قياس المبدأ التطوري

فهد يطارد غزال. يستطيع الاصطفاء تفسير لماذا يجري الفهد بشكل سريع - الفهود السريعة تستطيع اصطياد فرائسها لتطعم صغاره.
حقوق الصورة : © Prazis / Fotolia


يعتبر اختلاف في الأفضلية مقداره جزء واحد بالمئة كافيًا للاصطفاء بين الفائزين والخاسرين في التطور. هذا وقد تمكن الباحثون لأوَّل مرة من تقدير كمية قوى الاصطفاء الصغيرة التي تقوم بصياغة العوامل الوراثية للبكتيريا، وتم نشر هذا البحث في مجلة PLoS Genetics.

قدمت نظرية داروين في التطوُّر مفهوم "البقاء للأصلح"، ففي كل جيل يتم اصطفاء الأفراد "الأصلح"، وتعتبر هذه قوى رئيسية تعمل على رسم معالم العالم الحيوي الذي نراه اليوم. حيث يستطيع الاصطفاء تفسير لماذا يجري الفهد بشكل سريع- فالفهود السريعة تستطيع اصطياد فرائسها لتطعم صغارها. الفهود التي لا تجري بسرعة تحصل على طعام أقل، وبالتالي، القليل من صغارها يتمكن من البقاء حيًا. يعمل الاصطفاء مع الزمن على استبعاد الفهود التي لا تستطيع الجري بسرعة كافية. ولكن، ما هو مقدار السرعة التي تعتبر سرعة كافية، وهل يجب أن يكون الفرق بين السرعات كبيرًا ليكون الاصطفاء فعالًا؟ طرح هذا السؤال باحثان في جامعة أبسالا Uppsala University، جيريت برانديس Gerrit Brandis وهو طالب دراسات عليا والبروفيسور ديارميد هوغز Diarmaid Hughes.

استخدم برانديس وهوغز السالمونيلا (Salmonella وهي بكتيريا تصيب الإنسان والحيوانات) لقياس قوة الاصطفاء التي تختار الأفراد الأصلح. تشابه السالمونيلا الحيوانات كالفهود في تنافسها من أجل الغذاء وفي كونها تتعرض لاصطفاء شديد أثناء استخدامها للغذاء لتنمو بسرعة أو بشكل أسرع من الأفراد الأخرى التي توجد في نفس بيئتها. ويختار التطورُ التنوعات الأصلح.


لكي تنمو البكتيريا، تقوم كجميع الكائنات الحية بترجمة شيفرتها الوراثية إلى أحماض أمينية، والتي ترتبط مع بعضها لتكوين البروتينات. سرعة هذه الترجمة تحدد سرعة نمو السالمونيلا. تعتبر ترجمة الشيفرة الوراثية واحدة من أقدم العمليات الحيوية، وقد خضعت للاصطفاء لمليارات السنين على الأرض.


تتميز الشيفرة الوراثية بالوفرة، وهذا يعني أنه يوجد العديد من الكودونات المختلفة (codon شيفرة من ثلاث نيكليوتيدات) التي يمكن ترجمتها إلى حمض أميني واحد. تتميز بعض الأحماض الأمينية بأنه يمكن استخدام ستة كودونات مختلفة لإنتاجها. تساءل براديس وهوغز فيما إذا كان استخدام كودون محدد دون غيره يُحدث فرقًا في تصنيع البروتين EF-Tu، وهو واحد من أهم البروتينات في السالمونيلا.


جرّب برانديس وهوغز الكثير من الكودونات المختلفة وأظهرا أنّ مجرد تبديل كودون واحد في المورّثة المسؤولة عن هذا البروتين بأي من الكودونات البديلة المرادفة قد يخفّض من أفضلية السالمونيلا. تُعد الكودونات التي تستخدمها السالمونيلا بشكل طبيعي هي الأفضل، وأي تغيير فيها يخفّض من أفضلية هذه البكتيريا. قام برانديس وهوغز بالتقدير الكمي لتغيرات الأفضلية الناتجة عن تبديل الكودونات لهذا البروتين. وسطياً، فإن تبديل كودون واحد يخفض أفضلية هذه البكتيريا بمعدل 0.01 لكل جيل. هذا التغيير الطفيف في الأفضلية يعتبر كبيرًا بما يكفي للتطور ليختار تسلسل الـ DNA الأصلح وهو يسبب ما يدعى "انحياز استخدام الكودونات" - والذي يعني الاستخدام الواسع لكودونات محددة لتصنيع بروتينات تتميز بقوة تعبير ظاهري عالية. ينتشر انحياز استخدام الكودونات تقريبا في جميع الكائنات سريعة النمو، بما فيها البكتيريا والخمائر التي تصيب الإنسان. صاغ التطور آلية الترجمة لديها بحيث تستطيع أن تنمو بأكبر سرعة وفعالية ممكنة - ليس بالضرورة أن يكون هذا جيدًا لنا نحن، بل يكفي أن يكون جيدًا لبقاء البكتريا والخمائر.


يقول ديارميد هوغز: "العبرة من ذلك أن التطور، الذي يعمل منذ مدة طويلة جداً (مئات ملايين السنين)، يستطيع اصطفاء اختلافات بسيطة في الأفضلية النسبية للسالمونيلا تصل إلى نسبة 0.01 لكل جيل أو أقل من ذلك". 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات