لمَ لكل مغناطيس قطبان؟
من بين كل المعضلات التي يسعى الفيزيائيون النظريون لتحرّيها، فإن معضلة أحادي القطب المغناطيسي (magnetic monopole) -أي مغناطيس بقطب واحد فقط- هي إحدى أكثر الأشياء المثيرة والمربكة.
فعند مقارنته ببوزون هيغز (Higgs boson) من حيث أثره المحتمل على الفيزياء الحديثة، نجد أن فكرة أحادي القطب المغناطيسي موجودة في أذهان العلماء منذ فترة أطول منه، لكن الآن فرصتنا الوحيدة لإيجاده قد اتخذت منحىً غريباً، وذلك عندما أصبحت ظاهرتان تشبه كلٌّ منهما أحادي القطب المغناطيسي ظاهرةً واحدة.
إذا لم تسمع قط بأحادي القطب المغناطيسي، فهو جسيم افتراضي تنبأت به فيزياء الكم منذ فترة طويلة، ولكن لم يتمكن أحد من إثبات وجوده، وهذا كان يسبب مشكلة، بالنسبة لبعض العلماء على الأقل؛ لأن عدم وجود أحاديات القطب المغناطيسية كان يخلّ بفهمنا للكون ومقدار تناظره في الحقيقة.
هناك أربع قوى رئيسة تحكم الكون: القوة الثقالية gravitational force، والقوة الكهرطيسية electromagnetic force، والقوة النووية الضعيفة weak nuclear force، والقوة النووية الشديدة strong nuclear force. إن كلّاً من الكهرباء والمغناطيسية مسؤولتان عن القوة الكهرومغناطيسية، لكنهما ليستا مقترنتين ذلك الاقتران المثالي كما قد تعتقد.
جميعنا يعلم أن للمغناطيس قطبٌ شمالي وقطبٌ جنوبي، ولكن الغريب في الأمر أنك إذا قطعت مغناطيساً من المنتصف، فإن كل قطعة ستحتوي على قطبين أيضاً. ويمكنك أن تقطع المغناطيس من المنتصف مرات عديدة حتى تصل إلى المستوى الذري، وسوف تحصل دائماً في كل قطعة ناتجة على قطبين (ثنائي القطب dipole) بدلاً من واحد (أحادي القطب monopole).
حتى الآن، لم يسبق لأي شخص العثور على أحادي قطب مغناطيسي في الطبيعة، لم نجد قط المغناطيس الذي هو فعلاً الشمال أو فعلاً الجنوب. وهذا أمر غريب؛ لأن أحاديات القطب الكهربائية -التي يشار إليها عادةً باسم الشحنات الكهربائية- شائعة التواجد.
وهناك أيضاً تلك الحقيقة التي تقول إن المعادلات الأساسية التي تصف طبيعة الكهرومغناطيسية electromagnetism متناظرة في كيفية التعامل مع الكهرباء والمغناطيسية، لذلك إذا كان مجموع تلك الأجزاء متناظراً، فكيف يمكن للأجزاء أن تكون غير متناظرة؟
يقول تمير دانجر يوليوس T’Mir Danger Jukius عالم فيزياء الجسيمات الأسترالي من جامعة سوينبورن للتكنولوجيا شارحاً: "توجد أحاديات القطب الكهربائية electric monopoles على شكل جسيمات تحمل شحنة موجبة أو سالبة مثل البروتونات أو الإلكترونات، وفي حين أنه من الممكن إيجاد أحاديات القطب الكهربائية على شكل جسيمات مشحونة، إلا أننا لم نلاحظ أحادي القطب المغناطيسي قط".
في ثلاثينيات القرن الماضي، اقترح الفيزيائي النظري بول ديراك Paul Dirac وجود جسيم أحادي قطب مغناطيسي في الطبيعة، واستغرق العلماء أكثر من 80 عاماً لإنشاء جسيم اصطناعي في المختبر. في عام 2014، أعلن فريق من كلية أمهرست في ماساتشوستس وجامعة آلتو في فنلندا أنهم استنسخوا ما تنبأ به ديراك في المختبر، ألا وهو أحادي قطب ديراك الصنعي، وكان إنجازاً كبيراً، ومع أن هذا أثبت إمكانية وجود مثل هذه الجسيمات في الكون، إلا أننا ما زلنا بعيدين عن اكتشاف ما إذا كانت موجودة بالفعل. وأشار الفريق إلى أحادي القطب لديراك على أنه نظير (analogue) لأحادي القطب المغناطيسي، وهذا يعني أنه مماثل له، ولكنه ليس ذاته.
في السنة التالية، وجد الفريق نظير أحادي قطب آخر، وهو أحادي قطب كمي quantum monopole. وقد وجد الفريق أن كل نظير يبدي نوعية مختلفة من أحادي القطب المغناطيسي المفترض ويشرحون ذلك بقولهم: "وبينما تحاكي تجربة أحادي قطب ديراك حركةَ جسيمٍ مشحون في محيط حقل مغناطيسي أحادي القطب، فإن القطب الأحادي الكمي له بنية شبيهة بنقطة في مجاله الخاص تشبه بنية جسيمات أحادي القطب المغناطيسي نفسها".
ولنتابع رحلة الزمن إلى الآن، لا يزال الباحثون ذاتهم يعملون مع تلك النظائر، ووجدوا شيئاً غير متوقع، يمكن لأي منها أن يتحول تلقائياً إلى الآخر في أقل من ثانية.
إن التجربة تقنية جداً، ولكن من حيث المصطلحات الأساسية، استخدم الفريق غازاً مخففاً للغاية من ذرات الروبيديوم المبردة عند درجة قرب الصفر المطلق، وعند تلك النقطة شكلت مكثفات بوز-آينشتاين Bose-Einstein حالة من المادة تتصرف فيها الذرات مثل الأمواج، وفي هذه الحالة غير المغناطيسية أنشأ الباحثون أحادي القطب الكمي خاصتهم.
يقول الفريق: "إن أحادي القطب الكمّي هو ما يسمى بعيوب النقطة الطوبولوجية (topological point defect)، أي نقطة واحدة في الفضاء محاطة ببنية في حالة المكثفات غير المغناطيسية التي لا يمكن إزالتها عن طريق إعادة التشكيل المستمر".
ثم بدؤوا تدريجياً بمغنطة النظام لمعرفة ما سيحدث بمجرد انتقاله إلى حالة مُمَغنَطة، ووجدوا أنه لم يُدَمِّر أحادي القطب الكمّي فحسب، بل أنتج أحاديات قطب ديراك أثناء ذلك، ويمكنك رؤيتها في الصورة، فإلى اليسار ستجد أحادي القطب الكمي، وإلى اليمين ستجد أحادي قطب ديراك. حيث تمثل الألوان اتجاه الحالة المغناطيسية الداخلية للذرات، ويتوافق السطوع مع كثافة الجسيم.
يقول ميكو موتونين Mikko Möttönen من جامعة آلتو: "كنت أقفز في الهواء عندما رأيت للمرة الأولى أننا نحصل على أحادي قطب ديراك من التحلل، هذا الاكتشاف يربط بشكل جيد بين أحاديات القطب التي كنا ننتجها على مرّ السنين".
أما ماذا يعني ذلك لبحثهم عن أحادي القطب المغناطيسي الحقيقي فليس واضحاً بعد، إلا أن لدى الباحثين الآن دليل محير حول أين يمكن أن يلتقي نوعان من النظائر في الوسط ليشبها أحادي قطب مغناطيسي حقيقياً بشكل أوثق.
وإذا أمكننا إيجاد أحادي القطب المغناطيسي –مثل المادة المظلمة المراوغة- فإن ذلك سيفتح الباب لعالم جديد كلياً من الفيزياء، وقد اقترب هؤلاء الباحثون أكثر من أي شخص من معرفة كيفية سد بعض الثغرات الكبيرة في فهمنا للكون.