باحثون يحولون المعادن السائلة إلى بلازما!

نشاهد في الصورة ثوران حلقات البلازما فوق سطح الشمس. البلازما هي أكثر أشكال المادة وجوداً في الكون، ويعمل علماء روتشستر (Rochester) على إيجاد طرقاً جديدة لمراقبة وتخليق البلازما. حقوق الصورة: NASA/SDO



إنّ معظم الأشخاص العاديين على دراية بالحالات الثلاث للمادة وهي: الجوامد والسوائل والغازات. ولكن يوجد أشكال أخرى للمادة كالبلازما على سبيل المثال، فهي أكثر أشكال المادة وجوداً في الكون، حيث توجد في جميع أنحاء مجموعتنا الشمسية في الشمس وأجسام الكواكب الأخرى. ولا يزال العلماء يعملون على فهم أساسيات هذه الحالة من المادة، التي تثبت أنها أكثر أهميةٍ من أي وقتٍ مضى، ليس فقط في شرح طريقة عمل الكون ولكن في تسخير المواد لاستخدامها كأشكالٍ بديلة من الطاقة.


ولأول مرة، وجد الباحثون في مختبر الليزر (LLE) بجامعة روتشستر طريقة لتحويل المعدن السائل إلى بلازما ورصد درجة الحرارة التي يتحول عندها السائل الموجود تحت ظروف الكثافة العالية إلى حالة البلازما. وقد نُشرت عمليات رصدهم في مجلة Physical Review Letters، والتي كان لها آثار واضحة في فهم النجوم والكواكب بشكل أفضل كما يمكن أن تساعد في فهم الاندماج النووي الذي يمكن التحكم به - وهو مصدر واعد بديل للطاقة ظل إدراكه مستعصياً على العلماء لعقود.


ما هي البلازما؟


تتكون البلازما من سائل جيلاتيني ساخن من الإلكترونات والأيونات الحرة الحركة - ذرات فقدت إلكتروناتها - التي توصل الكهرباء بسهولة. وعلى الرغم من أن البلازما لا تتواجد طبيعياً بشكل شائع على الأرض، إلا أنها تشكل معظم المادة في الكون المرئي مثل سطح الشمس. ويمكن للعلماء إنتاج بلازما صناعية هنا على الأرض، عادة عن طريق تسخين غاز إلى آلاف درجات الفهرنهايت، الذي ينزع الإلكترونات من ذراتها. وعلى نطاق أصغر، فإن هذه هي نفس العملية التي تُمَكن أجهزة التلفاز البلازميّة ومصابيح النيون من "التوهج"، حيث تثير الكهرباء ذرات غاز النيون، مسببة تحول النيون إلى حالة البلازما مما يؤدي لانبعاث فوتونات الضوء.

من الحالة السائلة إلى حالة البلازما


كما اكتشف محمد زاغو Mohamed Zaghoo، باحث مشارك في مختبر الليزر (LLE)، وزملاؤه أن هناك طريقة أخرى لتخليق البلازما: في ظل ظروف الكثافة العالية، فإنه عند تسخين المعدن السائل إلى درجات حرارة عالية جداً يؤدي أيضاً إلى إنتاج بلازما كثيفة. ويقول زاغو: "لم يُرصد التحول إلى البلازما بشكل علمي من قبل، وهو بالضبط ما فعلناه".

قام علماء مختبر الليزر (LLE) بتحويل المعادن السائلة إلى بلازما تحت ظروف الكثافة العالية. زيادة الكثافة إلى الحالة القصوى جعلت السائل يدخل في حالة أظهر فيها خواص الكمومية. تُظهر اللوحة السفلية التوزيع الكمي للإلكترونات في فلز سائل كثيف، حيث يستطيع إلكترونان فقط مشاركة نفس الحالة ( نفس الأوربيتال) ومع ذلك، فعندما تُرفع درجة الحرارة إلى 0.4 درجة حرارة فيرمي (نحو 90,000 درجة فهرنهايت)، تعيد الإلكترونات ترتيب نفسها بطريقة عشوائية لتشبه حساء ساخن من البلازما وتفقد الإلكترونات طبيعتها الكمية وتتصرف بشكل كلاسيكي (الصورة العلوية). Credit: Laboratory for Laser Energetics / Heather Palmer
قام علماء مختبر الليزر (LLE) بتحويل المعادن السائلة إلى بلازما تحت ظروف الكثافة العالية. زيادة الكثافة إلى الحالة القصوى جعلت السائل يدخل في حالة أظهر فيها خواص الكمومية. تُظهر اللوحة السفلية التوزيع الكمي للإلكترونات في فلز سائل كثيف، حيث يستطيع إلكترونان فقط مشاركة نفس الحالة ( نفس الأوربيتال) ومع ذلك، فعندما تُرفع درجة الحرارة إلى 0.4 درجة حرارة فيرمي (نحو 90,000 درجة فهرنهايت)، تعيد الإلكترونات ترتيب نفسها بطريقة عشوائية لتشبه حساء ساخن من البلازما وتفقد الإلكترونات طبيعتها الكمية وتتصرف بشكل كلاسيكي (الصورة العلوية). Credit: Laboratory for Laser Energetics / Heather Palmer


أحد الجوانب الفريدة لعملية الاكتشاف هذه، هو أن المعادن السائلة عند الكثافات العالية تظهر خواص الكم. ومع ذلك، إذا سُمح لهم بالتحول إلى حالة البلازما عند كثافة عالية، يظهرون خواص كلاسيكية. في العشرينات من القرن الماضي، قدم إنريكو فيرمي Enrico Fermi وبول ديراك Paul Dirac، اثنان من مؤسسي ميكانيكا الكم، الصيغة الإحصائية التي تصف سلوك المادة المكوَّنة من الإلكترونات والنيوترونات والبروتونات (المادة الطبيعية التي تتكون منها الأجسام على الأرض). افترض فيرمي وديراك أنه في ظروف معينة - كثافات عالية للغاية أو درجات حرارة منخفضة للغاية - فإنه يتعين على الإلكترونات أو البروتونات أن تتخذ خصائصَ كمومية معينة لا يمكن تفسيرها بواسطة الفيزياء الكلاسيكية، ومع ذلك فإن البلازما لا تتبع هذا النموذج.


في سبيل مراقبة تحول المعدن السائل إلى البلازما، بدأ الباحثون في مختبر الليزر (LLE) باستخدام عنصر الديوتيريوم ( معدن سائل)، والذي يُظهر الخواص الكلاسيكية للسائل. ولزيادة كثافة الديوتيريوم، قاموا بتبريده إلى درجة حرارة 21 درجة كلفن (-422 درجة فهرنهايت). استخدم الباحثون بعد ذلك ليزر LLE's OMEGA في إطلاق موجة قوية من الصدمات من خلال سائل الديوتيريوم فائق التبريد. ضغطت تلك الموجة الديوتيريوم لضغط وصل إلى خمسة ملايين مرة أكبر من الضغط الجوي، ومع زيادة درجة الحرارة إلى ما يقرب من 180,000 درجة فهرنهايت، بدأت العينة تصبح شفافة تماماً، ولكن مع ارتفاع الضغط، تحولت إلى معدن لامع له معامل انعكاس بصري عالٍ.


يقول زاغو: "من خلال مراقبة انعكاس العينة كوظيفة لدرجة حرارتها، تمكنا من ملاحظة الظروف الدقيقة التي يتحول فيها هذا المعدن السائل اللامع البسيط إلى بلازما كثيفة".
فهم المادة في الظروف القصوى.


لاحظ الباحثون أن المعدن السائل أظهر في البداية الخواص الكمومية للإلكترونات، المتوقعة في درجات الحرارة والكثافة القصوى؛ ومع ذلك، يقول زاغو: "عند درجة حرارة 90,000 درجة فهرنهايت تقريباً. بدأ انعكاس الديوتيريوم المعدني يرتفع بمعدل محسوب إذا لم تعد الإلكترونات الموجودة في النظام كمومية بل أصبحت كلاسيكية، وهذا يعني أن المعدن أصبح بلازما".


ولتلخيص المسألة فإن الباحثين في مختبر الليزر (LLE) قد بدؤوا بسائل بسيط ووجدوا أن زيادة الكثافة إلى الحالة القصوى جعلت السائل يدخل في حالة يُظهر فيها خصائص كمومية، وزيادة درجة الحرارة أكثر من ذلك جعلته يتحول إلى حالة البلازما والتي أظهر عندها خواص كلاسيكية على الرغم من أنه ما زال تحت تأثير ظروف الكثافة العالية. يقول سوكسينج هو Suxing Hu ، عالم بارز في مختبر الليزر (LLE) ومشارك في الدراسة: "إن اللافت للنظر هو أن الظروف التي يحدث فيها هذا التحول بين الكم والكلاسيكية تختلف عما يتوقعه معظم الناس استناداً إلى كتب البلازما. علاوةً على ذلك، يمكن أن يكون هذا السلوك عاماً لجميع المعادن الأخرى".

ويقول زاغو إن فهم أساسيات السوائل والبلازما هذه يتيح للباحثين تطوير نماذج جديدة لوصف كيفية توصيل المواد عالية الكثافة للكهرباء والحرارة، كما يمكن أن يساعد في شرح سلوك المادة في الدرجات القصوى في النظام الشمسي، بالإضافة إلى أنه يساعد في الوصول إلى طاقة الاندماج. كما أضاف: "هذا العمل ليس مجرد فضول مختبري. حيث تضم البلازما مساحات داخلية شاسعة من الأجسام الفيزيائية الفلكية مثل الأقزام البنية وتمثل أيضاً حالات المادة اللازمة لتحقيق الاندماج النووي الحراري. هذه النماذج ضرورية في فهمنا لكيفية تصميم تجارب أفضل لتحقيق الانصهار".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات