علاج جديد لمرضى التصلب المتعدد يلوح في الأفق


باحثون في مركز بحوث المعالجة المناعية (FZI) وبرنامج فوكس لعلوم الأعصاب الانتقالية [1] في جامعة يوهان غوتنبرغ في مينتس (JGU)، يتوصلون إلى اكتشاف آليةٍ جديدةٍ لها علاقة بالإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وباستناد العلماء على أدلةٍ جديدة، فإنه قد يصبح بالإمكان صناعة أدويةٍ جديدةٍ لأمراضٍ كالتصلب المتعدد multiple sclerosis (MS). 
أثبت أعضاء الفريق أنه من الممكن التأثير على تطور ووظيفة الخلايا التائية المنظِّمة Regulatory T cells، والتي تعرف أيضًا بالاسم (Tregs)، والخلايا التائية المساعدة 17 والمعروفة بالاسم (TH17)، وذلك عن طريق تثبيط كيناز البروتين CK2 [2].


يقود فريقَ البحث البروفيسور توبياس بوب Tobias Bopp من معهد المناعة في المركز الطبي بجامعة مينتس، والبروفيسور فراوك زيب Frauke Zipp من معهد طب الأعصاب.


من الواضح أن العديد من الآثار السيئة للأمراض ذاتية المناعة يمكن عزوها إلى خلايا TH17، كما أن المستويات النسبية لهذين النوعين من الخلايا (Tregs وTH17) هو أحد المحددات التي تقرر ما إذا كان الفرد سيصاب بأمراض مناعة ذاتية أم لا. ولذلك، ركز الباحثون دراستهم من أجل الوصول إلى إزالة التوازن بين هذين النوعين من الخلايا، بحيث تصير الخلايا التائية المنظمة Tregs أكثر من الخلايا التائية المساعدة TH17


وقد استطاعوا تحقيق ذلك عن طريق تثبيط الخلايا التائية المساعدة -والتي هي "عدوانية" بطبيعتها- عن طريق حجب الـ CK2، وفي نفس الوقت تحفيز عملية تخليق الخلايا التائية المنظمة، وقد أثبتت هذه الطريقة فاعليتها في النماذج الحيوانية (في المرحلة قبل السريرية). حملت الدراسة عنوان "كيناز البروتين CK2" يقرر أيهما يغلب من حيث التطور، الـ TH17 المسببة لالتهاب الدماغ أم خلايا الـ Treg" Protein kinase CK2 governs the molecular decision between encephalitogenic TH17 cell and Treg cell development، وهي الآن متاحة على النسخة الإلكترونية في المجلة المتخصصة الرائدة في مجالها Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS).

يعتبر الجهاز العصبي البشري فعالًا بشكلٍ كبيرٍ في تمييز المعتدين من الأجسام الغريبة التي يمكن أن تكون ضارةً بالصحة. 

هناك مجموعة من خلايا الدم البيضاء، والتي تعرف باسم "الخلايا التائية" T cells، تتعرف على المُمْرضات المعتدية على أساس البروتيات التي تظهرها هذه الممرضات، وتنظم هذه الخلايا التفاعل المناعي الدفاعي المناسب من حيث الكم والنوع. 

ينتج عن هذا إبطالٌ للجسم الغريب وإزالته بشكلٍ منظمٍ من الجسم وبدون التأثير على الخلايا السليمة في الجسم، ولكن وفي بعض الحالات، فإن هذا النوع من التفاعلات الدفاعية قد يُنتج استجاباتٍ مناعيةً مبالغاً فيها. ومن أجل التحكم بهذه التفاعلات المناعية الزائدة، فإن الخلايا التائية المنظمة (Tregs) تطورت عبر الزمن.

مهمة هذه الخلايا Tregs في الأشخاص السليمين، هي الحفاظ على مدى محدد من الاستجابات المناعية (التحمل المناعي)، كما أنها تحمي الأنتيجينات (المستضدات) غير المؤذية من التدمير، ومثال هذه الأنتيجينات غير المؤذية بروتينات الطعام، والتي قد تحفز استجابة الجسم ضدها لو لم تكن هذه الخلايا موجودة، كما أن هذه الخلايا تحمي مكونات الجسم البشري نفسه، والتي قد تتسبب بتحفيز تفاعل مناعي خاطئ. 


وبذلك، فهي تمنع تكوين الحساسية والاضطرابات ذاتية المناعة، ومن ضمنها التصلب المتعدد Multiple Sclersis (MS).

هناك مجموعة جزئية من الخلايا التائية المساعدة، وهي التي تعرف بالخلايا التائية المفرزة للإنترلوكين 17 (TH17)، والتي تلعب دورًا أساسيًا في تطور التصلب المتعدد. 
في الأشخاص السليمين، تكون هذه الخلايا TH17 مسؤولةً عن ضبط البكتيريا والفطريات المعدية، ولكن لهذه الخلايا أثر سلبي ومُضر بالجسم في بعض الحالات، وذلك لأنها قد تكون مسؤولة عن العمليات التدميرية التي تحدث في الالتهاب، وفي بعضِ الحالاتِ المرضية التي تكون ذاتية المناعة.

ذلك يعني أن النسبة بين Tregs وTH17 هي التي تحدد بشكلٍ حاسمٍ مسألة ما إذا كان المرض ذاتي المناعة سيحدث أم لا. 


ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فقد اكتشف الباحثون في المركز الطبي بجامعة مينتس، أن التثبيط الفارماكولوجي للـ CK2 يغير الموازين لصالح خلايا Tregs.

كينازات البروتينات هي العائلة الثانية من حيث الحجم من ضمن البروتيات الموجودة في الخلايا الحيوانية، ووظيفتها تعديل البروتينات، وبالتالي تغييرِ الخصائص الحيوية لهذه البروتينات. 


وفي هذه الدراسة، استطاع الباحثون تبيين أن تثبيط كيناز البروتين CK2 يمكنه تثبيط وحجب السُبُل الكيميائية الحيوية التي تحتاجها خلايا الـ TH17 من أجل أن تتطور. 


أما على المستوى الخلوي، فأن حجب كيناز البروتين CK2 يقود إلى تثبيط السُبُل الإشعارية signal pathways التي تتحكم بها السيتوكاينات: الإنترلوكين-6، والإنترلوكين-21، والإنترلوكين-23، وكذلك السيتوكاينات التي تتحكم بالتعبير الجيني عن طريق عامل النسخ الجيني STAT3، وهذا كله من شأنه أن يؤدي بالخلية إلى إنتاج عامل نسخ آخر اسمه forkhead-box protein P3 والذي يعرف اختصارًا بـ FOXP3، والذي يضبط بدوره عملية تطور ووظيفة الـ Tregs عن طريق التحكم الجيني.

وبالتالي، فإن النتيجة هي أن هذه الخلايا العدائية (خلايا TH17)، والتي تكون مسؤولةً عن جانب من جوانب تكوين الأمراض ذاتية المناعة، تقل برمجتها في الخلايا التي تحمي التراكيب الداخلية للجسم، وبالتالي فإن هذا يمنع تكوُّن هذا النوع من الأمراض.

أجريت هذه الدراسة كجزء من مشروع "الآليات البادئة مقابل الآليات المنظمة في التصلب المتعدد - تقدم نحو علاج المرض"، وهو مشروع جزئي في مركز البحوث التعاونية عبر البلدان Transregional Collaborative Research Center، وتموله مؤسسة البحوث الألمانية ويديره في مينتس البروفيسور فراوك زيب، مدير قسم طب الأعصاب في المركز الطبي بجامعة مينتس.

التصلب المتعدد هو أكثر الأمراض الالتهابية شيوعًا بالنسبة لأمراض الجهاز العصبي المركزي، وفي ألمانيا وحدها، هناك أكثر من 200,000 شخص مصاب بالمرض. 


والذي يحدث في هذا المرض، هو فقدان للغشاء المياليني (وهي الطبقة الحامية للألياف العصبية في الدماغ والحبل الشوكي) بحيث تمتنع حركة المحفزات العصبية عبر هذه الألياف. كما أن الألياف العصبية نفسها تتدمر.

والنتائج التي تترتب على ذلك، تتراوح ما بين مشاكل في المشي إلى شعور بالخدر ومشاكل في الرؤية.

الملاحظات



[1] علوم الأعصاب الانتقالية هي فرع من علوم الأعصاب يعنى بترجمة العلوم الأساسية إلى فهم إكلينيكي للأمراض العصبية، فهو مرحلة انتقالية تعنى "بنقل" العلوم العصبية و"تفسيرها" من الناحية الأساسية، بحيث تقود إلى توفير علاجاتٍ أفضل للأمراض العصبية ونتائج ملحوظة على المرضى.
[2] الكينازات: هي أنزيمات وظيفتها فسفرة البروتينات، وتفعل ذلك عن طريق إضافة مجموعة فوسفات للبروتين - المترجم.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات