اكتشاف النجم ذي الاستدارة الأمثل في الكون

 النجم كيبلر وشمسنا.


حقوق الصورة: Laurent Gizon et la/Mark A Garlick


توجد الهندسة في كل مكان من الطبيعة، فنحن نرى التناظر السداسي في ندف الثلج، وأنماط هندسية متكررة في البروكلي (من أنواع القرنبيط)، وحلزونات فيبوناتشي في الملفوف الأحمر (وأيضا يسمى الحلزون الذهبي، وهو شكل هندسي ناتج عن متتالية فيبوناتشي)، لكن أن نجد كرة مستديرة بشكل تام، فالأمر بجله من الصعب إيجاده. 

في حين تبدو كل تلك الأقمار والنجوم والكواكب في الفضاء بأنها مستديرة بشكل مثالي، في الحقيقة هي تتعرض للتفرطح والسحق والالتواء في كل دورة حول محاورها. لكن تمكن العلماء من إيجاد نجم شديد الاستدارة، إنه الشكل الأكثر كروية في كوننا المعروف. 

يدعى النجم المعني بـكيبلر 11145123 أو (KIC 11145123)، يتوضع على مسافة من الأرض تقارب 5000 سنة ضوئية. 

عندما قام فريق بقيادة عالم الفضاء لورنت غيزون Laurent Gizon من معهد ماكس بلانك لأبحاث الطاقة الشمسية وجامعة غوتنغن Göttingen في ألمانيا بهذا الاكتشاف أول مرة، استخدموا تقنية تدعى قياس الذبذبات الفلكية (asteroseismology) لتحديد درجة كرويته.

الغريب أن هذه الكرة الغازية التي تدور ببطء لم تكن تتفلطح أثناء دورانها حول محورها، فاستدارتها سوية بشكل رائع، ويقول العلماء بأنه الجسم الطبيعي الأكثر كروية عرفه العلم. 

يقول غيزون: "إن كيبلر 11145123 هو الجسم الطبيعي الأكثر استدارة الذي تم قياسه حتى الآن، حتى إنه أكثر استدارة من الشمس". قد فتح هذا الاكتشاف الباب أمام مجموعة كاملة من الأسئلة، وبالأخص كيف أمكن لهذا الشيء أن يصبح بهذه الاستدارة المثالية؛ لكن دعونا نخوض فيما نعرفه فعلاً عن الجسم الطبيعي الأكثر كروية.

إن تقنية قياس الاهتزازات الفلكية (asteroseismology) تسمح للباحثين بقياس ذبذبات النجوم، واستخدامها لمعرفة نسبة تفلطحها، أي بشكل أساسي كم هي نسبة التسطح والانضغاط في الدائرة أو الكرة. 

عندما تدور النجوم والكواكب والأقمار حول مركزها، فإنها تخضع لقوى طرد مركزية (نابذة)، التي تدفع مناطقها الاستوائية (الواقعة عند وسطها) بعيداً  عن مركز الدوران، لينتهي الأمر بهذه الأجرام بأن يصبح عرضها أكبر قليلاً من طولها أي "مفلطحة". 

بمعنى أنه كلما دار جسم كوني بشكل أسرع زاد تفلطحه، لكن كيبلر 11145123 بالخصوص جسم يدور ببطء. لقد حسب العلماء سرعة دورانه ليجدوها أقل بثلاث مرات من سرعة دوران الشمس لكنه أكبر منها حجماً بمرتين.

من ناحية القياسات الدقيقة للاستدارة، فقد وجدوا بأن الفرق بين أنصاف الأقطار عند الاستواء والأقطاب يبلغ 3 كم فقط. يقول الباحثون في ذلك: "هذا الرقم صغير بشكل مذهل مقارنة بمتوسط نصف قطر النجم البالغ 1.5 مليون كم؛ الأمر الذي يعني بأن هذه الكرة الغازية مستديرة بشكل مذهل".

لوضع هذه الأرقام بشكل نظري، فلدى شمسنا نصف قطر عند خط استوائها أكبر بـ 10 كم منه عند قطبيها، وبالنسبة لأرضنا القديمة المتكتلة، يبلغ هذا الفرق 21 كم. لكن هذه الأشياء حقيقةً ليست ذات معنى، لأن الفريق يقول حتى بأن كيبلر 1145123 أقل تفلطحاً مما يتضمنه معدل دورانه البطيء.

وكما يشرح ميشيل بيرن Michael Byrne‎ لـ Motherboard، فإن تقنية قياس الذبذبات الفلكية تعتمد على قدرتنا على عزل ترددات الأمواج الصوتية المنبعثة من داخل النجم.

حيث يقول: "باستخدام هذه الأمواج لتمثيل ما بداخل النجم بشكل مرئي، وجدوا بأن طبقات كيبلر 1145123 الخارجية تدور أسرع من لبه"، ويكمل: "وهذا من المحتمل ما يقف وراء شكله المستدير غير المعهود (أو التفلطح بدرجة أقل)؛ فبسبب الانفصال بين السطح واللب، فالنجم لا يدور بالقدر ذاته الذي يبدو عليه عند النظر إليه من الخارج".

وليس واضحاً ما الذي يسبب الانفصال بين معدلات دوران السطح واللب، لكن يقترح الباحثون بأن المسؤول عن ذلك قد يكون حقلاً مغناطيسياً  قرب خط الاستواء حول الكوكب.

ويلخص الباحثون قائلين: "عدا عن الحقل المغناطيسي، هناك تفسيرات بديلة قليلة فيما يخص التفلطح الخفيف"، ويكملون: "عند مثل هذا المستوى من الدقة فإن فيزياء الذبذبات النجمية قد تكون بحاجة للدراسة بمزيد من التفصيل".

ويخطط الفريق لاستخدام هذه التقنية على نجوم أخرى في المستقبل، ليَرَوا كيف تؤثر عمليات الدوران والحقول المغناطيسية على أشكالها.


وقد تم نشر الدراسة على Science Advance.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات