كاشف إلكترونات يُمكن وضعه فوق طاولة!
تحتاج الكواشف الحديثة التي بإمكانها النظر إلى الإلكترونات المفردة إلى أماكن كبيرة جداً، وغالباً ما تعاني الشاحنات أثناء نقلها من أماكن التصنيع إلى أماكن العمل، وبالكاد تتسع شوارع المدن لها. وفي هذا الإطار، يُعدّ الكاشف الجديد إنجازاً هائلاً، إذ يُمكن وضعه فوق طاولة مكتب، ويُمكنه إنجاز عمل الكواشف العملاقة، كما أنه سيساهم في التغلب على مشكلة طالما أرّقت الفيزيائيين، ألا وهي قياس كتلة النيوترينو.
طوّر علماء فيزياء من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) كاشف جسيمات جديد يُمكن وضعه على طاولة، وبإمكانه تحديد الإلكترونات المفردة الموجودة في غاز نشط إشعاعياً.
أثناء تفكك الغاز وإصداره للإلكترونات، يستخدم الكاشف مغناطيساً لاحتجازها داخل قارورة مغناطيسية (Magnetic bottle)، وبعد ذلك يلتقط هوائي راديوي الإشارات الضعيفة جداً والصادرة عن الإلكترونات، والتي يُمكن استخدامها في وضع خريطة للنشاط الإلكتروني على طول أجزاء قليلة من الثانية.
عمل الفريق مع باحثين من كلٍ من المختبر الوطني الشمالي الغربي الموجود في جامعة واشنطن، وجامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا (UCSB)، وأماكن أخرى لتسجيل نشاط أكثر من 100 ألف إلكترون مفرد موجود في غاز الكريبتون (Krypton gas).
تصرفت معظم الإلكترونات التي تمَّ رصدها وفقاً لنمطٍ مميز. فأثناء تفككه، يُصدر غاز الكريبتون إلكترونات تهتزّ عند ترددات أساسية قبل أن تتلاشى، ويصل هذا التردد إلى أعلى قيمه من جديد عندما يصد الإلكترون ذرة موجودة في الغاز النشط إشعاعياً. ومع ارتداد الإلكترون على بضعة ذرات موجودة في الكاشف، تقفز طاقته وفقاً لأنماط متعددة الخطوات.
يقول جوي فورماغيو (Joe Formaggio)، وهو أستاذ مساعد في الفيزياء في MIT: "يُمكننا حرفياً تصوير تردد الإلكترون، ونستطيع رؤية هذا الإلكترون أثناء ظهوره بشكلٍ مفاجئ داخل الهوائي الراديوي الخاص بنا. مع مرور الوقت، يتغير التردد، وفي الواقع يبدأ بإصدار نغمات، ولذلك، تُغرد هذه الإلكترونات داخل الأمواج الراديوية".
يقول فورماغيو أن نتائج المجموعة، المنشورة في مجلة Physical Review Letters، تُمثل خطوة كبيرة جداً نحو تحقيق هدف آخر وأكثر مراوغةً، وهو قياس كتلة النيوترينو (Neutrino).
- الجسيم الشبحي
تُعد النيوترينوهات واحدةً من بين أكثر الجسيمات العنصرية غموضاً في الكون، إذ تعبر المليارات منها داخل خلايا أجسامنا في الثانية الواحدة، ورغم ذلك، فإنه من الصعب جداً اكتشاف هذه الجسيمات الشبحية، لأنّها لا تُبدي أي تفاعلات مع المادة العادية (Ordinary matter).
وضع العلماء مجموعة من القيود النظرية على كتلة النيوترينو، لكن لم يستطع الباحثون إلى الآن اكتشافها. ويقول فورماغيو: "لدينا كتلة تمَّ حشرها في منطقة محددة، لكننا لم نستطع قياسها حتى الآن. اسم اللعبة هو قياس طاقة الإلكترون، وهي الإشارة التي ستُخبرك الكثير عن النيوترينو".
ووفقاً لفورماغيو، عندما تتفكك ذرّة كذرّة التريتيوم (Tritium)، فإنها تتحول إلى نظير الهليوم. حيث في هذه العملية، تُطلق إلكتروناً ونيوترينو، تُضاف كل طاقة الجسيمات الصادرة إلى الطاقة الأصلية للنيوترون الأساسي، وبقياس طاقة الإلكترون، نستطيع الإضاءة على طاقة النيوترينو، وبالتالي معرفة كتلته.
يوافق العلماء على أنّ التريتيوم -أحد النظائر المشعة للهيدروجين- أساسي في الحصول على قياس دقيق، فأثناء تفكك الغاز والتريتيوم عند معدلات كتلك، يُمكن للعلماء رصد الإلكترونات الناتجة بسهولة.
يأمل باحثون من كارلسوه-ألمانيا قياس الإلكترونات الموجودة في التريتيوم عبر استخدام مطياف ضخم كجزء من تجربة تُعرف بكاترين (KATRIN)، وهي اختصار لتجربة نيوترينو التريتيوم في كارلسوه. حيث تمرّ الإلكترونات الناتجة عن تفكك التريتيوم، داخل المطياف، الذي يقوم بترشيحها وفقاً لسويّاتها الطاقية. قد تساعد هذه التجربة، التي لازالت في طريقها لرؤية النور، في الحصول على قياسات لإلكترونات مفردة، لكن بطريقة مكلفة.
يقول دانيال فورس (Daniel Furse)، خريج فيزياء، والمؤلف المشارك في الورقة العلمية: "في كاترين، تُكتشف الإلكترونات باستخدام كاشف سيليكوني، مما يعني أنها تتصادم مع بلورة، وتحصل الكثير من الأمور العشوائية التي تُدمر الإلكترونات بشكلٍ أساسي. لا زلنا نُريد قياس طاقة الإلكترونات، لكننا نرغب بفعل ذلك بطريقة غير مدمرة".
تتمتع طريقة المجموعة بميزة إضافية: الحجم. إذ يُمكن وضع الكاشف فوق طاولة، والمنطقة التي يتم اكتشاف الإلكترونات داخلها أصغر من طابعٍ بريدي. وبالمقابل، بالكاد يُمكن تمرير مطياف كاترين، عندما يصل إلى كارلسوه، في أحد شوارع المدينة.
- الضبط
يعتمد كاشف فورماغيو فورس -وهي تجربة تُعرف بالمشروع 8- على ظاهرة عمرها عقود، وهي الإشعاع السايكلتروني (Cyclotron radiation)، الذي تقوم فيه الجسيمات المشحونة مثل الإلكترونات بإصدار أمواج راديوية داخل حقل مغناطيسي. وتبين أن الإلكترونات تُصدر هذا الإشعاع عند تردد مشابه للتردد المستخدم في الاتصالات العسكرية الراديوية، يقول فورماغيو: "إنه نفس التردد المستخدم في الجيش -26 غيغا هرتز، وتبين أن التردد الأساسي يتغير بشكلٍ قليل إذا ما امتلك الإلكترون طاقة معينة. ولذلك قلنا: لماذا لا ننظر إلى الإشعاع المباشر للإلكترون؟".