وضع مجموعة من علماء الفيزياء من سويسرا وجنوب أفريقيا كوداً رقميا جديداً يستخدم نظرية أينشتاين في النسبية العامة لمعرفة كيفية تشكّل البُنى الكبيرة في الكون؛ ويعِد هذا البرنامج بمساعدة الباحثين للحصول على دمج كل من المادة المظلمة (dark matter) والطاقة المظلمة (dark energy) بشكلٍ أفضل داخل عمليات محاكاة حاسوبية تدرس كيفية تطور الكون بمرور الوقت.
تُهيمن الثقالة (قوة الجاذبية) على ديناميكا الكون عند الأحجام الكبيرة. وتربط هذه القوة المجرات معاً لتُشكل عناقيد (cluster) ترتبط بدورها معاً داخل تجمّع مكون من ثقوب كثيفة مكونة بدورها من المادة المظلمة.
يفترض نموذج المادة المظلمة الباردة (CDM) أن هذه المادة عبارة عن جسيمات بطيئة الحركة، ويعني ذلك أن فيزياء نيوتن غير النسبية يجب أن تكون كافية لوصف تأثيرات الجاذبية على تجمع كبير مكونًا بنية كونية عملاقة. على أي حال، إذا تحركت المادة المظلمة بسرعات تصل إلى سرعة الضوء، فإن الوصف النيوتوني يتحطم، ويجب حينها تطبيق نظرية النسبية العامة على المحاكاة، وهو شيء طالما كان صعب التحقيق.
سترصد عمليات المسح القادمة، كتلك التي ستجري بواسطة تلسكوب المسح الكبير في تشيلي أو مهمة إقليدس المستقبلية، التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، سترصد عملية مسح الكون عند نطاقات القياس الكبيرة وبدقة لم تحصل في السابق. قد لا تكون عمليات النمذجة الحاسوبية المبنية على افتراضات نيوتن قادرة على إعادة المستوى ذاته من الدقة، ما يجعل النتائج الرصدية صعبة التفسير. والأكثر أهمية من ذلك هو أننا لا نعرف جيدًا ماهية المادة والطاقة المظلمتين حتى نتمكن من القول أيُّ الطرق هو المناسب لمعالجة الجاذبية.
هندسة متطورة
طوّر جوليان أداميك Julian Adamek وزملاؤه في مرصد باريس كودًا رقميًا يُعرف التطور (ج) (gevolution)، وهو يقدم إطار عمل لتحديد تأثيرات النسبية العامة على عمليات النمذجة المعقدة للكون. ويقول أداميك: "أردنا تقديم أداة لوصف تطورة هندسة الزمكان".
تصف النسبيىة العامة الجاذبية على أنها انحناء ينشأ في الزمكان جراء وجود جسم فائق الكتلة، ويؤدي هذا الأمر إلى نشوء هندسة معقدة للكون بدلاً من كون المكان خطيًا، ويُوصف بجاذبية نيوتن.
إن كود "الهندسة المتطورة" قادر على حساب تنسور فريدمان -ليميتر- روبيرتسون -والكر المتري، والذي يحل معادلات أينشتاين ليصف بذلك الهندسة المعقدة للزمكان، ويحدد كيفية تحرك الجسيمات. تكمن المشكلة في أنه يحتاج إلى الكثير من المصادر، فهو بحاجة إلى 115 ألف ساعة عمل لوحدة معالجة مركزية مقارنةً ب 25 ألف ساعة لنمذجة مشابهة تعتمد على افتراضات نيوتن.
ارتيابات أخرى
لا يقتنع الجميع بأن الكود هو المطلوب، إذ يُشير جواشيم هارنوس-ديرابس Joachim Harnois-Déraps من معهد علم الفلك في المرصد الملكي في أدنبره إلى وجود تحديات أخرى تواجه علماء الفيزياء في مجال عمليات النمذجة الكونية، ويُضيف: "هناك الكثير من الأماكن التي قد تحدث فيها الأخطاء في عمليات النمذجة".
ويُشير ديرابس إلى الارتيابات حول نمذجة التعنقد اللاخطي (nonlinear clustering) للمادة في الكون، إضافة إلى التغذية العكسية القادمة من الثقوب السوداء فائقة الكتلة (supermassive black holes) الموجودة في المجرات النشطة والتي تُطلق المادة للخارج وتُعيد توزيعها.
وعلى سبيل المثال، برهنت دراسة قادها ماركوس هايدر Markus Haider من جامعة أنسبروغ في النمسا، أن التدفقات الناجمة عن الثقوب السوداء قد تكون كافية لقذف الغاز على طول الطريق داخل الشبكة الكونية المكونة من المادة والممتدة على كامل أرجاء الكون.
مركزي وساطع
يقول ديرابس: "برأيي يجب أن يتركز جهدنا على تحسين معرفتنا المتعلقة بهذه المصادر المهيمنة على الارتياب. فإذا ما صعد سيناريو ما بشكل مفاجئ وهو بحاجة إلى النسبية العامة، حينها سيكون كود الهندسة المتطورة مركزياً وساطعاً".
في الواقع، ينظر أداميك إلى الكود على أنه أداة جاهزة تنتظر لحظة الاستخدام. تعمل فيزياء نيوتن بشكل جيد إلى درجة مذهلة بالنسبة للنموذج القياسي الحالي للمادة المظلمة الباردة والطاقة المظلمة، وأيضاً الثابت الكوني.
على أي حال، هل يجب أن تبدي المادة المظلمة سلوكًا يخضع للنسبية العامة؟ ثم إذا كانت الطاقة المظلمة ديناميكية، أي حقلاً متغيرًا وليس بالثابت أبدًا، فإن على التقريبات النيوتونية أن تفسح الطريق أمام التنبؤات الأكثر دقة للنسبية العامة.
يقول أداميك: "يعمل نهج أينشتاين جيدًا في بعض الحالات. لكن ربما توجد حالات حيث يكون من الأفضل لنا استخدام الحقل الثقالي المصحح".