يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
تحليل الذكاء الاصطناعي لفهم الدماغ البشري بشكل أفضل

في عالمنا الطبيعي، يأخذ الذكاء أشكالًا عدة، فقد يظهر لدى الخفاش الذي يعتمد على الصدى في تحديد المواقع وإيجاد طريقه في الظلام ببراعة، أو في الإخطبوط الذي يعدّل من سلوكه بحيث يتأقلم مع الحياة في أعماق المحيط.

وهناك أنواع متعددة من الذكاء الاصطناعي، بدأت بالظهور بطريقة مماثلة في عالم الحاسوب، حيث دُرِّبَت أنواعٌ مختلفة من الشبكات لتتفوق في عدة وظائف مختلفة. وبات العلماء في هذا المجال يستخدمون هذه الشبكات العصبية الجديدة بشكل متزايد، وذلك لتطوير قابلية فهمهم لواحد من أكثر الأنظمة الذكية دهاءً ومدعاةً للحيرة ألَا وهو عقل الإنسان. وهذا ما قُدِّم ووُضِّح في المؤتمر الخامس والعشرين لمجتمع علم الأعصاب الإدراكي Cognitive Neuroscience Society/CNS.

تقول أودي أوليفا Aude Oliva من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، والمشاركة في المؤتمر: "إن الأسئلة الأساسية التي يسعى كلٌّ من علماء علم الأعصاب الإدراكي وعلماء الحاسوب إلى إيجاد أجوبة شافية لها دائمًا ما تكون متشابهة. فكلاهما يتعاملان مع نظام معقد يتألف من مكونات تُسمى (خلايا عصبية) لدى أحدهما و(وحدات) لدى الآخر، ونحن نجري الاختبارت لمحاولة تحديد الحسابات التي تقوم بها هذه المكونات".

وبيّنت أوليفا في البحث الذي قدمته في المؤتمر أنّ علماء الأعصاب يتعلمون الكثير حول دور الدلائل السياقية في مجال التعرف على الصورة لدى البشر، وذلك عبر استخدام خلايا عصبية صناعية، والتي هي عبارة عن شفرات ورموز وبرمجيات، مع نماذج الشبكات العصبية، فيستطيع العلماء تحليل عدة عوامل تساهم في عملية التعرف على مكان أو شيء مُعيّن.

ويقول نيكولاس كريغيرسكورتي Nikolaus Kriegerskorte من جامعة كولومبيا Colombia University: "إن الدماغ عبارة عن شبكة عصبية عميقة ومعقدة، في حين أن نماذج الشبكات العصبية عبارة عن نماذج مستوحاة من الدماغ أصبحت اليوم متقدمة جدًا في العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمجال رؤية الحاسب".

وفي دراسة حديثة شملت أكثر من 10 ملايين صورة، قامت أوليفا وزملاؤها بتعليم شبكة عصبية للتعرف على 350 مكان مختلف كالمطبخ، وغرفة النوم، والحديقة، وغرفة المعيشة وغيرها من الأماكن. وقد توقعوا أن تتعلم هذه الشبكة ارتباط بعض الأغراض بالمكان، كارتباط السرير بغرفة النوم على سبيل المثال. ولكن ما لم يتوقعوه هو تعلم الشبكة كيفية التعرف على الأشخاص والحيوانات، كالكلاب في الحدائق، والقطط في غرف المعيشة.

تقول أوليفا أيضًا، إن برامج ذكاء الآلة تتعلم بسرعة كبيرة عندما تزود بالكثير من البيانات، ما يمكنها من الغوص في أعماق التعلم السياقي بهذا المستوى المميز، في حين من المستحيل تحليل الخلايا العصبية البشرية بنفس المستوى. كما أنّ أداء النموذج الحاسوبي الذي يؤدي وظيفة مماثلة يكون شفافًا بشكل كامل. وتختصر أوليفا ذلك بالقول: "تمثل الشبكات العصبية الاصطناعية أدمغة مصغرة يمكن دراستها، وتعديلها، وتقييمها، ومقارنتها مع استجابات الشبكات العصبية البشرية، وبالتالي يصبح لدى علماء علم الأعصاب الإدراكي تصورًا مبدئيًا لكيفية عمل الدماغ الحقيقي".

ويؤكد كريغيرسكورتي على أنّ هذه النماذج ساعدت علماء الأعصاب على فهم الكيفية التي يستطيع من خلالها البشر التعرف على الأجسام الموجودة من حولهم بنظرة خاطفة، ويضيف قائلًا: "تتضمن هذه العملية ملايين الإشارات الصادرة عن شبكية العين التي تجتاز طبقات متعددة من الخلايا العصبية لتستخرج معلومات دلالية، وكمثال على ذلك، آلية النظر إلى منظر في شارع ما يتواجد فيه عدة أشخاص وكلب. تستطيع نماذج الشبكات العصبية الحالية أداء هذا النوع من المهام باستخدام الحسابات فقط، تلك التي يمكن للخلايا العصبية الحيوية أداءها. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع نماذج الشبكات العصبية هذه التنبؤ إلى حدٍّ ما بكيفية استجابة خلية عصبية عميقة في الدماغ لأي صورة".

ويُعدّ استخدام علم الحاسوب لفهم الدماغ البشري مجالًا حديثًا نسبيًا، يتوسع بسرعة هائلة بفضل التطورات في سرعة وقدرة الحواسيب، إضافة إلى أدوات التصوير العصبي. ولا تستطيع الشبكات العصبية محاكاة القدرات المرئية للدماغ البشري بعد، كما يوضح كريغيرسكورتي، ولكن من خلال تقليدها لعمل الدماغ البشري ساهمت بتوسيع فهم كل الذكائين الإدراكي والاصطناعي. ويضيف قائلًا: "إنه وقت مثير للغاية للعمل في تداخل كلٍّ من علم الأعصاب والعلم الإدراكي والذكاء الاصطناعي معًا".

وتوافق أوليفا ما ذهب إليه كريغيرسكورتي قائلةً: "إن علم الأعصاب الإدراكي والحسابي البشري هو مجال بحث سريع التطور، وتُعتبر المعرفة الجيدة بكيفية قدرة الدماغ البشري على الرؤية والسمع والشعور والتفكير والتذكر والتوقع عاملًا هامًا لتطوير أدواتٍ تشخيصيةٍ أفضل لإصلاح الدماغ، والحرص على تطويره بشكل جيد".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات