التصلب المتعدد: اكتشاف مركب يحوِّل الخلايا المناعية إلى خلايا عدائية

مرض التصلب المتعدد هو مرض مناعي ذاتي، يهاجم فيه الجهاز المناعي للإنسان خلايا الإنسان نفسه


والذي يحدث هو أن الخلايا اللمفاوية التائية (وهي أحد أنواع خلايا الجهاز المناعي للإنسان) المعدَّلة تدّمر الغلاف المياليني (وهو غلاف أبيض يحيط بمحاوير الخلايا العصبية). يحمي الغلاف المياليني محاوير الخلايا العصبية، وبذلك يلعب دوراً أساسياً في نقل المعلومات العصبية عبر الأعصاب.

 

تظهر هذه الصورة المجهرية لخلايا مثبتة كيف تقدم خلية تغصنية المادة المرسال (الإنترلوكين 6) إلى خلية تائية. لُوِّنت نواتا الخلية التائية والخلية التغصنية بالأخضر، ويظهر جسد الخلية التغصنية باللون الرمادي. وتمثل النقاط البيضاء معقد (الإنترلوكين 6 – مستقبل الإنترلوكين 6 ألفا). حقوق الصورة: توماس كورن/جامعة ميونخ التقنية
تظهر هذه الصورة المجهرية لخلايا مثبتة كيف تقدم خلية تغصنية المادة المرسال (الإنترلوكين 6) إلى خلية تائية. لُوِّنت نواتا الخلية التائية والخلية التغصنية بالأخضر، ويظهر جسد الخلية التغصنية باللون الرمادي. وتمثل النقاط البيضاء معقد (الإنترلوكين 6 – مستقبل الإنترلوكين 6 ألفا). حقوق الصورة: توماس كورن/جامعة ميونخ التقنية

 

بيّنت دراسة حديثة أن المادة التي تدعى الإنترلوكين-6 (Interleukin-6) لها دور فعال في تحفيز الخلايا اللمفاوية التائية لتخرب غمد الميالين في الجهاز العصبي المركزي. وظيفة الميالين هي حماية السبل العصبية، وبالتالي فهو مهم من أجل أن تستطيع الخلايا العصبية نقل المعلومات بكفاءة.

يتوقف استهداف الخلايا التائية T cells لبعض الأماكن في الجسم البشري والضرر الذي ستسببه هذه الخلايا على عدة عوامل. بيّن توماس كورن Thomas Korm (وهو بروفسور في علم المناعة العصبية التجريبي في TUM) في دراسة سابقة أن المادة التي تدعى بالإنترلوكين-6 لها دور مهم في توجيه الخلايا التائية لتخريب الغلاف المياليني في الجهاز العصبي المركزي. وكذلك فإن الخلايا التائية تتحول إلى خلايا ممرضة في العقد اللمفاوية، وسبب ذلك أن العقد اللمفاوية تحتوي على أنواع معينة من الخلايا التغصنية، والتي تبعث إشارات تحرّض الخلايا التائية على إطلاق الاستجابات المناعية في أجزاء أخرى من الجسم. فعلى سبيل المثال، لو هاجمت أجسام غريبة كالفيروسات والجراثيم الجسم، يكون التفعيل المناعي في هذه الحالة بلا شك مفيدًا جدًا، حيث ستقوم الخلايا التائية بالقضاء عليها. ولكن بالمقابل، فإن هذه الخلايا اللمفاوية التائية المريضة ستتعرف على مكوّنات جسمنا ومنها الغلاف المياليني على أنها أجسام غريبة، وتحفز تكون المرض المناعي الذاتي ضد هذه الخلايا السليمة.


لا يتوقف دور الخلايا التغصنية في هذا المرض على تعريف الخلايا التائية على الغلاف المياليني على أنه جسم غريب عليها تدميره، بل إنها كذلك تفرز الإنترلوكين 6، وهو جزيء محرّض للخلايا التائية. وهذا ما يحوّل الخلايا التائية إلى خلايا ممرضة تلحق أضراراً جسيمة في أنسجة الجسم.

يقول توماس كورن: "بالرغم وجود هذا الرابط الواضح بين الخلية التائية والإنترلوكين 6، إلا أن مشكلة أخرى واجهتنا؛ فالخلايا التائية لا تتحول دوماً إلى خلايا ممرضة عند إفراز الإنترلوكين 6". وقد وجد كورن وفريقه ومعهم الدكتور آري وايزمان Ari Waisman (رئيس قسم الطب الجزيئي Molecular Medicine في المركز الطبي الجامعي University Medical Center في مدينة ماينز) تفسيراً لهذه الظاهرة؛ فيقول الدكتور آري: "العامل المحدد في مسألة تحول الخلايا التائية إلى خلايا ممرضة لا يقتصر على إفراز الخلايا التغصنية للإنترلوكين 6، بل إن آلية الإفراز لها دور في ذلك أيضًا".
 

طريق ثالثة


كان من المعلوم سابقًا أن الخلايا التغصنية تتواصل مع الخلايا التائية بطريقتين: الأولى أنها قد تفرز مادة المرسال على محيطها. وتمتاز جزيئات المرسال بكونها قابلة للذوبان، وتتجمع مشكّلة سحابة حول الخلايا التغصنية. والثانية أن الإنترلوكين 6 القابل للذوبان قد يرتبط بمستقبل الإنترلوكين 6 القابل للذوبان، ويشكّلان معاً معقداً بمقدوره أن يحفز أنواعًا معينة من الخلايا، عن طريق عملية تعرف باسم "إرسال الإشارة العابر" trans-signaling.

 

اكتشف العالمان كورن ووايزمان أن العامل المحدد لتحول الخلايا التائية إلى خلايا مرضية لا يكون بأي من السبيلين سابقي الذكر، بل إن العامل المحدد يكون بوجود الإنترلوكين 6 على سطح الخلايا التغصنية ويُعرض بشكل مباشر إلى الخلايا التائية. وقد سمّى كورن ووايزمان عملية الانتقال هذه بـ"إرسال الإشارة العنقودي" cluster signaling، وسبب التسمية أن العملية تتضمن تشكيل عناقيد من الخلايا التغصنية والخلايا التائية. ومما يجعل من هذه الطريقة الثالثة طريقة مستقلة هو أن الخلايا التائية تستقبل إشارة الإنترلوكين 6 وباقي الإشارات التي تطلقها الخلايا التغصنية الأخرى معاً. وربما يكون انتقال كل هذه الإشارات سويةً هو ما يسبب تحوّل الخلايا التائية إلى خلايا عدوانية تستهدف خلايا الجسم نفسه.

ومع أنه لم يمض وقت طويل على هذه النتائج، إلا أن العديد من فرق الأبحاث العلمية لم يلبثوا أن استفادوا من الرابط المكتشف بين الخلايا التائية وإشارة الإنترلوكين 6 في البحث عن طرق علاج للأمراض المناعية الذاتية المزمنة.


النتيجة التي نصل إليها هنا أن منع إطلاق إشارات الإنترلوكين 6 سيساهم أيضاً في منع تشكل خلايا تائية ممرضة جديدة. نستطيع تعميم النتيجة التي توصلنا إليها على أمراض أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وهو مرض آخر سببه خلل في الجهاز المناعي.


يقول توماس كورن: "تفسر نتائج بحثنا سبب نجاح بعض العلاجات الدوائية بينما تفشل أخرى"، ويضيف آري: "تثبّط أغلب الأدوية طريقًا واحد لانتقال الإشارة فقط. ولكن للأسف، فهذا لن يمنع الإنترلوكين 6 من الانتقال عبر إرسال الإشارة العنقودي".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات