الاختلاف في ردة فعل الأطفال المكتئبين للهدايا عن الأطفال الآخرين

لا يستجيب البالغون والمراهقون الذين يعانون من الاكتئاب للمكافآت بطريقة طبيعية. وعلى الرغم من القدرة على تشخيص الاكتئاب عند الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الثالثة، إلّا أنه لم يكن من الواضح ما إن كانت ردود أفعالهم تجاه تلقي المكافآت قد تلاشت كما عند البالغين المكتئبين.

 

ولذلك، أجرى الباحثون دراسة على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسابعة، ووجدوا أن أدمغة الأطفال المكتئبين مثل أدمغة الكبار المكتئبين فهي أقل عرضة للاستجابة للمكافآت. ويقول الباحثون إن عدم الاكتراث لتلقي المكافآت قد يكون بمثابة "راية حمراء" لعلاج الاكتئاب عند الأطفال الصغار.

 

بالنسبة للعديد من الأطفال، فإنه غالباً ما يرتبط شهر كانون الأول بالهدايا والحماس، ولكن عندما لا يبدو طفل صغير متلهفًا جدًّا لتلقي الهدايا، فإن ذلك قد يكون علامة وجود خلل ما. وجد الباحثون في كلية الطب في جامعة واشنطن في سانت لويس وبواسطة قياس موجات الدماغ ،أنّ الأطفال الذين يظهر عليهم الاكتئاب سريريًّا لا يبدون ردة الفعل للمكافآت بنفس الطريقة التي يبديها الأطفال الآخرون.

 

أجرت نفس المجموعة من العلماء المزيد من الأبحاث، ووجدوا أن انخفاض القدرة على الشعور بالفرح هو علامةٌ رئيسةٌ للاكتئاب عند الأطفال الصغار . ويمكن أن تساعد النتائج في هذه الدراسة الجديدة في تفسير الأسس البيولوجية للاكتشاف الحديث.

يقول جوان لوبي Joan L. Luby أحد كبار الباحثين، والحاصل على دكتوراه، ومدير برنامج التطوير العاطفي المبكر في جامعة واشنطن Washington University's Early Emotional Development Program: "قد تبيّن هذه النتائج لنا كيف يعالج الدماغ العواطف عند الأطفال الصغار الذين يعانون من الاكتئاب. تحفزنا السعادة التي نستمدها من الجوائز -كلعب الأطفال و الهدايا- لتحقيق مزيدٍ من النجاح والسعي وراء المكافآت. إلّا أن تثبُّط هذه العملية في وقتٍ باكر من تطوّر شخصية الإنسان هو مصدر للقلق والخطر لأنه قد ينطوي على كيفية استجابة الشخص للمهام المجزية في وقتٍ لاحق من حياته".

نشرت نتائج هذه الدراسة الجديدة في دورية Journal of the American Academy of Child & Adolescent Psychiatry الصادرة في كانون الأول 2016.


يقول أندرو بيلدن Andrew C. Belden أحد الكتّاب المهمين في هذه الدراسة، والحاصل على دكتوراه، والأستاذ المساعد في قسم الطب النفسي للأطفال: "تُلاحظ ردة الفعل الواهنة تجاه المكافأة بشكل متكرر في أدمغة المراهقين و البالغين الذين يعانون من الاكتئاب. وفي هذه الدراسة، كنا مهتمين بمعرفة ما إذا كانت ردة الفعل هذه تجاه المكافآت موجودةً كذلك لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، وفي الواقع، أظهرت أدمغة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الرابعة ردات فعلٍ مشابهة جدًّا للبالغين، وهذا يتفق مع النتائج الأخرى في أنّ العديد من الجوانب السلوكية العصبية للاكتئاب تبقى نفسها في مختلف مراحل العمر".

 

أجريت الدراسة التي شملت 84 طفلًا كجزءٍ من دراسة أكبر للاكتئاب عند الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين الثالثة والسابعة.

 

والباحثون الرئيسون لهذه الدراسة الكبيرة -التي شملت مسحًا للدماغ بغية الوظيفة والعلاج- هم لوبي وديانا بارك Deanna M. Barch، الحاصلة على دكتوراه، و رئيسة قسم جامعة واشنطن للعلوم النفسية والدماغ في الفنون والعلوم Washington University's Department of Psychological & Brain Sciences in Arts & Sciences وغريغوري كوتش Gregory B. Couch أستاذ في الطب النفسي في كلية الطب.

ارتدى الأطفال الجهاز الذي يشبه قبعة الحمام وتم توصيله بأسلاك لقياس النشاط الكهربائي في الدماغ باستخدام جهاز تخطيط الدماغ (EEG). ثم لَعِب الأطفال لعبة على الكمبيوتر تتضمن الاختيار بين اثنين من الأبواب التي تظهر على الشاشة. يكسب الطفل نقاطًا في حال اختار بابًا معينًا ويخسر نقاطًا في حال اختار الباب الآخر.

 

طفل يرتدي الجهاز الذي يقيس النشاط الكهربائي في الدماغ وهو يختار أَحَدَ بابين على شاشة الكمبيوتر. في حال اختار أحد البابين يفوز بنقطة في حين أن اختياره للباب الأخر ينتج عنه فقدانه للنقاط. وقد وجد الباحثون في جامعة واشنطن أن أدمغة الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب لا تتفاعل بالقوة نفسها التي عند الأطفال السليمين للنجاح في هذه اللعبة. حيث إن ردات فعلهم الضعيفة تجاه تلقي المكافأة هي علامة سريرية تدل على الاكتئاب. تعود حقوق الصورة إلى: روبرت بوسطنRobert Boston
طفل يرتدي الجهاز الذي يقيس النشاط الكهربائي في الدماغ وهو يختار أَحَدَ بابين على شاشة الكمبيوتر. في حال اختار أحد البابين يفوز بنقطة في حين أن اختياره للباب الأخر ينتج عنه فقدانه للنقاط. وقد وجد الباحثون في جامعة واشنطن أن أدمغة الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب لا تتفاعل بالقوة نفسها التي عند الأطفال السليمين للنجاح في هذه اللعبة. حيث إن ردات فعلهم الضعيفة تجاه تلقي المكافأة هي علامة سريرية تدل على الاكتئاب. تعود حقوق الصورة إلى: روبرت بوسطنRobert Boston

 

وقد اختبر الباحثون هذه الفكرة سابقًا لدى البالغين والمراهقين من خلال إعطائهم نقودًا في حال فوزهم. ولكن في هذه الدراسة الأطفال الصغار الذين اختاروا الباب الصحيح عدة مرات ربحوا جائزة كانوا هم قد اختاروها بأنفسهم من ضمن سلة فيها شخصيات كرتونية وكرات ومواد من المخمل عُرضت لهم قبل بدء جلسة اللعب على الكومبيوتر.

 

استجابت أدمغة الأطفال المكتئبين سريريًّا بمثل استجابة الأطفال الذين لا يعانون من الاكتئاب عند فقدان النقاط، لكن كانت استجابتهم لاختيار الباب الصحيح ضعيفة.

 

يقول بلدن: "أظهرت النتائج على EEG أن أدمغتهم لم تتفاعل بنفس القوة للحدث الممتع عند اختيار الباب الصحيح على الشاشة. ومع ذلك فلم تبالغ أدمغتهم في ردة فعلها تجاه اختيار الخيار الخاطئ. بل كانت ردة فعل أدمغة الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب والسليمون منه متشابهة تجاه اختيار الخيار الخاطئ. حيث كانت الفروق بين المجموعتين خاصّة بردة الفعل تجاه المكافأة فقط".

 

يستهدف لوبي و بلدن مستقبلًا معرفةَ ما إذا كانت ردة الفعل الضعيفة تجاه المكافأة قد تتغير بعد تطبيق العلاج.

 

يقول لوبي، وصموئيل the Samuel وماي لودفيغ Mae S. Ludwig الأستاذة في قسم الطب النفسي للأطفال: "قد تعود ردة الفعل تجاه المكافأة طبيعيةً بعد العلاج وقد لا تعود، لكننا نؤمن بأنها ستتحسن".

 

يقول لوبي و بلدن أنّه عندما لا يبدو طفل صغير ولوعًا بالمكافآت التي يتلقاها كلُعب الأطفال والهدايا، فقد يكون ذلك علامة على أن الطفل يعاني من الاكتئاب أو أنه معرّض لحدوث الاكتئاب له. لذلك فإنّ استمرار هذه الحالة، يستدعي استشارة أهل الطفل لطبيب الأطفال.

 

يوضّح لوبي: "توجد عوامل خطر واضحة، فانخفاض القدرة على الاستمتاع بالأنشطة واللعب هو علامة مفتاحية. الأطفال الذين يشعرون بالذنب بشكل مفرط إن اقترفوا عملًا خاطئًا، والذين يعانون من تغيراتٍ في عادات النوم والشهية قد يكونون معرضين أيضًا للخطر. إن كان هؤلاء الأطفال في حالة كآبة مستمرة، وتعكّر بالمزاج أو قلّة بالنشاط، فتلك علاماتٌ قد تشير إلى وجود اكتئاب، ولو كان عمر الطفل لا يتجاوز الثالثة أو الرابعة، وهؤلاء الأطفال هم من نُوصي أهاليهم بإخضاعهم إلى تقييم لحالتهم النفسية".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات