قد لا يعني "أكسيد النحاس اللانثانوم السترانوم المعدني" شيءً لمعظم الناس، لكنه بالنسبة لعلماء الفيزياء قد يحمل سر تطوير إلكترونيات تستطيع أن توصل الكهرباء بكفاءة شبه مثالية.
فعند وضعها داخل حقل مغناطيسي قوي، هذه المادة لاتوصّل بذات الطريقة التي توصّل بها المعادن الأخرى، وبمجرد معرفة السبب، قد نفهم أخيراً طريقة عمل فئة مغرية من المواد تسمى المواد فائقة التوصيل عالية الحرارة High Temperature Superconductor وإختصاراً (HTS).
بخلاف أقربائها من الموصلية ذات الحرارة المنخفضة، هذه المواد عالية الحرارة تُصنع من خليط معين من العناصر المرتبة معاً بحيث يمكن لشحنة ما أن تتحرك بحرية بغض النظر عن تدخل هزهزة الجزيئات.
إنتبه جيداً فأن هذه "الحرارة" نسبية، فالموصلات الفائقة عالية الحرارة في هذا السياق يعني أنها توصل عند درجة حرارة أعلى ولو بقليل من الموصلات الفائقة منخفضة الحرارة التي تصل حرارتها إلى الصفر المطلق، فلا نزال نحتاج درجة حرارة أعلى من سالب 135 درجة مئوية التي تعتبر أفضل من الدرجة الاعتيادية للموصلات الفائقة منخفضة الحرارة (سالب 240 درجة مئوية)، لكن بالرغم من ذلك، لن تساعدك في الحصول على المزيد من الطاقة لحاسبك المحمول.
لكن من يدري فربما بدفع حدود تطوير الموصلات الفائقة في درجات الحرارة العالية قد نصل إلى هذا الإمكانيات يوماً ما. المشكلة الوحيدة هي أننا لا نعرف الكثير عن كيفية عملها.
ولكن هناك اخبار سارة! توصل فريق بحث بقيادة المختبر القومي للحقول المغناطيسية العليا في جامعة ولاية فلوريدا إلى مصادفة مثيرة للاهتمام قد تشير إلى آلية عمل هذه الظاهرة.
عناصر غريبة
في معظم المعادن، تتفاعل الإلكترونات مع جسيمات أخرى في بيئتها لتشكيل ما يسمى شبه جسيم quasiparticle، الشبه جسيم يكون سلوكه مشابه تقريباً لسلوك إلكترون عادي، لكن مع بعض الفروقات. فشبه الجسيم هو فالحقيقة جسيم وهمي يستخدم لتبسيط وصف حركة الإلكترونات والنوى الأخرى. فهي ليست جسيمات "حقيقية" داخل المادة الصلبة.
أشباه الجسيمات تستخدم أيضاً لتوضيح كيف لشحنة ما أن تتحرك بسلاسة خلال الموصلات الفائقة. فيغير الإلكترون سلوكه بعد ارتباطه بمعالم بيئته، مما يساعده التصرف بطريقة غير اعتيادية.
يبدو أن فهم المزيد عن أشباه الجسيمات هو مفتاح لغز كيفية بناء موصل فائق يستطيع تحمل بعض الحرارة.
مواد أكسيد النحاس والتي تسمى الكوبريتات cuprates هي إحدى المواد الموصلية الفائقة ذات الحرارة العالية. فهي عبارة عن رقائق صغيرة من أكسيد النحاس محصورة بين مواد أخرى تساعد على "تطعيم" أو إشابة الطبقات الموصلة.
عند درجة الحرارة المناسبة يتحول هذا المركب إلى ما يطلق عليه علماء المواد "بالمعدن الغريب". فالغرابة في هذا المعدن تكمن في العلاقة "الغريبة" بين الانخفاض الثابت في درجة الحرارة ومقدار المقاومة التي تأتي من هزهزة ذراته.
في معظم المعادن، وأثناء ارتفاع درجة الحرارة، كل درجة مضافة تضيف نفس المقدار من المقاومة، لكن هذه العلاقة الخطية تتداعى عند درجة الحرارة المنخفضة.
هذا الأمر لا يسري على الكوبريتات، فأثناء وجودها في منطقة الموصلية الفائقة الباردة، تستمر في إظهار علاقة خطية "غريبة" بين المقاومة ودرجة الحرارة.
تدفقات جديدة
كان الباحثون فضوليين حول العلاقة بين المقاومة وقوة المجال المغناطيسي المحيط، وقد طبقت دراسة أخرى القوة المغناطيسية لاختبار الخصائص المختلفة للكوبريتات، لكن لا توجد أي دراسة حول التغيرات في متانة الكوبريتات. لهذا وضعوا قطعة من أكسيد النحاس اللانثانوم السترانوم المعدني في داخل مجال مغناطيسي ضخم يبلغ 80 تسلا (أقوى 50 مرة من جهاز الفحص الطبي).
كشف التغيير والتبديل في هذا المجال أيضاً عن علاقة خطية في المقاومة، تماماً مثل ما حدث في الحالة "الغريبة" التي صاحبت الانخفاض في درجة الحرارة، ومن غير المحتمل أن يكون هذا التشابه محض صدفة.
يقول الفيزيائي اركادي شيختر: Arkady Shekhter "عادة عندما ترى مثل هذه الأشياء، فهذا يعني أنه هناك مبدأ بسيط للغاية وراءها".
إن العثور على زيادة تناسبية في المقاومة مع ارتفاع في القوة المغناطيسية يشير إلى وجود ارتباط بين سلوكيات الإلكترون، وهو أمرٌ أشتبه في وجوده من قبل، لكنه يحتاج إلى المزيد من الأدلة.
هذا الارتباط بين الإلكترونات يحدث لاستبعاد أي دور لأشباه الجسيمات المستقلة، بمعنى أن هذا يجب أن يكون شيئاً مختلفاً تماماً عن الموصلية التقليدية.
يقول شيختر: "هنا لدينا مشكلة لا يمكن لأي لغة موجودة حالياً أن تساعد في حلها، نحن بحاجة إلى إيجاد لغة جديدة للتفكير في هذه المواد."
مع لغة جديدة تأتي إمكانية وجود طرق جديده لبناء وضبط حتى المواد الغريبة ذات خصائص التوصيل الفائق، ومن يدري ربما حتى تلك المواد التي لا تستنفذ الكثير من الهيدروجين السائل لإبقائها باردة.
