اهم انجازين القرن العشرين، نظرية أينشتين للنسبية العامة وميكانيك الكم اللتان قامتا بتغيير نظرتنا ومكاننا في الكون للأبد!
ولكن تبقيان منفصلتين عن بعضهما، فالنسبية العامة تصف الظواهر الكبيرة (الماكروية)، بينما تصف ميكانيك الكم الظواهر الصغيرة (الميكروية). يبدو أن هاتين النظريتين لا تتفقان، بالرغم من محاولات أجيال من الفيزيائيين النظريين -بينهم أينشتين نفسه-التوفيق بينهما.
اليوم، يقوم فيزيائي واحد بشرح نقطة صلة، حيث يبين أن أحد الظواهر الكمومية التي تُعرف بالتشابك الكمومي (Quantum Entanglment) لها تأثير على الحقل الثقالي (Gravitational Field)، في ورقة تعد الأولى التي تُظهِر هذا النوع من الترابط بين النظريتين.
يقول ديفيد بروشي (David Bruschi) من الجامعة العبرية في القدس أن هذه النتيجة الجديدة لها آثار على كل من النسبية العامة وميكانيك الكم، وربما تكون خطوة اتجاه التوحيد بينهما وإيجاد نظرية تصف كل الظواهر.
فكرة بروشي بسيطة من حيث المبدأ، فهي تعتمد على ظاهرة كمومية معروفة؛ وهي تواجد جسيمين كموميين في مكانين مختلفين في الوقت عينه، والتي تعتمد على مبدأ التشابك الكمومي بين الموقعين، وهو مبدأ راسخ رياضياً في ميكانيك الكم. وتكمن فكرة بروشي الجديدة في إعادة صياغة تلك الظاهرة باستخدام رياضيات النسبية العامة، بدايةً يُفترض رياضياً حدوث "اضطراب" في الحقل الثقالي في هذه الظروف.
ثم قام ببناء الصياغة الرياضية لخصائص هذا الاضطراب وكيف يتطور مع الزمن، آخذاً حالات مختلفة من التشابك الكمومي. مثل التشابك الأقصى بين الموقعين (Maximal Entanglement) والحالة القصوى المعاكسة له؛ والتي تُعرف بالحالة المختلطة (Maximally mixed state). ووجِدَ أن الاضطراب يساوي صفر في الحالة المختلطة، أما في الحالات الأخرى فإن الاضطراب ينتشر في الفراغ بمقدار متوافق مع طاقة الجملة الكمومية وزمن التشابك الكمومي.
هذا النوع من الاضطراب مشابه رياضياً للموجات الثقالية ولكن على مستوى أصغر بكثير. ويمكن التفكير به على أنه كتلة مضافة لكتلة الجسيم الكمومي -في حالة التشابك- والتي يمكن قياسها من حيث المبدأ.
وبالفعل قام بروشي بعمل حسابات مبدئية لمقدار الكتلة المضافة لجسيم كمومي متل الإلكترون، والحسابات ليست مثيرة البتة. بالنسبة لجسيم مثل الإلكترون ذو كتلة من رتبة 10^-31Kg ، فإن مقدار الزيادة المتوقعة لا يتجاوز جزءً من 10^-37 kg وهي كتلة بالغة الصِغَر.
ولكن يشير بروشي إلى طُرق يمكننا من خلالها زيادة الأثر، منها استخدام جسيمات ذات كتلة أعلى، تنتقل بسرعة تقارَن بسرعة الضوء (سرعة نسبية). والطريقة التي تبدو واعدة أكثر هي استخدام عدة جسيمات جميعها متشابكة كمومياً وهي ظاهرة معروفة باسم حالة نون (NooN).
قام الفيزيائيون من قبل بعمل تشابك كمومي لعدة جسيمات، منشئين ظاهرة تعرف بحالات (نون) والتي تَمَكّن العلماء من تحقيقها مع 5 فوتونات ومشابكتهم كمومياً، بالتالي ليس من الصعب تصور احتمالية وجود حالات مشابهة مع جسيمات أثقل.
لا تكمن أهمية الورقة في كونها تقدم نتائج قابلة للاختبار قريباً، بل بمجرد كونها تطرح احتمالية وجود هذه الظاهرة من الأساس.
يبدو بروشي متفائلاً جداً بخصوص هذه النظرية، فحسب اعتقاده ستكون إحدى الخطوات الهامة في مجال توحيد النسبية العامة مع ميكانيك الكم. فأي نظرية للجاذبية الكمومية يجب أن تضمن هذه الظاهرة وتأخذها بعين الاعتبار. هذا سيساهم بإزالة التباينات النظرية الناشئة في الجاذبية الكمومية، مرشداً بذلك علماء نظريين آخرين يعملون في هذا المجال.
بالطبع رصد هذا التأثير تجريبياً سيكون إنجازاً تاريخياً. ولكن هل هذا ممكن ضمن تقنياتنا الحالية؟ أو حتى هل سيكون في متناولنا بالمستقبل القريب؟ هذا السؤال سيجعل العلماء النظريين والتجريبيين يفكرون به لفترة من الزمن.