شريحة ميكروية ذاتية التشغيل تعمل عند نفاذ البطارية

باتليس BATLESS هي شريحة ميكروية ذكية طورها فريقٌ من الباحثين بقيادة الأستاذ المساعد ماسيمو آليوتو Massimo Alioto (في الوسط) من كلية الهندسة في الجامعة الوطنية في سنغافورة National University of Singapore’s Faculty of Engineering، وبإمكان هذه الشريحة تشغيل ذاتها تلقائياً والاستمرار بالعمل حتى عند نفاذ طاقة البطارية. يمكن لهذه التكنولوجيا الحديثة أن تمهد الطريق أمام أجهزة إنترنت الأشياء (Internet of Things (IoT أصغر وأرخص ثمناً. حقوق الصورة: الجامعة الوطنية في سنغافورة National University of Singapore.


مع أن تكنولوجيا إنترنت الأشياء (Internet of Things (IoT لا تزال في بداياتها إلا أنها غيّرت بالفعل مستقبل الكثير من الصناعات كما سيكون لها تأثير كبير على حياتنا اليومية من نواحٍ متعددة، من أكبر التحديات التي تقف في طريق تحويل أجهزة إنترنت الأشياء من مفهوم إلى واقع هي تأمين زمن عمل طويل ومستمر مع مصادر طاقة محدودةٍ بشدة، أي أنها تتطلب فعالية عالية في مجال الطاقة المستخدمة. تعمل أجهزة إنترنت الأشياء (كالحساسات) عادةً بكميات كبيرة، وغالباً ما يصعب الوصول إليها وتخديمها بشكلٍ مستمر، مما يجعل تميزها بالفعالية الذاتية أمراً مهماً.


في الوقت الحالي، البطاريات المستخدمة في أجهزة إنترنت الأشياء هي أكبر بكثير وأغلى بثلاث مرات من الشريحة الأحادية التي تزودها هذه البطاريات بالطاقة. إن حجم البطارية يحدده زمن حياة عقدة الحساس، ويؤثر هذا الزمن بشكلٍ مباشرٍ على عدد مرات تغيير البطارية، ويرتبط هذا الأمر أيضاً بكلفة الصيانة والتأثير على البيئة عند التخلص من البطاريات. لزيادة زمن الحياة بشكل عام، عادةً ما يُعاد شحن البطارية ببطء من خلال استخلاص كميات محدودة من الطاقة من البيئة، كاستخدام شرائح شمسية. ولكن أجهزة إنترنت الأشياء الحالية لا تستطيع العمل بدون بطارية والبطاريات الصغيرة تنفذ منها الطاقة كلياً بشكل أسرع، وبالتالي فإن تصغير حجم البطارية يؤدي في أغلب الأحيان إلى تشغيلٍ غير مستمر لأجهزة إنترنت الأشياء حيث أنها تتوقف عن العمل كلما نفذت طاقة البطارية.

 

لمعالجة هذه المشكلة، طوّر فريق من المهندسين من الجامعة الوطنية في سنغافورة (National University of Singapore (NUS شريحةً ميكرويةً جديدةً تُدعى باتليس BATLESS بإمكانها الاستمرار بالعمل حتى عند نفاذ طاقة البطارية. صُممّت باتليس بتقنية حديثة للحفاظ على الطاقة تسمح لها بأن تشغل نفسها تلقائياً وتستمر بالعمل في الضوء الخافت دون مساعدة البطارية وذلك باستخدام شريحةٍ شمسيةٍ صغيرةٍ جداً موجودةٍ ضمن الباتليس. قُدّم هذا الإنجاز في المؤتمر الدولي للدارات الصلبة (International Solid-State Circuits Conference (ISSCC لعام 2018 في مدينة سان فرنسيسكو San Francisco الأمريكية وهو المؤتمر العالمي الأول لتقديم التطورات في مجالات الدارات الصلبة والأنظمة العاملة على شرائح.


يقول الأستاذ المساعد ماسيمو آليوتو Massimo Alioto من قسم هندسة الكهرباء والحواسيب Department of Electrical and Computer Engineering في كلية الهندسة Faculty of Engineering في جامعة سنغافورة الوطنية قائد فريق الباحثين: "لقد أظهرنا أنه يمكن تقليص البطاريات المستخدمة في أجهزة إنترنت الأشياء بشكلٍ كبيرٍ حيث أنه ليس من الضرورة أن تكون متواجدةً دائماً لتأمين العمل المستمر. تشكل معالجة هذه المشكلة الأساسية تطوراً كبيراً نحو تحقيق الرؤية المطلقة لعقد حساسات إنترنت الأشياء دون استخدام البطاريات، وسيمهد الطريق نحو عالمٍ يحوي تريليون جهاز إنترنت الأشياء".


العمل دون بطارية


تهميش البطارية يعني قدرة أجهزة إنترنت الأشياء على الاستمرار بالعمل حتى عند استهلاك البطارية، ويتحقق ذلك من خلال العمل في نمطين مختلفين هما نمط القدرة المنخفضة ونمط الطاقة المنخفضة، عندما تكون قدرة البطارية متوفرة تعمل البطارية بنمط القدرة المنخفضة وذلك لزيادة زمن حياة البطارية. ولكن عند استهلاك البطارية بشكل كامل، تنتقل البطارية إلى نمط الطاقة المنخفضة وتعمل باستهلاك كميةٍ قليلةٍ جداً من الطاقة تقارب نصف نانو واط أي تقريباً أقل بمليار مرة من الطاقة التي يستهلكها الهاتف الذكي أثناء إجراء مكالمة. يمكن الحصول على الطاقة من خلال شريحةٍ شمسيةٍ صغيرةٍ جداً موجودةٍ ضمن الباتليس مساحتها نصف ميليمتر،أو من خلال مصادر أخرى للطاقة توفرها البيئة كالاهتزاز أو الحرارة.


إن قدرة الشريحة على التبديل بين نمطي القدرة المنخفضة والطاقة المنخفضة يسمح بتقليص حجم البطاريات بشكلٍ كبيرٍ من سنتيمترات إلى عدة مليمترات. شريحة باتليس الميكروية تتفرد بخاصية تحسس ومعالجة والتقاط وحفظ زمن الأحداث بطريقةٍ مستمرةٍ ونقل هذه البيانات المهمة إلى السحابة لاسلكياً عندما تصبح البطارية متوفرةً من جديد. رغم عملها بنمط الطاقة المنخفضة عند عدم توفر البطارية فإن سرعة الشريحة المنخفضة الناتجة عن ذلك ما يزال مناسباً لعمل الكثير من تطبيقات إنترنت الأشياء التي تحتاج إلى تحسس بارامتراتٍ تختلف ببطءٍ مع مرور الوقت، بما في ذلك الحرارة والرطوبة والضوء والضغط. تُعتبر باتليس ملائمةً للعديد من التطبيقات مثل الأبنية الذكية والمراقبة البيئية وإدارة الطاقة وتعديل مساحات العيش لتتكيف مع حاجات السكان.


يضيف آليوتو: "باتليس هي المثال الأول على صنف جديد من الشرائح التي لا تهتم بتوافر شحن البطارية. في نمط الطاقة المنخفضة إذ تستخدم باتليس طاقة أقل بـ 1000 حتى 100,000 مرة بالمقارنة مع أفضل المتحكمات الميكروية المتوفرة والمصممة للعمل بنمط ثابت للطاقة المنخفضة. في ذات الوقت، يمكن للمتحكم الميكروي 16 بت الخاص بنا أن يعمل أسرع بـ 100,000 مرة من المتحكمات الأخرى التي طُوِّرت مؤخراً لتعمل بنمطٍ ثابتٍ للطاقة المنخفضة. باختصار، إن شريحة باتليس الميكروية تغطي مجالاً واسعاً من مقايضات القدرة والطاقة والسرعة الممكنة، وفقاً للمرونة التي يوفرها النمطين المختلفين".


التشغيل الذاتي دون بطارية


باتليس مجهزةٌ أيضاً بتقنيةٍ جديدةٍ لإدارة الطاقة تسمح بالتشغيل الذاتي للعمليات أثناء تغذيتها بشكلٍ مباشرٍ من قِبل الشريحة الشمسية الصغيرة ودون مساعدة البطارية. أظهر الفريق هذه الخاصية عند كثافة ضوئية 50 lux وهي تعادل الضوء الخفيف عند الغسق، وتتوافق مع كميات من الطاقة تقاس بالنانو واط. هذا يجعل عمل باتليس غير مرتبط بتوافر البطارية مما يعالج مشكلةً سابقةً غير محلولةٍ لدى الشرائح عديمة البطاريات.


الخطوات القادمة


يبحث الفريق الهندسي من جامعة سنغافورة الوطنية الآن في حلولٍ جديدةٍ لبناء أنظمةٍ كاملةٍ لا تعتمد على بطاريات تغطي كامل سلسلة الإشارة من الحساس حتى الاتصالات اللاسلكية وبالتالي توسيع العمل الحالي حول المتحكمات الميكروية وإدارة الطاقة.


يهدف فريق البحث إلى إيجاد حلٍّ يقلص حجم البطارية إلى عدة مليمترات، وعلى المدى البعيد إلغاء الحاجة إليها بشكلٍ كاملٍ. سيشكل هذا خطوةً كبيرةً نحو تحقيق رؤية إنترنت الأشياء عالمياً بالإضافة إلى جعل كوكبنا أذكى وأكثر محافظةً على البيئة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات