جمع العلماء مزدوجات الأرجل من خندق ماريانا وخنادق أخرى في المياه البحرية العميقة، ليجدوا أليافاً من صنع الإنسان في أحشائها. حقوق الصورة: جامعة نيوكاسل Newcastle University
لم تفلت أي بقعة من المحيط من انهمار التلوث البلاستيكي، بما فيها قعر خندق ماريانا، فقد توصلت دراسة جديدة إلى أن أحشاء القشريات التي تأوي إلى قعر هذا الخندق ذي العمق البالغ 36,000 قدم (10,970 متراً) تحتوي جزيئات بلاستيكية دقيقة Microplastics. كما لم تخل بحسب الباحثين أيٌّ من الخنادق الستة العميقة المدروسة في المحيط الهادئ من التلوث البلاستيكي.
يقول المؤلف الرئيس للبحث وعالم البيئة البحرية في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة آلان جاميسون Alan Jamieson في بيان له: "إن النفايات التي يُتخلص منها في المحيطات ستجرف لتعود في النهاية إلى الشاطئ أو تغرق إلى المياه العميقة، ولا توجد خيارات أخرى".
تلوث المياه العميقة
موّلت حملة Sky Ocean Rescue لمكافحة تلوث المحيطات التابعة للشركة الأوروبية للبث والترفيه هذا البحث، ونشرته. ونشر جاميسون وفريقه في شباط/فبراير في مجلة Nature Evolution and Ecology أن الخنادق العميقة ملوّثة بمركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)، ومركبات إيثر ثنائي الفينيل متعدد البروم (PBDEs). مركبات PCBs هي مواد كيميائية شمعية أو زيتية تستخدم في صناعات عديدة، لكنها حُظرت منذ عام 1979 بسبب المخاوف المتعلقة بسميتها. كما حُظِرت العديد من مركبات PBDEs، التي تستخدم كمثبطات للهب بعد المخاوف من قدرتها على تعطيل عمل الأجهزة التناسلية والمناعية والعصبية.
وجد جاميسون وفريقه هذين الملوثين في قشريات على عمق 32,800 قدم (10,000 متر) ضمن خندق كيرماديك، وعلى عمق أقلّ في خندق ماريانا جنوب المحيط الهادئ عند 33,600 قدم (10,250 متراً).
وأضاف جاميسون أنه بعد أن خرجت هذه الدراسة كان لدى الفريق تساؤلات كثيرة حول الملوثات البلاستيكية في هذه الخنادق لذلك قرروا تقصي الأمر. قال جاميسون: "كانت النتائج فوريّة ومذهلة. يتطلب هذا النوع من العمل حجماً كبيراً من مراقبة التلوث، لكن هناك حالات تظهر فيها الألياف البلاستيكية بوضوح في محتويات المعدة عند إزالتها منها".
التلوث المتراكم
استخدم الباحثون مصائد أرضية في المياه العميقة والتي تسقط إلى قاع الخنادق الأعمق حاملة معها كاميرات ومصائد مزودة بالطعام لجذب الكائنات البحرية. وبعد أن يدفع الحيوان المصيدة، فإنها ترمي ثقلها تلقائياً لتطفو إلى السطح حيث تُلتقط من السفينة البحثية.
لم يجد الباحثون أياً من الخنادق الستة التي أخذت منها العينات خالياً من البلاستيك، وهي خنادق ماريانا، واليابان، وإيزو بونين، وبيرو، وتشيلي، وهبريدس الجديدة، وكيرماديك. اختبر الفريق 90 قشريّة من جميع الخنادق. وُجِد المستوى الأدنى للتلوث في خندق هبريدس الجديدة في جنوب غرب المحيط الهادئ، حيث احتوت أحشاء نصف الحيوانات التي أخذت كعيّنات البلاستيك، بينما وُجِد المستوى الأعلى في خندق ماريانا، حيث كانت كل الحيوانات المختبرة ملوّثة.
من بين القطع الصغيرة من البلاستيك التي وجدت في أحشاء الحيوانات أليافٌ من مثل الرايون، واللايوسل، والرامي، والنايلون، بالإضافة إلى البولي إيثيلين، والبولي أميد، والبولي فينيلات. البولي إيثيلين هو البلاستيك المستخدم لصنع الأكياس البلاستيكية المستخدمة في البقالة، والزجاجات البلاستيكية. يستخدم البولي أميد في الألياف الاصطناعية. وتشمل البولي فينيلات البولي فينيل كلورايد (PVC) وهو بلاستيك يستخدم في كل شيء بدءاً من الأنابيب وصولاً إلى العزل وبطاقات الائتمان.
تعوم في البحر نحو 5 مليارات قطعة بلاستيكية، وتزن أكثر من 250,000 طن (227,000 طن متري) بحسب دراسة أجريت في عام 2014. ووفقاً لدراسة نشرت في حزيران/يونيو عام 2017، فإن الأنهار لوحدها تفرّغ سنويّاً 2.4 مليون طن (2.2 مليون طن متري) من البلاستيك ضمن المحيط، و 86% من هذا التلوث البلاستيكي مصدره أنهارُ آسيا، كما يدخل البلاستيك إلى المحيط من خلال القمامة التي تُرمى قرب الشواطئ أو التي تحملها الرياح نحو السواحل.
قال جاميسون إن الكائنات الحية في المياه العميقة تحصل على غذائها من قطع الطعام الصغيرة التي تنجرف للأسفل نحو المياه العميقة، وعندما تنضم فتات البلاستيك الصغيرة إلى تلك القطع تستهلكها أيضاً. وتابع: "إن هذه الأرصاد هي سجل لأكثر عمق ممكن ظهور الجزيئات البلاستيكية الدقيقة فيه وابتلاعها، وهو ما يشير لاحتمالية كبيرة لعدم وجود أي نظم بيئية بحرية لم تتأثر بمخلفات بشرية".