يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
خصائص كمية لتحسين قدرة الماس على الاستشعار

يتكون الألماس النقي من ذرات كربونٍ منظّمة في شبكةٍ بلوريةٍ متكاملةٍ، ولكن قم بإزالة بعض ذرات الكربون واستبدلها بذرات نيتروجين وستحصل على ألماسٍ له خصائص استشعارٍ كميّةٌ مميزةٌ. تفيد هذه الخصائص في تطبيقات معلومات الكمّ والحقول المغناطيسية الاستشعارية، وكمنصة بحثٍ لسبر أسرار الفيزياء الكميّة.

عندما تجاور ذرة نيتروجين الفراغ الذي أخلته ذرة الكربون، فإنها تشكّل ما يُسمّى بمركز الشواغر النيتروجينية (nitrogen-vacancy (NV، وقد بيّن الباحثون حديثًا كيفية خلق المزيد من مراكز الشواغر النيتروجينية التي تُسهّل الحصول على حقول الاستشعار المغناطيسي، وذلك باستخدام طريقةٍ سهلةٍ نسبيًّا يمكن إجراؤها في العديد من المختبرات، وقد وصفوا نتائجهم في دورية Applied Physics Letters.

تقدّم حقول الاستشعار المغناطيسية مثالًا رئيسًا على أهمية هذا الاستشعار، حيث يمكن أن يحفّز الضوء الأخضر مراكز NV على (التشعيع) fluorescence (إصدار أشعة) وإصدار الضوء الأحمر، ولكن يتغيّر مقدار هذا التشعيع بوجود حقلٍ مغناطيسيٍ. ومن خلال قياس سطوع التوهج يمكن لمراكز NV أن تساعد في تحديد قوة الحقل المغناطيسي. ويمكن لمثل هذا الجهاز أن يأخذ صورًا مغناطيسيةً لنطاقٍ واسعٍ من نماذج العينات، بما في ذلك الصخور والأنسجة البيولوجية.
 

(صورة ماس بخصائص مختلفة معدّ للقياس) حقوق الصورة: Dima Farfurnik
(صورة ماس بخصائص مختلفة معدّ للقياس) حقوق الصورة: Dima Farfurnik


تتحدّد حساسية هذا النمط من الكشف المغناطيسي بواسطة تركيز مراكز NV، في حين ينتج عن الفراغات التي لا تحلّ فيها ذراتٌ من النتروجين تشويشًا، وبالتالي فإن التحويل عالي المردود لهذه الشواغر إلى مراكز NV، إضافةً إلى زيادة تركيز مراكز NV إلى الحد الأعظمي، من شأنه أن يلعب دورًا رئيسًا في تطوير طرائق الكشف هذه.

ويشتري الباحثون عادةً الألماس المهجَّن (المطعَّم) بالنيتروجين nitrogen-doped من شركةٍ منفصلةٍ، ثم يقذفون الألماس بالإلكترونات أو البروتونات أو جسيماتٍ أخرى تعمل على إزاحة بعض ذرّات الكربون تاركةً وراءها شواغر.

وفي النهاية تدفع عملية تسخينٍ وتبريدٍ بطيئةٌ الشواغرَ المجاورة لذرّات النتروجين برفقٍ محرّضةً إياها على تشكيل شواغر نتروجين، وتكمن المشكلة في أن التعرض للأشعة السينية يتطلب إرسالك لعيناتك إلى منشأةٍ منفصلةٍ، الأمر الذي يستهلك الوقت والمال.

يقول ديما فارفورنيك Dima Farfurnik من الجامعة العبرية في القدس، إسرائيل: "ما يميّز نهجنا هو بساطته الشديدة إضافةً إلى مباشرته، إذ يمكنك الحصول على تراكيزَ مرتفعةٍ بما فيه الكفاية من الشواغر النيتروجينية الملائمة للعديد من التطبيقات بإجراءاتٍ بسيطةٍ يمكن القيام بها منزليًا".

 

صورة لمعدات تجريبية للشواغر النيتروجينية في الألماس، حقوق الصورة: Dima Farfurnik)
صورة لمعدات تجريبية للشواغر النيتروجينية في الألماس، حقوق الصورة: Dima Farfurnik)
 
تستخدم هذه الطريقة قذف إلكترون عالي الطاقة في مجهرٍ إلكترونيٍّ نافذٍ (يمكن من خلاله تسليط إلكترونات على العينة) transmission electron microscope TEM، -وهو نوعٌ من المجاهر من السهل الوصول إليه بالنسبة للعديد من الباحثين- وذلك لخلق شواغر نيتروجينيةٍ محليًا. عادةً يُستخدم هذا النوع من المجاهر TEM لتصوير المواد بدقةٍ تصل إلى درجاتٍ من النانومتر، إلا أن حزمته الإلكترونية الضيقة يمكنها تحريض الألماس على التشعع (توهّجه).
 
وبيّن آخرون أن بإمكان المجهر الإلكتروني النافذ TEM خلق مراكز شواغرٍ نيتروجينيةٍ في عينات ألماسٍ مخصّصةٍ، ولكن نجح الباحثون في هذه الدراسة باختبار الطريقة بنجاحٍ على العديد من عينات الألماس المتاحة تجاريًا.
 
وفي عينةٍ نموذجيةٍ غير معالجةٍ فإن أقل من 1 % من ذرات النتروجين تشكّل شواغرًا نيتروجينية. ولكن، وباستخدام مجهرٍ إلكترونيٍّ نافذٍ TEM رفع الباحثون كفاءة التحويل هذه حتى 10%. وفي حالاتٍ معينةٍ، تصل العينات إلى حدّ الإشباع، وتكون عملية تعريض الألماس إلى الإشعاع غير مجديةٍ.
 
وبالنسبة لعيناتٍ أخرى، لم يقترب الباحثون من هذا الحدّ، مشيرين إلى أن المزيد من عملية التعريض للإشعاع من شأنها رفع حدود الكفاءة. وبكفاءات تحويلٍ أعلى، وحجومٍ صغيرةٍ من الإشعاع الممكنة بوجود TEM، يمكن لأجهزة الاستشعار المغناطيسي أن تكون أصغر حجمًا.
 
وللتأكد من أن الطريقة لم تُعِق فعالية الشواغر النيتروجينية في تطبيقاتٍ مثل حقول الاستشعار المغناطيسي، أكّد الباحثون أن طول الفترة الزمنية التي حافظت فيها الشواغر على حالاتها لم تتغير.
 
إن جمع ما يكفي من الشواغر النيتروجينية NV في ألماسةٍ من شأنه أن يسمح للفيزيائيين بسبر التفاعلات الكميّة بين المراكز نفسها. وقد مكّن هذا البحث من خلق حالةٍ كميةٍ فريدةٍ من نوعها تُسمّى الحالة المضغوطة squeezed state، والتي لم ُيسبق أن وُضِّحت في الأجسام الصلبة، بالإضافة إلى أنه من الممكن أيضًا أن تدفع قدرات الاستشعار لهذه الأنظمة أبعد من حدود اليوم الكلاسيكية.
 
ويقول فارفونيك: "نأمل أن تعمل زيادة أعداد مراكز الشواغر النيتروجينية إلى جانب التعريض للإشعاع كنقطة انطلاق نحو هذا الهدف الطويل والطموح".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.

اترك تعليقاً () تعليقات