النموذج القياسي في فيزياء الجسيمات قيد الاختبار مجدداً

 

ما هو الجديد في التشغيل الثاني للمصادم الهادروني الكبير؟


استمر أقوى مسرعات الجسيمات على الأرض في سبات على مدار العامين الماضيين. إلا أنه سيعمل قريبا جداً.

 

منذ إغلاقه في بدايات العام 2013، تعرض LHC وكواشفه للعديد من الإصلاحات وعمليات التحديث. عندما يعود هذا المسرع إلى العمل من جديد، سيقوم بصدم بروتونات عند طاقة غير مسبوقة، إذ ستقل إلى 13 تريليون الكترون فولط.

 

 بالعودة إلى العالم الماكروسكوبي، تُكافئ طاقة تصادمات بروتون-بروتون هذه قيام تفاحة بصدم القمر إلى درجة كافية لإحداث فوهة فوق سطحه بعرض 6 ميل. ستُقدم القدرات المطورة لكل من كواشف  ATLAS، و CMS، و ALICE، وLHCb، للعلماء قدرة الوصول إلى واقع فيزيائي لم يكن متاحاً في السابق.

 

 إلى بوزون هيغز، وما بعده!


في أول تشغيل لـ LHC، ستُنهي تجارب ATLAS وCMS رحلة خمسون عاماً من البحث عن بوزون هيغز، الذي يتنبأ به النموذج القياسي للجسيمات والقوى، إذ يُريد العلماء الآن معرفة فيما إذا كان بوزون هيغز، الذي وجدوه، يُخفي مفاجأة.

 

يقول غي هوسر  (Jay Hauser)، من جامعة كاليفورنيا بلوس انجلس، وهو عالم فيزياء يعمل في تجربة  CMS: "تنبأ النموذج القياسي بكل خواص بوزون هيغز، ولذلك ينص عملنا على قياس تلك الخواص ورؤية مدى تطابقها مع التنبؤات. إذا ما حصل تناقض ما، فقد يُمثل نافذة على فيزياء جديدة".

 

لأن بوزون هيغز يُحب الكتلة، يشتبه العلماء بإمكانية تفاعله مع مجال متنوع من الجسيمات المختفية ذات الكتلة، والتي لا يُمكننا رؤيتها، ويشمل ذلك المادة المظلمة. إذا ما كان بوزون هيغز يرقص مع فيزياء ما غير معروفة، يجب أن يُشاهد العلماء أدلة على الطريقة التي يتصرف بها بوزون هيغز.

 

لكن حتى لو تطابق بوزون هيغز مع التنبؤات، سيبقى شيء ما يتعلق به غامضاً قليلاً. تقول بيت هاينمان (Beate Heinemann)، عالم فيزياء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومن مختبر لورانس الوطني وهو نائب مدير تجربة  ATLAS:"كتلة بوزون هيغز غير منطقية. سيكون الأمر أكثر منطقيةً لو كان هيغز أثقل، ولذلك نعتقد باستمرار وجود شيء ما لايزال يحمي بوزون هيغز ويُعطيه كتلة أقل".

 

قد يكون هذا الحارس الشخصي لهيغز أي شيء، انطلاقاً من جسيمات فائقة التناظر ووصولاً إلى جسيمات المادة المظلمة، أو حتى الأبعاد الإضافية. يقول هاينمان: "لدينا بضعة ألغاز. نعتقد بوجوب وجود فيزياء جديدة عند هذا السلم الطاقي، لكننا لا نعرف طبيعتها حتى الآن".

 

• العودة به إلى الانفجار العظيم


لدى علماء تجربة ALICE وجهات نظر خاصة بما يتعلق بأمور أخرى. في البداية، كان كامل الكون –كل النجوم والكواكب والمجرات –جزءاً من حساء ساخن من مادة تُعرف ببلازما الغلوون-الكوارك  (quark gluon plasma).

 

يستطيع LHC إعادة خلق تلك الظروف عند مقياسٍ أصغر، ويُنجز هذا الأمر عبر صدم أشعة من النوى الذرية الثقيلة، وهو ما يقوم به لأربعة أسابيع في كل عام. ويتخصص كاشف ALICE في دراسة خواص هذه المادة البدائية.

 

يقول بيتر جاكوبز  (Peter Jacobs)، عالم فيزياء من جامعة بيركلي ويعمل في تجربة ALICE:"بلازما الغلوون-الكوارك ساخنة إلى درجة أن البروتونات والنيوترونات العادية لا يُمكنها الوجود فيها. تتحرك الغلوونات والكواركات في هذه البلازما، وتتفاعل بطرق جديدة لم نراها سابقاً. إنه نوع جديدة من المادة، ونريد معرفة كيفية تصرف هذه المادة، وما هي خواصها –مثل بنيتها، وكيف تتصرف عند درجات الحرارة المختلفة".

 

في أول تشغيل لـ LHC، كانت تجربة ALICE قادرة على توصيف العديد من جوانب هذه البلازما الغريبة شبه السائلة، وتضمن ذلك لزوجتها. يقول جاكوبز: "تتفاعل الكواركات والغلوونات بشكلٍ أكبر مما توقعناه، مما يوضح لنا أن بلازما الغلوون-الكوارك مشابهة للسائل أكثر من الغاز. في الواقع، هي تشابه سائل مثالي وفقاً لأقصى ما تسمح به الطبيعة من مثالية".

 

لكن لايزال هناك المزيد من أجل البحث والدراسة. يقول جاكوبز: "التشغيل الأول كان تشغيل الاكتشافات، وكنا قادرين على استكشاف العديد من الأشياء الجديدة، وتطوير الكثير من فضولنا. أثناء التشغيل الثاني، سنكون قادرين على اكتشاف فضولنا المطور بشكلٍ أكثر عمقاً، وسنحصل على قيم كمية بدلاً من الوصف النوعي فقط".

 

 حالة المادة المضادة المفقودة


يشتبه العلماء بأن الانفجار العظيم لعب دور مصادم فائق كوني الحجم، وأدى إلى ظهور كميات متساوية من المادة والمادة المضادة إلى حيز الوجود. لكن أين ذهبت كل المادة المضادة؟تُعتبر تجربة LHCb واحد من بين أفضل المحققين في العالم في هذا المجال، وستبحث عن أدلة عن حالة اختفاء المادة المضادة.

 

يقول ميشيل ويليامز (Michael Williams)، عالم فيزياء من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ويعمل حالياً في تجربة LHCb:"يجب أن نكون بدأنا بكميات متساوية من المادة والمادة المضادة في الكون. لكن الآن، كل ما نراه هو المادة، ولا يوجد طريقة في النموذج القياسي تستطيع شرح هذا الاختفاء العملاق. يجب أن يكون هناك بعض الطرق الأخرى، التي يُمكن أن يختلف فيها سلوك كل من المادة والمادة المضادة".

 

من أجل الكشف عن أصل هذا الاختفاء العملاق، تتمتع تجربة LHCb بقياسات دقيقة للعمليات دون الذرية. سيقارن علماء التجربة تنبؤات النموذج القياسي مع المراقبات التجريبية بهدف معرفة مدى تطابقهما. حتى الآن، كان من الصعب جداً تحطيم النموذج القياسي. لكن يعتقد ويليامز بأن زيادة دقة هذه القياسات قد تبدأ بجعلنا نشاهد مكان الصدوع.

 

يقول ويليامز: "لن تعرف أبداً فيما إذا كنت موجوداً على حافة صناعة اكتشاف جديد. في التشغيل الثاني، سنسبر الكثير من العمليات بدقة أعلى بكثير، وقد يكشف هذا عن شيء ما غير مستكشف في النموذج القياسي".

 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات