اكتئاب الأمومة خلال السنوات الأولى من الحياة وتأثيره على تعاطف الأطفال

يزيد تعرض الأمهات لاكتئاب الأمومة المبكرة والمزمنة من استعدادية الطفل للإصابة بالأمراض النفسية والمشاكل الاجتماعية والعاطفية، بما في ذلك الانطواء الاجتماعي، والتحكم الضعيف بالعواطف، وقلّة التعاطف مع الاخرين بشكل ملحوظ، وبما أن 15-18% من النساء في المجتمعات الصناعية، و30% من النساء في البلدان النامية يعانون من اكتئاب الأمومة maternal depression فإن فهم آثار اكتئاب الأمومة على نمو الأطفال يصير مطلبًا مهمًا من الناحية السريرية ومن ناحية الصحة العامة. وقد نشرت دراسة في عدد 2017 كانون الثاني/يناير من مجلة (the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry (JAACAP والتي تتبعت أطفالًا لأمهات مصابات بالاكتئاب منذ الولادة إلى ما قبل سن المراهقة، وفحصت أثر الاكتئاب على ردة فعل الأطفال العاطفية العصبية لحزن الآخرين.

بخلاف الدراسات السابقة (والتي درست تأثير اكتئاب الأمومة على استجابة الطفل المحدودة لآلام الاخرين)، فقد كانت هذه الدراسة الجديدة أولَ الدراسات التي بحثت هذا الموضوع في عينة طولانية لأزواج من الأمهات والأطفال منذ الولادة حتى عمر الحادية عشرة (والدراسة الطولانية هي الدراسة التي تتبع الأشخاص على فترة زمنية طويلة نسبيًا، بعكس دراسة المقطع المستعرض، والتي تدرس شريحة من المجتمع في فترة قصيرة ولا تتتبعهم لفترات طويلة).


استُخدِمت عينة النساء اللواتي اختارهن الباحثون بعناية بحيث لا يكون لديهن أية عوامل خطر أخرى، وبحيث فُحِصْنَ بشكل متكرر لتقييم مستوى الاكتئاب عندهن على مدى السنوات الأولى من حياة الطفل، وكان الهدف هو مقارنة أطفال الأمهات المصابات باكتئاب مزمن وأطفال الأمهات اللواتي لم تكن عندهم أي علة نفسية. وشارك في هذه الدراسة 27 طفلًا من أمهات يعانين من الاكتئاب، و45 طفلاً كمجموعة مقارنة حيث تمت زيارتهم في المنزل بعمر 9 شهور و 6 سنوات لفحص أنماط التفاعل بين الأم وطفلها، وطلب منهم الخضوع لجلسة تخطيط مغناطيسي للدماغ (MEG) في عمر 11 سنة بغية تقييم ردة فعلهم العصبية لآلام الاخرين.

قالت البروفيسورة روث فيلدمان Ruth Feldman مديرة مختبر علم الأعصاب الاجتماعي التنموي وعيادة إيرفينغ ب. هاريس Irving B. Harris للطفولة المبكرة التابعة للجالية في جامعة بارالان Bar-Ilan والمؤلفة الرئيسة لهذه الدراسة: "انذهلنا لرؤية أن اكتئاب الأمومة بحد ذاته مرتبط بتفاوتٍ في المعالجة العصبية لآلام الاخرين عند الأطفال بعمر 11 سنة، وجدنا أن ردة الفعل العصبية للألم عند أطفال أمهات المكتئبات كان يتوقف أسرع من أطفال مجموعة المقارنة، وذلك في منطقة متعلقة بالمعالجة الإدراكية الاجتماعية socio-cognitive processing. لذا يبدو أن أطفال الأمهات المكتئبات يحدون من العمليات المتعلقة بفهم الآخرين فيما يتعلق بالألم، وربما يكون ذلك بسبب صعوبة في تنظيم الاستثارة العالية المرتبطة بمراقبة حالات الضيق عند الآخرين".

ووجد الباحثون في هذا الصدد دوراً حاسماً لأنماط التفاعل بين الأم وطفلها؛ فعندما كانت التفاعلات أكثر تزامناً أي أكثر انسجاماً مع بعضها، وعندما كانت الأمهات أقل تدخلاً، أظهر الأطفال مستوى معالجة أعلى لفهم حالة الآخرين في هذه المنطقة الحساسة من الدماغ.

وأضافت البروفيسورة فيلدمان: "من المشجع أن نرى دور التفاعلات بين الأم وطفلها في النتائج التي توصلنا إليها، فنجد إظهار الأمهات المكتئبات تفاعلات أقل تزامناً وأكثر تدخلاً مع أطفالهم مراراً وتكراراً، لذا فقد يفسر هذا بعض الاختلافات الموجودة بين أطفال الأمهات المكتئبات ونظائرهم في مجموعة المقارنة في دراستنا. وإذا كان الأمر كذلك، فالنتائج التي توصلنا إليها تبرز نقطة بداية حيث يمكن للتدخلات العلاجية المستقبلية أن تركز اهتمامها للمساعدة في الحد من آثار اكتئاب الأمومة على النمو النفسي والاجتماعي للأطفال".

أجابت فيدلمان على سؤال الخطوات التي يجب اتخاذها في المرحلة التالية: "سيصبح السؤال الطبي الأساسي الآن: ما هي أكثر الاستراتيجيات فعالية لتحسين أنماط التفاعل بين الأم وطفلها للأمهات المكتئبات وذريتهم، وعلاوة على ذلك، إذا كنا قادرين على مساعدة أولئك الأمهات لتصبح أكثر انسجاماً وأقل تدخلاً هل سيكفي هذا لتمكين المرونة في الذرية (من حيث تفاعُلهم من الآخرين)؟ وبالإضافة إلى ذلك، هناك أسئلة علمية أخرى حول كيفية تؤثر أنماط رعاية الأمومة على نمو دماغ الطفل، وأجهزة الغدد الصماء، والسلوك، والعلاقات".

وتحقيقاً لهذا، تدرس فيدلمان وفريقها ارتباط اكتئاب الأمومة وتفاعل الأم وطفلها مع الهرمونات المتعلقة بالضغط النفسي لدى الأطفال (كالكورتيزول)، والتعاطف السلوكي، والهرمونات المتعلقة بتشكيل الروابط الاجتماعية (كالأوكسيتوسين)، وردّات فعلهم العصبية للإشارات المتعلقة بالعائلة. وتخطط فيدلمان لدراسة استراتيجيات التدخل العلاجي التي تركّز على نمط تفاعل الأم مع طفلها وتأمل أن تحسن الصحة النفسية والتكيف الاجتماعي عند أطفال الأمهات المصابات بالاكتئاب في حال نجاح هذه الاستراتيجيات، وفِي الختام قالت: "أليس بالأمر المبشر والمثير للاهتمام أن يكون التدخّل العلاجي المتركز على التفاعلات المتزامنة بين الأم وطفلها قادرًا على التخفيف أيضاً من انتشار الأمراض النفسية في أطفال الأمهات المكتئبات؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات