق لهان أن عمل على تطبيق اكتشافه عسكريا، بل وإنه عند سقوط القنبلة الذرية كان أسير حرب في إنجلترا، وأخبر زملاءه من الأسرى: "أنا ممتنّ كوننا في ألمانيا لم ننجح في بناء القنبلة".

كان اختيار الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم العالم هان محيِّراً جداً خصوصاً بعد الدمار الذي أحدثته القنابل، وتكشف محفوظات جائزة نوبل أنَّ الأكاديمية كانت تريد تكريم هان بالفعل في عام 1940. ومن العام 1944 كان يُعتبر هان من قِبل أقرانه بأنَّه "الفائز السريّ بجائزة نوبل" وما هي إلَّا مسألة وقتٍ حتى تنتهي الحرب ويحصل على جائزته.

 

التُقطت هذه الصورة في الثالث من مارس/آذار عام 1959 لعالم الكيمياء والفيزياء الألماني أوتو هان Otto Hahn، ويرتدي فيها سلسلة رئيس جمعية ماكس بلانك Max-Planck-Society فى عيد ميلاده الثمانون.
التُقطت هذه الصورة في الثالث من مارس/آذار عام 1959 لعالم الكيمياء والفيزياء الألماني أوتو هان Otto Hahn، ويرتدي فيها سلسلة رئيس جمعية ماكس بلانك Max-Planck-Society فى عيد ميلاده الثمانون.

 

ووفقاً لمقالة نُشرت عام 1995 في مجلة نيتشر العلمية  Scientific Journal Nature  فإن ترشيح هان كان مدعوماً من قبل الأكاديميين الذين رأوا أنَّه المرشح الوحيد المستحق لجائزة نوبل للكيمياء آنذاك بغض النظر عن الاعتبارات السياسية لأنها جائزة علمية، أما بقية الأعضاء من لجنة التحكيم فكانوا يودّون الانتظار لمعرفة المزيد عن الأبحاث الأمريكية السرّية على القنبلة إلَّا أنهم كانوا أقلية، لذا وفي نهاية المطاف فاز هان بالجائزة عام 1944 على الرغم من أنه حصل عليها فعلياً بعد انتهاء الحرب في العام 1945.


نوبل والطب 


كان اكتشاف هان على هذا النحو غير مثير للجدل حتى تمَّ تطبيقه في وقت لاحق، ولكن لا يمكن أن يقال الأمر ذاته بخصوص بعض البحوث الأخرى، على سبيل المثال طبيب الأعصاب البرتغالي إيجاس مونيز Egas Moniz، والذي فاز بجائزة نوبل في الطّب عام 1949 "لاكتشافه القيمة العلاجية لعملية فصل فص المخ الجبهي في بعض حالات الأمراض النفسية"، ومن المعروف اليوم أنَّ إجراء جراحة في المخ مثل هذه عملية تُستخدم فقط لحالات نادرة.

 

تُعبّر هذه الصورة عن بائع مواشي مسلم يغطي وجهه بسبب رش عمال مؤسسة البلدية الهندية لمادة دي دي تي لمنع انتشار حمى الضنك وفيروسات داء شيكونغونيا التي تنتقل عن طريق البعوض.
تُعبّر هذه الصورة عن بائع مواشي مسلم يغطي وجهه بسبب رش عمال مؤسسة البلدية الهندية لمادة دي دي تي لمنع انتشار حمى الضنك وفيروسات داء شيكونغونيا التي تنتقل عن طريق البعوض.

 

ويشير الموقع الإلكتروني لمؤسسة نوبل إلى أنَّ الجراحة كانت "مثيرة للجدل". كتب بينغت جانسون Bengt Jansson، وهو طبيب نفسي وعضو سابق في لجنة اختيار جائزة الطب، معلِّقاً على الموضوع: "لا أرى أي سبب يدعو للسخط على ما تمَّ فعله في أربعينيات القرن الماضي لأنَّه في ذلك الوقت لم تكن هناك بدائل أخرى!". والجدير بالذكر أنه تمَّ تطوير علاجات كيميائية لمثل هذه الأمراض النفسية في وقت لاحق.

 

وقبل مونيز بعام واحد منحت لجنة التحكيم جائزة نوبل في الطب للعالم السويسري بول مولرPaul Mueller لاكتشافه أنَّ مادة دي دي تي  (DDT) يمكن أن تُستخدم لقتل الحشرات التي تنقل الملاريا، ولكن تمَّ حظرها في وقت لاحق في جميع أنحاء العالم بعد أن تبيَّن أنَّها تشكل خطراً على البشر والحياة البرية، وعلى الرغم من ذلك لعبت المبيدات دوراً هاماً في منح جائزة نوبل أخرى. ففي عام 1970، وكخاتمة مضيئة لهذا الجانب المظلم، فاز الأحيائي الأمريكي نورمان بورلوغ Norman Borlaug بجائزة نوبل للسلام لإدخاله تقنيات الإنتاج الزراعي الحديثة إلى المكسيك وباكستان والهند، بما في ذلك التهجين الوراثي، ليشهد العالم ثورة علمية قوية في مجال الزراعة بعد ذلك.

 

ملاحظات:


[1] مركب دي دي تي DDT
[2] عملية فصل فص المخ الجبهي Lobotomy
[3] الغازات السامة (غاز الكلور) chlorine gas

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات