دليل يشير إلى أن الجسيمات تحت الذرية قد تمثل تحدياً للنموذج القياسي

في عرض هذا الحدث من تجربة LHCb في مصادم الهادرون الكبير بسيرن CERN، يؤدي ارتطام الـ "بروتون-بروتون" عند نقطة التفاعل (إلى أقصى اليسار) إلى وابل من الليبتونات والجسيمات المشحونة الأخرى. الخطوط الصفراء والخضراء هي إعادة بناء مولدة حاسوبياً لمسارات الجسيمات خلال طبقات كاشف الـ LHCb.


حقوق الصورة: CERN/LHCb Collaboration


إن النموذج القياسي (المعياري) (standard model) لفيزياء الجسيمات، والذي يفسر معظم السلوكيات والتفاعلات المعروفة للجسيمات تحت الذرية الأساسية، ظل متماسكاً بشكلٍ ملحوظ على مدى عدة عقود. إلا أن هذه النظرية بعيدة المدى تعاني من بعض أوجه القصور ولعل أبرزها أنها لم تستطع تفسير الجاذبية. وقد سعى علماء الفيزياء، وهم مدفوعون بالأمل في الكشف عن جسيمات وقوى جديدة غير قياسية، للبحث عن ظروف وسلوكيات تنتهك النموذج القياسي بشكل مباشر.

أما الآن، فقد وجد فريق من علماء الفيزياء، الذين يعملون في مصادم الهادرون الكبير (LHC) بسيرن CERN، إشاراتٍ جديدة لجسيمات الليبتونات -بتعبير أدق-، تُعالج بطرق غريبة لم يتنبأ بها النموذج القياسي. هذا الاكتشاف، الذي من المقرر نشره في عدد 4 سبتمبر/أيلول 2015 من journal Physical Review Letters، قد يَثبُتَ أنه مقدمة معتبرة في البحث عن الظواهر غير القياسية.

هذا وقد قام الفريق، الذي يضم علماء في الفيزياء من جامعة ماريلاند، ممن قدموا مساهمات رئيسية في الدراسة، بتحليل البيانات التي جمعها كاشف LHCb خلال جولة العمل الأولى لـ LHC في ديسمبر/كانون الأول 2011. وقد رصد الباحثون تفتت الميزون B، وهي عمليات تُنتج جسميات أخف، من ضمنها نوعان من الليبتونات: "ليبتون تاو" (tau lepton) والـ "ميون" (the muon). وخلافاً لابن عمهما الليبتون المستقر، الإلكترون، فإن ليبتون تاو والميون على درجة عالية من عدم الاستقرار ويضمحلان سريعاً في غضون جزء من الثانية.

وفقاً لأحد مفاهيم النموذج القياسي المسمى "كونية الليبتونات" (lepton universality)، والذي يفترض أن الليبتونات تُعامل بالتساوي من قبل كل القوى الأساسية، فإن اضمحلال ليبتون تاو والميون يجب أن يحدث بنفس المعدل، إلا أنه ما أن صُححا من أجل فرق الكتلة بينهما، حتى وجد الفريق فرقاً صغيراً، ولكن ملحوظاً، في المعدلات المتوقعة للاضمحلال، مما يشير إلى أن احتمال تدخل قوى أو جسيمات لم تُكتشف بعد في هذه العملية.

يصرّح حسن جواهري Hassan Jawahery، الباحث المشارك في الدراسة وقائد فريق UMD، وهو أستاذ الفيزياء المتميز وحاصل على أستاذية جوس تي سورن Gus T. Zorn لدى UMD: "يقول النموذج القياسي أن العالم يتفاعل مع كل الليبتونات بنفس الطريقة، هنالك ديمقراطية هنا. ولكن ليس هناك ما يضمن أن هذا الأمر سيصمد إذا اكتشفنا جسيمات أو قوى جديدة"، ويضيف حسن: "إن كونية الليبتونات مقدسة حقاً في النموذج القياسي، وإذا ما كسرت هذه الكونية، فسيمكننا القول إننا عثرنا على دليل على وجود فيزياء غير قياسية".

تُعد نتيجة LHCb إضافة لنتائج سابقة عن اضمحلال الليبتون، مستمدة من تجربة بابار (BaBar experiment) في "مركز المسرع الخطي" (Linear Accelerator Center) بستانفورد، التي اقترحت انحرافاً مماثلاً عن توقعات النموذج القياسي. (وقد شارك فريق UMD في تجربة بابار منذ انطلاقها في العام 1990). وفي حين قد شملت كلتا التجربتين اضمحلال الميزونات B، فقد قاد اصطدام الإلكترون تجربة بابار، وقاد اصطدام البروتون ذو الطاقة الأعلى تجربة المصادم.

"لقد أجريت التجربتان في بيئتين مختلفتين تماماً، ولكنهما تعكسان النموذج المادي ذاته. وهذا التكرار يوفر اختباراً مستقلاً مهماً للمشاهدات"، كما بين براين هاملتون Brian Hamilton، الباحث المشارك في الدراسة، وهو باحث في الفيزياء لدى UMD. وأضاف براين: "إن الوزن المضاف للتجربتين هو المفتاح هنا. إذ أن هذا يقترح أن الأمر ليس مجرد تأثير أدائي، إنه يشير إلى فيزياء حقيقية".

كما أشار غريغور شيزرك Gregory Ciezarek، المؤلف المشارك، وهو عالم فيزياء لدى المعهد الوطني الهولندي للفيزياء تحت الذرية (NIKHEF): "على الرغم من أن هاتين النتيجتين مجتمعتين واعدتان جداً، إلا أن الظواهر المرصودة لن تعدَّ تحدياً حقيقياً للنموذج القياسي دون مزيد من التجارب للتحقق من مشاهداتنا".

كما قال جواهري: "إننا نخطط لنطاق من القياسات الأخرى. فتجربة LHCb تجمع مزيداً من البيانات خلال جولتها الثانية الآن، ونحن نعمل على ترقيات لكاشف LHCb في غضون السنوات القليلة المقبلة". ويضيف: "إذا ما تعززت هذه الظاهرة، فسيكون أمامنا عقود من العمل. إذ أنها قد توجه الفيزياء النظرية نحو طرق جديدة للنظر في الفيزياء القياسية وغير القياسية".

مع اكتشاف بوزون هيغز -وهو آخر القطع الرئيسية المفقودة من النموذج القياسي- خلال الجولة الأولى لـ LHC، فإن علماء الفيزياء يبحثون الآن عن ظواهر لا تتوافق مع توقعات النموذج القياسي. إن جواهري وزملاءه متحمسون للمستقبل، فيما يتحرك هذا المجال إلى وجهة مجهولة.

قال جواهري: "أي معرفة، من الآن فصاعداً، سوف تساعدنا على أن نعرف المزيد عن كيفية تطور الكون إلى هذه النقطة. على سبيل المثال، نحن نعلم أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة موجودتان، لكننا لا نعرف حتى الآن ماهيتهما أو كيف نفسرهما. وقد تكون نتيجتنا جزءاً من هذا اللغز". وأضاف: "إن استطعنا إثبات أن هناك جسيمات وتفاعلات مفقودة تتجاوز النموذج القياسي، فإنها قد تساعد في إتمام الصورة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات