ثابت الجاذبية

أدرك إسحاق نيوتن Isaac Newton في سنة 1665 أن جميع المواد تتجاذب، لكنَّه أوضح أيضاً بأن قوة تجاذب الأجسام التي نشاهدها في حياتنا اليومية صغيرةٌ جداً كي يتم قياسها في ذلك الوقت. لذا عمل نيوتن على اختبار نظريته في الجاذبية على الأجسام الفلكية التي تمتلك كتلةً كبيرة مثل القمر والأرض والشمس. 

وفي عام 1797، نجح هنري كافنديش Henry Cavendish في قياس قوة الجاذبية الصغيرة بين كرتين من المعدن، وذلك عن طريق تثبيت الكرتين على طرفي قضيب ومن ثم تعليقه بواسطة سلك. بعدها، وضع كافنديش كرتين كبيرتين على بُعد من الكُرتين الصغيرتين، فكانت النتيجة هي انحناء السلك قليلاً بفعل قوى الجاذبية. تُقَّدر القوى بين الكرة الصغيرة والكبيرة بجزء من مليار من وزنهما. ومع ذلك، استطاع كافنديش بالاستفادة من مدى انحناء السلك والخصائص الفيزيائية للسلك والكرات المعلَّقة، قياس قوةٍ صغيرة تتفق مع تنبُّؤ نيوتن. (انظر الرسم )

صورة من جامعة واشنطن لتجربة الكرات المصقولة.
صورة من جامعة واشنطن لتجربة الكرات المصقولة.


الاعتماد على الكتلة و المسافة بين الجسمين


اكتشف نيوتن أن جميع المواد في الكون تتجاذب، وقوة الجذب هذه تتناسب عكسياً مع مربع المسافة بين مركزي الجسمين. فإذا ضاعفت المسافة بين مركزي الجسمين، فإن القوة التي يؤثِّر بها كلُّ جسمٍ على الآخر (قوة التجاذب بينهما) ستُقسم على 4.


وعلى النقيض، فإن قوة الجاذبية تتناسب طرديًّا مع كتلة كل جسم. فإذا ضاعفت كتلة الجسم، ستجد أن قوة الجاذبية قد تضاعفت أيضاً.

صياغة المعادلة: 


قوة الجاذبية F بين جسمين 1 و 2: 
فإن  تتناسب مع \(\frac {M1M2} {R^2}\)
في المعادلة السابقة: F هي قوة الجاذبية، أما M2 و M1 فتشير إلى كتلتي الجسمين الأول والثاني، وR هي البعد بينهما. 

و لتكوين معادلة من هذه العلاقة، نحن بحاجةٍ إلى ثابت، معروف بـ "ثابت الجاذبية" (G).
وإليك المعادلة: 


\(F=\frac {GM1M2} {R^2}\)
 

لاحظ أنه إذا زادت المسافة بين الجسمين R ستقلُّ قوة الجذب F بينهما. 

هل تساءلت عن أهمية وجود ثابت الجاذبية (G)؟


إذا علمنا قيمة (G) من القياسات المخبرية، يمكننا معرفة كتلة الأرض عن طريق قياس نصف قطر مدارِ القمر وطولِ الشهر، أو عبر قياس تسارع الجاذبية على سطح الأرض. وبالمثل، يمكننا معرفة كتلة الشمس عن طريق قياس مدار الأرض وتحديد طول السنة.

دور العلماء في قياس ثابت الجاذبية 


و بما أن علماء الفيزياء يعملون على تحسين التجارب وتوظيف التكنولوجيات الحديثة، فإننا نتوقع الحصول على المزيد و المزيد من دقة القياسات مع مرور الوقت. أما بالنسبة إلى ثابت الجاذبية، فإن القياسات وصلت بسرعةٍ كبيرة إلى أرقامٍ غايةٍ في الدقة. 


قبل عام 1987، كان قياس ثابت الجاذبية دقيقاً بنسبة 0.013٪. وفي وقتٍ لاحق، قامت مجموعتا أبحاث بأخذ قياساتٍ كانت أكثرَ دقةً بأعشار من المئة من القياسات السابقة، ونتيجةً لذلك تم زيادة قيمة الارتياب المعقول في قياس ثابت الجاذبية بمعامل من 10.


دفع هذا الوضع المؤسف العديدَ من المجموعات الأخرى للبحث، بما في ذلك مجموعةٌ بحثية في جامعة واشنطن، والتي وصلت إلى قياساتٍ دقيقة حتى 0.0015٪، أي أكثر دقة بـ 10 مرات من القياسات في عام 1987.


قياس ثابت الجاذبية


في اجتماع علمي في شهر أبريل/نيسان من سنة 2000، أُعلن عن نبأ عظيم طال انتظاره وهو نجاح يانز جاندلاش Jens Gundlach من جامعة واشنطن في الوصول إلى أعلى دقّة قياس لثابت الجاذبية. يُعتبر ثابت G ذا أهميةٍ أساسية للفيزياء وعلم الفلك منذ اكتشافه من قِبل إسحق نيوتن في القرن السابع عشر (قوة الجاذبية بين جسمين تساوي G من المرات من كتلتي الجسمين مقسومةً على مربّع المسافة بينهما). ولكن كان من الصعب نسبياً قياسه، وذلك بسبب ضعف الجاذبية. 

على الشمال ستيف مركويتز Steve Merkowitzz ، وعلى اليمين جنز جاندلاش Jens Gundlach مع جهاز كافنديش المتطور في جامعة واشنطن. المصدر : Mary Levin, University of Washington
على الشمال ستيف مركويتز Steve Merkowitzz ، وعلى اليمين جنز جاندلاش Jens Gundlach مع جهاز كافنديش المتطور في جامعة واشنطن. المصدر : Mary Levin, University of Washington


خفَّضت المجموعة البحثية في جامعة واشنطن نسبة الارتياب في قيمة ثابت الجاذبية بمعامل من 10. فكانت قيمتها الأولية هي \(G=6.67390 × 10^{-11}\) م3/ كغ / \(ث^2\) وكانت قيمة الارتياب تبلغ 0.0014٪. يتيح الجمع بين هذه القيمة الجديدة لـ G مع القياسات التي أجريت مع القمر الصناعي لاغوس LAGEOS (الذي يَستخدم نطاقات الليزر لتتبُّع موقعه المداري في حدود المليمتر) الوصولَ إلى حسابٍ جديد كلياً وعلى أعلى مستوى من الدقة لكتلة الأرض والتي تساوي: \( 5.97223 (+/- 0.00008) × 10^{24}\) كغ.وبالمثل، فإن الكتلة الجديدة للشمس تصبح \(1.98843 (+/- 0.00003) × 10^{30}\) كغ. 


وفقاً لـ جاندلاش، الإعدادت للتجربة لا تختلف عن الميزان القابل للالتواء في تجربة كافنديش قبل مائتي سنة: فالبندول المعلق مُجبر على الالتواء تحت تأثير بعض أوزان الاختبار القريبة. ولكن في قياسات تجربة جامعة واشنطن تقلّص الارتياب إلى حدٍّ كبير عن طريق استخدام آلية رد الفعل لنقل أوزان الاختبار، وللمحافظة على التواء البندول إلى أدنى حدٍّ ممكن.

هذا ونجح فريق آخر من العلماء من جامعة واشنطن في قياس الجاذبية على نطاقٍ أقل من مليمتر لأول مرة. تمت دراسة قوة الجاذبية منذ فترة طويلة على المسافات الكوكبية ولكن من الصعب قياسها على النطاق الأرضي، حيث أن تداخل الحقول الكهربائية والمغناطيسية -وهو أقوى بالعديد من المراتب مقارنةً بحقول الجاذبية- يمكن أن يكون طاغياً.

ومع ذلك، فقد تمكن إريك آدلبرغر Eric Adelberger وزملاؤه في جامعة واشنطن من قياس قوة الجاذبية على مسافات صغيرة تصل إلى 150 ميكرون باستخدام بندول على شكل قرصٍ عُلِّق بحرصٍ فوق قرصٍ آخر، مع غشاء نحاسي وُضع بينهما للمساعدة في عزل القوى الكهربائية.

جذب موضوع الجاذبية في النطاقات القصيرة الكثير من الاهتمام النظري والتجريبي في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب نموذج جديد نسبياً يَفترض وجود الأبعاد المكانية الإضافية التي يمكن أن توجد فيها الجاذبية فقط دون غيرها من القوى. ووفقا لـ نيما أركاني حامد Nima Arkani-Hamed من مختبر لورانس بيركلي الوطني LBL، فإن السبب في كون الجاذبية ضعيفة جداً، هو أنها تفقد الكثير من قوتها في الأبعاد الإضافية. بمعنى آخر، الجزيئات العادية مرتبطة بالزمكان التقليدي، أو "الغشاء brane "، في حين أن الغرافيتونات تستطيع الحركة والتنقّل في أبعادٍ أخرى غير مرئية.

 

البندول من تجربة ثابت الجاذبية في جامعة واشنطن. المصدر : John Amsbaugh, University of Washington
البندول من تجربة ثابت الجاذبية في جامعة واشنطن. المصدر : John Amsbaugh, University of Washington


أحد الآثار المترتبة على النموذج، وهوقابل للاختبار مخبرياً (تجربة على نطاق صغير تساعد العلماء في تخمين ما قد يحدث على نطاق أوسع بكثير) كما في تجربة آدلبرجر، هو أن قوة الجاذبية يمكن أن نحصل عليها من قانون التربيع العكسي (الجاذبية تتناسب عكسياً مع مربع المسافة بين جسمين) ضمن نطاق المسافات القصيرة جداً. هذا ولم يلاحظ آدلبرجر هذا الانتقال عبر مسافات تصل إلى أعشار من المليمتر، والذي يُمكن أن يستمر لمسافاتٍ أقصر من هذه حتى. 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات