هل فعلاً يكمن سر الحياة في الماء؟

ما الذي يجعل كوكباً شبيهاً بالأرض أكثر ملاءمة للحياة من غيره؟


عندما يتعلق الأمر بإيجاد النوع المناسب من الكواكب من أجل البحث عن الحياة فوقها، فإن حجم الكوكب يغدو أمراً ذا أهمية. يُعتقد أن كل الكواكب تشكلت عبر عمليات تنافسية شديدة حصلت داخل القرص المحيط بنجم وليد. إذ تصطدم قطع صغيرة من الغبار ببعضها وتنمو ملتهمةً جيرانها؛ وكلما أصبحت أكبر، تزداد قدرتها على استهلاك ما حولها، ممّا يُسرع من نموها.

إذا ابتلع كوكب ما مقداراً من الكتلة يعادل عشرة أضعاف كتلة الأرض قبل أن يشتعل التفاعل النووي في النجم القريب منه، عندها سيجمع كميات كبيرة من الغاز لينمو ويصبح بالتالي عملاقاً غازياً ككوكبي المشتري وزحل في نظامنا الشمسي -لن تكون هذه الكواكب بالتأكيد أماكن جيدة للبحث عن الحياة.

في النهاية الأخرى من الطيف، فإن الأجسام الصغيرة جداً من حيث الحجم والكتلة (مثل عطارد وقمر الأرض) لن تمتلك الجاذبية الكافية، التي تُمكنها من الاحتفاظ بغلاف جوي؛ فعادةً، كلما زادت كتلة الكوكب، كلما زادت كتلة غلافه الجوي التي يكتسبها ويستطيع الاحتفاظ بها.


هذا الأمر المهم لأنَّ الغلاف الجوي للكوكب سيؤثر بشكلٍ مباشر على مناخه؛ وبالتالي فإن موقع المنطقة السكنية (habitable zone) حول أي نجم ستكون تابعاً لكتلة الكوكب. فكلما زادت كتلة الكوكب وزادت كتلة غلافه الجوي، سيزداد تبعا لذلك تأثير الاحتباس الحراري؛ ومثل هكذا كوكب قد يصلح للحياة عند مسافات تكون فيها الكواكب الأصغر حجما أكثر تعرضاً للبرودة القاسية. وبالمثل فإن الكواكب الأصغر، وذات الغلاف الجوي الأرق، ستكون صالحة للحياة عند المسافات التي تؤدي إلى غليان محيطات الكواكب ذات الكتلة الأكبر. 


المجال المغناطيسي


في حين أن الكوكب يحتاج إلى أن يكون ضخماً بما فيه الكفاية للحصول على غلاف جوي سميك وكافٍ لدعم الحياة، إلا أن هذه القصة لديها المزيد. فبشكلٍ خاص، تُعتبر النجوم في فترة الشباب مُضيفاً عنيفاً، فهي تقوم بقذف المواد إلى الفضاء وبقصف الكواكب المحيطة بها بشكل مستمر بالإشعاعات.

ما يحصل إلى حد ما ضروري للحياة: فبدون الطاقة التي تستمدها الأرض من الشمس، لن يكون هناك ضوء وسيصبح كوكبنا كرة متجمدة من الجليد. لكن ومع مباركة الضوء، تأتي لعنة الرياح القادمة من النجم، التي بإمكانها أن تقذف الغلاف الجوي للكوكب بعيداً عنه، محولةً إياه إلى لا شيء. الحياة على كوكب الأرض محظوظة؛ إذ يحميها الحقل المغناطيسي للأرض من أسوء تقلبات الرياح الشمسية. 


عندما تصدم الرياح الشمسية الغلاف المغناطيسي للأرض، ترتد مبتعدة بسبب هذا الدرع الحامي؛ ويُمكن فقط للعواصف الشمسية القوية، والجسيمات ذات الطاقة العالية، أن تخترق هذا الدرع. إذ تتجه شلالات الجسيمات المشحونة، التي تخترق الدرع المغناطيسي للأرض، نحو القطبين، مما يتسبب بحصول ظاهرة رائعة تُسمي بالشفق القطبي (Aurora)، الشمالي والجنوبي . 


لكن ماذا لو لم يكن للأرض غلاف مغناطيسي؟ 
عندها سيكون الوضع خطيراً؛ فأقرب جيراننا من الكواكب "المريخ" يفتقر إلى مجال مغناطيسي قوي، ولم يكن محميا به منذ وقت مبكر من نشوء نظامنا الشمسي؛ وأدى هذا الأمر إلى دفع المريخ ثمناً غالياً؛ فغلاف المريخ الجوي الذي كان سميكا ذات يوم، يكاد الآن يكون لا شيء أبداً.

وجود غلاف مغناطيسي للكوكب هو أمر مهم جداً خلال فترة شبابه -عندما يكون نجمه المضيف شاباً ونشيطاً ويقوم بقذف المواد إلى الفضاء. ومع تقدم النجوم في العمر، تبقى قادرة على تجريد الكواكب ببطء من أغلفتها الغازية. من الواضح إذاً، أنه من أجل اعتبار كوكب ما هدفاً واعداً للبحث عن الحياة، يجب أن يمتلك ذلك الكوكب حقلاً مغناطيسياً قوياً لحماية غلافه الجوي، ولكن كيف يمكن لكوكب مثل الأرض الحفاظ على حقله المغناطيسي قوي بما فيه الكفاية ولفترة طويلة، ما الذي سمح بتقديم هذا النوع من الحماية؟


الصفائح التكتونية (Plate tectonics)


مصدر المجال المغناطيسي الأرضي هو دينامو ضخم وعميق موجود في اللب الخارجي للأرض؛ ويُعتقد أن مصدره تيارات الحمل الموجودة في تلك المنطقة الداخلية من كوكبنا؛ لكن هنا تكمن المشكلة: كيف يُمكنك الحفاظ على الحمل الحراري داخل كوكب ما على امتداد فترات تصل إلى مليارات السنين؟

المناطق الداخلية من الأرض حارة جدا؛ وكنتيجة أولية لتفكك العناصر المشعة المحاصرة في الداخل، يقوم كوكبنا بإلقاء الحرارة إلى الفضاء ببطء عبر قشرته؛ وفي النتيجة، تكون الطبقات السطحية الداخلية لكوكبنا أكثر برودة من تلك القريبة من النواة.


ومن أجل الحفاظ على الحمل الحراري، تحتاج إلى فرق كبير في الحرارة بين الموقعين؛ ولذلك تيارات الحمل الموجودة في ستار الأرض ناتجة عن حقيقة أن أجزاء الستار القريبة من القشرة الأرضية أكثر برودة من تلك الأجزاء القريبة من النواة.

لكن هناك شيء غريب؛ فلو لم تمتلك الأرض صفائح تكتونية، فإن الطبقات العليا من الستار لن تكون قادرة على تبريد أي مكان قريب بكفاءة عالية؛ فبوجود ستار علوي حار، ستكون الفروق في درجة الحرارة بين تلك المنطقة والمنطقة الداخلية العميقة للأرض أصغر، وستتوقف تيارات الحمل في نهايةالمطاف. وبدون الحمل الحراري، سيموت دينامو الأرض، وسيكون حقلها المغناطيسي ضعيفا، وفي النهاية سيختفي.


ويُعتقد أن هذا هو بالضبط ما حصل لكوكب المريخ. في البداية، كان الجزء الداخلي للكوكب الأحمر ساخناً بما فيه الكفاية للحصول على درجة معينة لحدوث النشاط التكتوني؛ وبالتأكيد، تحمل قشرة المريخ أدلة على وجود حقل مغناطيسي قديم ومجمد في الصخور. لكن المريخ أصغر من الأرض؛ ولذلك فقد الحرارة الداخلية إلى الفضاء بسرعة أكبر؛ وفي نهاية المطاف، بَرُدَ بما فيه الكفاية وأصبح غير قادر على الحفاظ على الحمل الحراري وفقد حقله المغناطيسي.

عند هذه المرحلة، بدأت الرياح الشمسية بدفع الغلاف الجوي بعيداً؛ وفي الوقت نفسه، عملت العمليات الكيميائية على سحبه داخل الصخور؛ وبدون الصفائح التكتونية التي تُعيد دورة الصخور وتُحرك الحقل المغناطيسي، انتقل المريخ ببطء إلى حالته الراهنة. 

بالإضافة إلى قيامها بالحفاظ على الحقل المغناطيسي لكوكبنا، تُعتبر الصفائح التكتونية مهمة لأسباب أخرى كثيرة؛ لا سيما عندما يتعلق الأمر بخلق غلاف جوي نتنفسه اليوم.


بدون الماء!


النشاط التكتوني مهم بشكل واضح للحياة على الأرض؛ وسيكون ذلك بالتأكيد معياراً أساسيا في البحث عن الحياة في أماكنٍ أخرى؛ لكن يُشير بعض الباحثين إلى أن القصة قد تكون أكثر تعقيدا مما كنا نظن. فعلى مدى سنوات، اقترح العديد من الدراسات أنه لولا المياه، ما كانت الأرض لتمتلك صفائحاً تكتونية – هي نظرية مازالت محل جدل شديد.

الفكرة العامة هي أن المياه بمثابة مواد التشحيم سواء بين الصفائح المتصادمة (تساعدها على التغلب على الاحتكاك بينها)، أو داخل ستار الأرض (زيادة السيولة، والمساعدة على الحركة، وتسهيل حركة تيارات الحمل).

بدون الماء، يجب أن يكون الكوكب أكثر ضخامة من الأرض ليدعم الصفائح التكتونية؛ ولو كانت الأرض أكثر جفافاً، لانتهت حركة الصفائح التكتوينة منذ وقتٍ طويل، ممّا يؤدي الى انتهاء حركة الحمل الحراري في الستار، واختفاء غلافنا الجوي تماماً كما حصل مع كوكب المريخ. لذلك مع هذه النظرية، وصلنا إلى حلقة كاملة: تحتاج الحياة إلى الماء؛ لكن من أجل أن يقوم كوكب ما بالحفاظ على غلافه الجوي، فإنه بحاجة إلى حقل مغناطيسي. 


للحفاظ على حقل مغناطيسي، يحتاج الكوكب إلى دينامو؛ وللحصول على دينامو ، نحتاج إلى الصفائح التكتونية؛ وللحفاظ على الصفائح التكتونية، نحتاج إلى الماء.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الصفائح التكتونية (plate tectonics): هي مجموعة من الصفائح العملاقة التي تتحرك فوق بعضها البعض وتتصادم وتُعتبر مكون أساسي من سطح الكواكب.
  • المنطقة السكنية (المنطقة الصالحة للحياة) (habitable zone): هو مصطلح في علم الفلك وعلم الأحياء الفلكي يُشير إلى المنطقة الموجودة حول نجم ما وفي الوقت نفسه تمتلك الظروف المناسبة للسماح بتواجد الماء السائل فوق سطح الكواكب الموجودة فيها والمشابهة للأرض. وعلى اعتبار أن الماء هو عنصر أساسي لوجود جميع أنواع الحياة التي نعرفها، تُعتبر الكواكب الواقعة في هذه المنطقة من الكواكب التي قد تحتضن نوع من أنواع الحياة خارج كوكب الأرض. تعتمد تلك المنطقة من جهة أخرى على شدة أشعة النجم الواصلة إليها حيث تكون في المتوسط نحو 10 درجات مئوية وكذلك على نوع الضوء الصادر منه، بحيث لا يغلب في طيفه مثلا أشعة فوق البنفسجية أو أشعة سينية، فكلاهما لا يصلح للحياة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات