أسوأ ما قد يحدث لـلفيسبوك يحصل الآن بالفعل!

هل لاحظت مؤخرًا أنك تشعر بود أقل تجاه الفيسبوك؟ ربما ما زلت تقوم بفتح التطبيق عدّة مرّات في اليوم، تتفحص الإشعارات وترى عدّة منشورات، أو تعلّق على أحد الفيديوهات سريعة الانتشار، وتضع إعجابك على قصة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" The New York Times. لكن عندما يتعلّق الأمر بالأمور الشخصية، مثل صور العطلة، وإعلانك عن بدأ عمل جديد، وشعورك بالانتظار في إدارة المركبات department of motor vehicles اختصارًا DMV، فإنّك لا تقوم بنشرها كما اعتدت في السابق.
إن كنت تشعر بذلك، فأنت لست وحدك. 

بعيدًا عن ذلك، انتقل فيسبوك في الأشهر القليلة الماضية لـ"وضع الأزمة" crisis mode. حسب موقع "المعلومات" The Information، هبطت نسبة "النشر الأصيل" (original broadcast sharing)، وهي المنشورات التي تتألف من صور المستخدمين أو الكلمات التي يكتبونها بأنفسهم ،21% من العام 2014 إلى العام 2015، مساهمة بذلك بهبوط 5.5 في معدل المشاركة العام. وكرد على ذلك، أنشأت الشركة فريق أزمة في لندن مهمته ابتكار استراتيجية لوقف هذا الهبوط وجعل الناس يشاركون مجددًا. من التدابير التي اتُّخِذت حتّى الآن: تغيير في خوارزمية آخر الأخبار (News Feed algorithm) لجعلها تفضّل تحديثات الحالة الأصيلة على المحتوى المهني مثل روابط الأخبار والفيديوهات الشائعة، وميزة البث الحي التي أصابها عطل عند إنطلاقها لأول مرة يوم الأربعاء.


إنّه تغير مذهل في نجاحات فيسبوك السابقة، والذي كان تركيزه الاستراتيجي في السنوات القليلة الماضية على جذب شركات الإعلام والمشاهير ليضعوا محتواهم الفريد على الفيسبوك. حيث كلما كانت جودة المنشورات أفضل (أي أكثر احترافية)، يكون عدد المعلنين الراغبين بوضع إعلاناتهم أكبر.

تبدو الاستراتيجية الآن وكأنّها تعطي نتائج عكسية. كلما ازداد دعم الفيسبوك للشركات والمشاهير، يصبح أقل جذباً لفئات الناس غير المشهورين - وهم غالبيتنا -. على الأرجح أنك لاحظت أنّ المنشورات التي تظهر في آخر الأخبار لديك ليست منشورات الأصدقاء الذين تهتم كثيرًا بأخبارهم، بل ببساطة هم الأصدقاء الأكثر نشرًا. ووفقًا لبيانات سريّة حصل عليها موقع المعلومات، أكثر من 60% من المستخدمين لا ينشرون أي محتوى شخصي أسبوعيًا، بينما الـ 39% الآخرون ينشرون بمعدل 5 منشورات.


قد كنت واحدًا من أولئك المتباهين المزعجين على الفيسبوك. لكن قبل 6 أشهر تعرّض حسابي للاختراق وقضيت عدّة أيام مؤلمة في سبيل استعادته. منذ ذلك الحين، علاقتي مع فيسبوك تغيرت بطريقة اعتقد أنّها تسلّط بعض الضوء على المشكلة التي تواجه الشركة حاليًا.


كان التوقف عن النشر هو أوّل رد فعل لي. كنت غاضبًا جدًا لأنَّ القرصان استطاع وبسولة محو محتواي القيّم الذي استغرقت في انتاجه مئات الساعات والذي وثقت في فيسبوك لحمايته. لن يروق لي حذف محتواي مجددًا.


لكن كان هنالك شيء آخر. في الساعات الأولى بعد الاختراق، عندما كانت احتمالية خسارة حسابي للابد مازالت مطروحة، شعرت بفيض من الارتياح والخفة. وقلت لنفسي"أووه حسنًا، ربما لن أستعمل الفيسبوك مرة أخرى". كان الاحساس رائعًا، وبقي هذا الشعور معي حتى بعد استعادة حسابي وبدأت بالنشر بشكل مؤقّت.


قام الفيسبوك بتسجيل الخروج من كل أجهزتي لأنّي غيّرت كلمة المرور. قمت بإعادة تسجيل الدخول إلى فيسبوك من هاتفي وأبقيته في حاسوبي النقال على حاله (مغلقًا) بهدف إجراء تجربة. على مدى الأسبوعين التاليين، صُدمت بعدد المرات التي حاولت فيها، دون وعي مني، فتح موقع الفيسبوك أثناء عدم تركيزي. كان إثباتًا لا يقبل الجدل أنّ تصفح آخر الاخبار لم يعد نشاطًا وإنما أصبح أمرًا اعتياديًا لا إراديًا. لم أفعل هذا الأمر لأنّي أشعر بالمتعة أو بسبب اكتسابي المعرفة منه، لكن ببساطة فعلته لأنّ هذا التصرُّف تم تعزيزه لدرجة أنّه نقش في نظامي العصبي. بعد أن وجدت نفسي أحدّق في شاشة تسجيل الدخول مراتٍ عديدة وأسأل نفسي "ماذا أفعل هنا؟"، بدأ الدافع الذاتي الذي يحفّزني لتصفح الفيسبوك بالتلاشي بشكلٍ لحظي.

بالرُّغم من أنَّ منشوراتي وصوري استرجعت بعد قرصنة حسابي، لكن الظاهر أنَّ البيانات المخفية التي تنظم أولويات آخر الأخبار عندي لم تُسترجع. آلاف أو حتّى ملايين النقرات التي قمت بها والتي يستخدمها الفيسبوك كمُدخلات ليحدّد المنشورات التي سيظهرها لي بدى وكأنها أبدًا لم تكن. عندما فتحت صفحة آخر الأخبار خاصتي، كل ما شاهدته هو منشورات من حفنة صفحات كنت قد أُعجبت بها سابقًا عند مرحلة ما وتحديثات حالة من أصدقاء أضفتهم قبل قرصنة حسابي. بمعنى آخر، صفحة آخر الاخبار لدي مزعجة، قمامة غير ذات صلة - كما كانت دائمًا، لكن بشكل أكثر وضوحًا الآن. كان بإمكاني قضاء عدّة ساعات لضبطها حسب اهتماماتي، أو كان بإمكاني قضاء هذه الساعات بالإضافة للأربعين دقيقة أو أكثر التي أضيِّعها كل يوم في تصفح آخر الأخبار في التفكير بأمور ذكية لقولها أو القيام بأشياء أكثر انتاجية.

الوقت، هو محور كل هذا. بالنهاية، لا يكترث فيسبوك بنوعية المحتوى المنشور أو من يقوم بنشره، المهم هو قدرة المحتوى على الاستيلاء على القدر الأكبر من وقت المستخدمين. المشكلة هي أنّه في كل تجربة هدفها الترويج لأنواع مختلفة من المحتوى مثل- شهر لمقالات نيويورك تايمز، والشهر الذي يليه تحدي دلو الماء البارد، والآن فيديو البث المباشر، مع كل ذلك يصبح أوضح لصانعي المحتوى وأكثر من أي وقت مضى كيف أنَّ الفيسبوك لا يكترث لما يفعله أي منهم. تمامًا كما شعر المستخدمون العادييون في السابق بعدم الارتياح عندما كان فيسبوك في طريقه ليصبح مكانًا لنشر محتوى الشركات المُنتَج باحترافية، وشعرت الشركات أنّ متابعي صفحاتها الذين كسبتهم بجهد قد سُرِقوا منها، الآن قلل الفيسبوك من وصول منشورات الصحفيين ومنظمات الأخبار أثناء محاولته إرجاع شيء من الإلفة والمنشورات الشخصيّة. أن اتضح أن نشرك لحيوان "الهبنتود" Hypnotoad الخيالي الذي ظهر في مسلسل "فيوتشوراما" Futurama يمثّل أفضل طريقة لاحتكار اهتمامك ومعلوماتك الشخصية، فإنّ هذا ما سيصبح عليه فيسبوك غدًا.

لحسن حظ الفيسبوك أنّه في كل مكان والناس مدمنون عليه، وأنّ كل هذا لم يحدث ضررًا للشركة لحد الآن. أعداد مستخدمي فيسبوك في البلدان يزداد، ومن ضمنهم جيل الألفية الذين يقضون عليه يوميًا قرابة الساعة حسب موقع ComScore.
هل فكرت ما الذي قد تفعله في هذه الساعة؟ عاجلًا ام أجلًا، كل مستخدم فيسبوك سيسأل هذا السؤال، مثلما فعلت أنا. الهبوط الكبير في المشاركات الشخصيّة هو علامة على أنّ عددًا كبيرًا من الناس بدأوا يكتشفون أن الفائدة التي يحصلون عليها من الفيسبوك أقل بكثير من التي يضفونها عليه. بالنسبة لخدمة أبت إلّا مضاربة متزايدة على قدرة الإنسان على الانتباه، وهذا استبصار خطير. اسأل نفسك: إن كان وقتك مهمًا جدًا بالنسبة لفيسبوك، ألا يجب أن يكون مهمًا بنفس القدر على الأقل بالنسبة لك أيضًا؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات