تصوّر فنيّ لبلازما متوهّجة، صدرت عقب تشابكِ حلقاتٍ من خطوط المجال المغناطيسي، التي انفجرت بفعل إعادة التّرابط المغناطيسي السّريع (NASA)
إنّ سرَّ التوهجات الشمسيّة القويّة يكمنُ حرفياً في راحة يدك.
اكتشفَ علماءُ الفلك أن أحد أهم التأثيرات المغناطيسيّة المتواجدة في الشّمس هو ذلك التأثيرُ نفسه الذي يُثبّت بإحكامٍ القفل المغناطيسي لغطاء هاتفك الخلوي.لكن، في حالة الشّمس، تكون النتيجةُ أكثر إثارة.
حيث تتشابكُ المجالات المغناطيسيّة الملتوية، التي تحملُ تيّارات من البلازما الحارة المشحونة، ومن ثم تنفجرُ لتعاودَ الانتظام بسرعة.
يُطلِقُ ما يُسمى إعادة الترابط المغناطيسي السّريع، كميّاتٍ هائلة من الطاقة، وغالباً ما تتعرّض الأرضُ لما يرافق هذه الظاهرةَ من توهجات وانفجارات البلازما والعواصف المغناطيسيّة الأرضيّة.
لقد ظلّ السبب وراء حدوثِ إعادة الترابط المغناطيسي السّريع، وإطلاق الطّاقة بسرعة ثابتة يمكن التنبؤ بها لغزاً طوال ستين عاما.
أمّا حالياً، فإن الأرصادَ التي أجرتها بعثةُ ناسا متعددة النطاقات المغناطيسية (MMS) - وهي مجموعةٌ رباعيّةٌ من المركبات الفضائيّة الصغيرة التي تحلّقُ حول الأرض في تشكيلٍ هرمي- ربما قد ساعدت في الحصول على الإجابة.
إنّ الشّمس التي تبلغُ درجة حرارة سطحها 5,778 كلفن (9,940 درجة فهرنهايت أو 5,500 درجة مئوية)، شديدةُ الحرارة، الأمر الذي يؤدي إلى تأيُّن الغاز، أي تتجرّد الذرات من إلكتروناتها ويصبحُ الغاز بحراً من الأيونات المشحونة كهربائياً والإلكترونات الحرة، وهذا ما نسميه بلازما.
تنتشرُ البلازما بشكلٍ كافٍ حتى أن الأيونات نادراً ما تتلامس مع بعضها البعض، ولذلك تُوصَفُ البلازما بأنها أقل تصادماً، فالأيونات والإلكترونات الموجودة بداخلها تتحركُ كمجموعات، وليس في مساراتٍ فرديّة تتصادمُ ببعضها البعض.
استخدمَ علماء الفيزياء الشمسيّة بقيادة "يي هسين ليو Yi Hsin Liu" من كلية دارتموث في نيو هامبشاير، بيانات بعثة ناسا متعددة النطاقات المغناطيسيّة، كي يبيّنوا أخيراً ما يحدث أثناء إعادة الترابط السريع.
خلال مثل هذا الحدث، تنفصلُ أزواج الأيونات والإلكترونات عن بعضها البعض، وتبدأُ في التحرّك بشكلٍ متعامدٍ مع خطوط المجال المغناطيسي للشمس، مما يخلقُ فراغَ طاقةٍ غير مستقر، بسبب تداخل المجالات الكهربائيّة والمغناطيسيّة.
يُسمى ذلك "تأثير هول Hall effect" الذي يُشاع استخدامه هنا على الأرض في كل شيء، من الأقفال المغناطيسيّة وأجهزة الاستشعار إلى تجارب الاندماج النووي.
لا يدومُ فراغ الطّاقة طويلاً، فمع إعادةِ انتظامِ الحقول المغناطيسيّة المحيطة في دقائق معدودة، يغدو الفراغ مضغوطاً وينهارُ داخلياً.
يُحول الانفجارُ الداخلي الطّاقة المغناطيسيّة إلى كميّات ضخمة من الحرارة والطاقة الحركيّة التي تتدفّقُ بمعدلٍ ثابتٍ يمكن التنبؤ به.
تلك هي الطّاقة التي نراها عندما يحدثُ التوهُّج الشمسي ويطلقُ الجزيئات المشحونة في الفضاء.
يرى الباحثون أن هذه الاكتشافات سيكون لها تداعياتٌ مهمّةٌ على فهمنا لأحداث إعادة التّرابط المغناطيسي في النظام الشمسي.
قالت "باربرا جايلز Barbara Giles"، وهي عالمةٌ في مشروع بعثة ناسا متعددة النطاقات المغناطيسية من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في ماريلاند: "إذا استطعنا فهم الكيفية التي تحدثُ بها ظاهرةُ إعادة الترابط المغناطيسي، فسيمكننا التنبؤ بشكل أفضل بالأحداث التي يمكن أن تؤثّر على الأرض، مثل العواصف المغناطيسيّة الأرضيّة والتوهجات الشمسية، وإذا تمكنّا من فهم كيف تبدأُ ظاهرة إعادة التّرابط المغناطيسي، فسوف يساعد ذلك أيضاً في أبحاث الطاقة، لأن من شأنه أن يُتيحَ للباحثين التحكم بشكل أفضل في المجالات المغناطيسيّة ضمن أجهزةِ الاندماج".