علماء يعثرون على أسطع المجرات القديمة وربما على الجيل الأول من النجوم

توضح الصورة: باستخدامهم لكل من مرصد دبليو إم كيك، والتلسكوب الضخم التابع لـ ESO وتلسكوب سوبارو، وتلسكوب هابل الفضائي، تمكن الفلكيون من اكتشاف أسطع مجرة حتى الآن في المراحل الأولى من عمر الكون، كما عثروا على دلائل قوية تشير إلى وجود نماذج من نجوم الجيل الأول بداخل هذه المجرة. لقد شكلت هذه الأجرام الساطعة الهائلة، والتي كانت مجرد أجرام نظرية صرفة، مهداً لولادة أول العناصر الثقيلة في التاريخ، وهي العناصر التي كانت ضرورية لتشكل النجوم المحيطة بنا اليوم، والكواكب التي تدور حولها، والحياة كما نعرفها. وهذه المجرة المكتشفة حديثاً، والتي سميت بـ CR7، هي أكثر سطوعاً بثلاث مرات من أسطع المجرات البعيدة التي اكتشفت حتى الآن.



استعان الفلكيون بمجموعة من أكبر التلسكوبات الأرضية والفضائية لاكتشاف أسطع مجرة تم العثور عليها حتى الآن في بداية الكون. ويمتلك العلماء دلائل قوية تشير إلى وجود نماذج من الجيل الأول من النجوم ضمن هذه المجرة. وقد تم قبول النتائج للنشر في مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal.

أجرى الفريق هذه الدراسة الكبيرة بواسطة تلسكوب (W.M. Keck) ذي العشرة أمتار، وتلسكوب "سوبارو" الفضائي الضخم التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بمرآته التي يبلغ قطرها 8.2 متراً، بالإضافة إلى تلسكوب هابل الفضائي التابع لــ NASA/ESA. وقد اكتشف الفريق عدداً من المجرات الشابة للغاية ذات السطوع المذهل، كما أكدت اكتشافات سابقة لعدد آخر منها.

قاد الفريق "ديفيد سوبرال" David Sobral من معهد الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء، كلية العلوم التابعة لجامعة ليزبون في البرتغال، ومرصد "لايدن" في هولندا. وقد أمعن الفريق النظر في أعماق الكون القديم، رجوعاً إلى مرحلة عودة التأين (reionization) التي حدثت بعد الانفجار العظيم بحوالي 800 مليون سنة فقط. وعوضاً عن إجراء دراسة ضيقة وعميقة لمساحة ضيقة من السماء، فقد وسع الفريق أرصاده ليحصل على أوسع مسح أجري حتى الآن للمجرات البعيدة. 

افترض العلماء ولفترة طويلة وجود نجوم الجيل الأول التي تدعى بنجوم المجموعة III ، التي ولدت من المادة الابتدائية المتولدة عن الانفجار العظيم. وقد وُلدت جميع العناصر الكيميائية الأثقل الأساسية للحياة "والتي تشمل الأوكسجين والنيتروجين والكربون والحديد" في قلب هذه النجوم. وهذا يعني أن النجوم الأولى يجب أن تكون قد تشكلت فقط من العناصر الأولى التي كانت موجودة قبل النجوم، ألا وهي الهيدروجين، والهليوم، بالإضافة إلى آثار زهيدة من الليثيوم.

وقد شكلت هذه الأجرام الثقيلة الساطعة، والتي كانت في الماضي مجرد فكرة نظرية بحتة، مهداً لتشكل العناصر الثقيلة الأولى في التاريخ، وهي العناصر التي أصبحت ضرورية لتشكل النجوم من حولنا اليوم، الكواكب التي تدور حولها، والحياة كما نعرفها. وتعتبر المجرة المكتشفة حديثاً، والتي دعيت CR7، أسطع بثلاث مرات من أسطع المجرات البعيدة المعروفة حتى الآن.

ويفترض العلماء أن هذه النجوم التي تنتمي إلى المجموعة III هي نجوم هائلة، حيث تفوق كتلتها كتلة الشمس بمئات أو حتى آلاف المرات، وهي تلتهب بشكل هائل وسريع، وتنفجر كمستعرات عظمى (supernovae) بعد حوالي مليوني سنة فقط. ولكن البحث عن الدلائل الفيزيائية لوجود مثل هذه النجوم لم يكن ناجعاً حتى الآن.

وبالإضافة إلى أن CR7 تشكل أسطع المجرات التي تم رصدها حتى اليوم في هذه المرحلة من عمر الكون، فإن إجراء المزيد من الأبحاث قد كشف عن أخبار إضافية مثيرة.

يقول سوبرال: "لقد كان تلسكوب كيك هاماً للغاية في التأكيد الطيفي لطبيعة هذه الأجرام البعيدة الأكثر سطوعاً، بما في ذلك المجرة الأسطع CR7. ومن المؤثر أن التلسكوب كيك II المزود بأداة DEIMOS قد تمكن من تأكيد CR7 طيفاً خلال 15 دقيقة، على الرغم من أن المجرة تقبع على مسافة 13 مليار سنة ضوئية عنا". وقد استخدمت الأداتان X-shooter وSINFONI في التلسكوب الضخم للعثور على إصدارات الهليوم المؤين القوية في CR7، ولكن المفاجئ والمصيري في آن معاً، أنه لم يتم العثور على أي من العناصر الثقيلة في المنطقة الساطعة في المجرة. ويعني ذلك أن الفريق قد اكتشف أول الدلائل القوية على وجود الحشود النجمية التي تضم نجوم المجموعة III ذات الغاز المتأين ضمن مجرة في بداية عمر الكون.

ويتابع سوبرال قائلاً: "لقد غير هذا الاكتشاف توقعاتنا حول النجوم، فلم نكن نتوقع العثور على مثل هذه المجرة الساطعة. وبعد ذلك، ومن خلال كشف النقاب عن تفاصيل المجرة CR7 جزءاً بعد جزء، فقد فهمنا أننا لم نعثر على أسطع المجرات البعيدة فحسب، بل إننا بدأنا كذلك ندرك بأنها تبدي جميع الخصائص المتوقعة لنجوم المجموعة III. وهذه النجوم هي التي صنعت أول الذرات الثقيلة، والتي سمحت في النهاية بوجودنا هنا. ولا يمكن للموضوع أن يكون أكثر إثارة!".

وقد تم العثور كذلك على حشود أكثر زرقة أو أكثر حمرة من النجوم ضمن المجرة CR7، مما يشير إلى أن تشكل نجوم المجموعة III قد حدث على مراحل، كما تنبأ العلماء. وما رصده العلماء كان في الواقع المرحلة الأخيرة من نجوم المجموعة III، مما يشير إلى أن العثور على مثل هذه النجوم ربما كان أكثر سهولة مما كان يعتقد سابقاً، فهي تقبع بين نجوم نظامية في مجرات أسطع، وليس فقط في المجرات الأولى الأصغر حجماً والأقل سطوعاً، والتي تعتبر من العتامة بحيث تصعب دراستها للغاية. 

يقول جوريت ماتيه Jorryt Matthee الباحث الثاني في الدراسة: "كنت أتساءل دائماً من أين أتينا. وحتى حين كنت طفلاً فقد كنت أرغب بمعرفة المصدر الذي جاءت منه العناصر: الكالسيوم الموجود في عظامي، والكربون الموجود في عضلاتي، والحديد الموجود في دمي. وقد اكتشفت أن هذه العناصر قد تشكلت لأول مرة في بداية عمر الكون، وذلك في الجيل الأول من النجوم. ومن الواضح أننا قد بدأنا مع تحقيق هذا الاكتشاف برؤية مثل هذه الأجرام للمرة الأولى".

ويخطط العلماء لإجراء المزيد من الأرصاد بواسطة التلسكوب الضخم ALMA، وتلسكوب هابل الفضائي لتأكيد اكتشاف نجوم المجموعة III بما لا يقبل الشك، وللبحث عن أمثلة مشابهة أخرى وتحديدها.

يعمل مرصد W.M.Keck على تشغيل أكبر التلسكوبات على الأرض وأكثرها إنتاجية من الناحية العلمية. ويحتوي التلسكوبان الموجودان على قيمة جبل Mauna Kea في جزيرة هاواي، واللذان يعملان بالأشعة البصرية والأشعة تحت الحمراء، على مجموعة من الأدوات المتقدمة التي تشمل الكاميرات ومقاييس الطيف متعددة الأجرام ومقاييس الطيف ذات الدقة العالية ومقاييس الطيف للحقول التكاملية والأنظمة البصرية التكيفية الأفضل في العالم لغايات التوجيه النجمي بالليزر.

كما أن أداة (DEIMOS) "مقياس طيف الأجرام المتعددة البعيدة" تتميز بأكبر حقل رؤية على الإطلاق مقارنة بجميع أدوات "كيك" (16.7 درجة قوسية × 5 درجات قوسية) وأكبر عدد من البيكسلات (64 ميغا بيكسل). وهو يستخدم بشكل رئيسي في طور الأجرام المتعددة، مما يتيح الحصول على طيف 130 مجرة أو نجم في الوقت نفسه. ويدرس الفلكيون حقل المجرات البعيدة بواسطة DEIMOS، مما يساعد على استكشاف أبعد أركان الكون بحساسية عالية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات